هيئة تحرير الشام تواصل إقصاء خصومها السلفيين بعمليات عسكرية خاطفة

لطالما سعت هيئة تحرير الشام منذ إحكامها السيطرة التامة على مناطق شاسعة شمالي سوريا، إلى التملص من لوائح الإرهاب العالمية، عبر عدة إجراءات انتهجتها المؤسسات الإعلامية التابعة لها، بدأت من خلالها بالترويج لها على أنها فصيل محلي مقبول شعبياً، وحاكم فعلي قادر على إدارة الأمور المدنية والعسكرية ويمتلك كوادر وخبرات قل نظيرها في غيرها من الفصائل.
مروراً بمقابلات عديدة أجراها زعيمها الملقب بـ"أبو محمد الجولاني" مع عدد من وكالات الصحف العالمية أظهر خلالها الجولاني قدرة بارعة على تغيير جلده، ونزع ثوب الإرهاب الذي يحرص النظام السوري ومن خلفه روسيا على وسمه وجماعته به، وانتهاءً بشن عمليات عسكرية وحملات أمنية استهدفت الحركات السلفية المنتشرة في ريف إدلب وجبل الأكراد، في مؤشر واضح على تخلي تحرير الشام عن منهجها السابق، وإجرائها مراجعات فكرية عديدة طالت مفاصلها ووصلت إلى رأس الهرم "الجولاني".
اتفاق بين الهيئة وجنود الشام
كشفت مصادر مطلعة لـ"وكالة المجس" عن اتفاق اُبرم بين هيئة تحرير الشام وفصيل جنود الشام، يقضي بخروج قائد الفصيل مسلم الشيشاني من ريف اللاذقية، في ظل استمرار "هيئة تحرير الشام" بحملتها الأمنية ضد فصيله في المنطقة.
وأضافت المصادر أن الاتفاق الذي أبرم بين الشيشاني وقادة كبار في هيئة تحرير الشام قضى بخروجه برفقة 70 من عناصره من منطقة جبل التركمان شمالي اللاذقية، وذلك بعد تدخل عدة وساطات ومجموعات مقربة من الطرفين لإنهاء الخلاف وإيقاف الاقتتال الدامي الذي اندلع بين الشيشاني وتحرير الشام.
وتضمن الاتفاق تعهد قدمه قادة في هيئة تحرير الشام بتأمين خروج آمن للشيشاني ومجموعاته المقاتلة، دون اعتراضهم لاحقاً من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للهيئة، كما تم الاتفاق وفقاً للمصادر على تسليم مطلوبين أمنيين لهيئة تحرير الشام، كان بعضهم قد توارى عن الأنظار وتوجه إلى مناطق سيطرة الشيشاني في جبل التركمان.
وعُقب الاتفاق تناقلت وسائل إعلامية تابعة لهيئة تحرير الشام ومصادر محلية أخرة، صوراً ومقاطع مصورة تظهر لحظة خروج الشيشاني وعناصره من جبال التركمان بريف اللاذقية بموجب الاتفاق المُبرم مع هيئة تحرير الشام.
وشغل الاقتتال الدائر بين هيئة تحرير الشام ومجموعات سلفية أخرى مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المجموعات الجهادية التي تحظى بعلاقات طيبة مع الطرفين، حيث اعتبره البعض محاولة من الجولاني لاسترضاء الغرب، وقتل ما تبقى من "المهاجرين" على أرض الشام، فيما أصدرت عدة فصائل تحت مسمى "كبرى كتل المهاجرين في الساحة الشامية" بياناً، أمس، دعوا فيه إلى وحدة الصف بين المهاجرين والأنصار، مبررين حملة الهيئة ضد الجماعات الجهادية في الساحل، ونافين أن تكون شاملة ضد الجهاديين الأجانب،  موضحين أنها استهدفت الجماعات التي ارتكبت تجاوزات ومخالفات أبرزها إيواء الدواعش والغلاة والمطلوبين للمؤسسات الأمنية.
وشهد ريفي إدلب الغربي واللاذقية الشمالي، يوم أمس الاثنين، اشتباكات دامية بين هيئة تحرير الشام من جهة، وفصيلي "جنود الشام" و"جند الله" من جهة أخرى، وذلك عُقب إرسال الهيئة أرتالاً ضخمة ضمت أكثر من 100 آلية بينها رشاشات ومدافع ثقيلة ومئات العناصر، لشن هجوم على مواقع "جنود الشام" بقيادة "مسلم الشيشاني" و"جند الله" الذي يتزعمه "أبو فاطمة التركي".
وبدأت الاشتباكات بهجوم مباغت وواسع شنته مجموعات تابعة لتحرير الشام ضد مواقع لفصيل جنود الشام في قرية اليمضية بجبل التركمان بهدف السيطرة عليها، كما هاجمت مجموعات أخرى مقار تابعة لـ"جند الله"  وأسفرت عن مقتل أحد قادة التنظيم، الذي تتهمه الهيئة بإيواء عناصر من تنظيم "حراس الدين الذي تعمل الهيئة على تفكيكه منذ أشهر.
وخلفت الاشتباكات قتلى وجرحى بين الطرفين فضلاً عن أسر "جند الله" لعدد من عناصر هيئة تحرير الشام وإعطاب مركبات تابعة لها، تزامناً مع تفتيش الهيئة لبعض المنازل في مدينة جسر الشغور غربي إدلب، كانت لعناصر تابعين للجماعة المذكورة أو لأشخاص متعاطفين معها.
أصل الخلاف
في 28حزيران الفائت، أمهلت هيئة تحرير الشام قائد تنظيم جنود الشام "مسلم الشيشاني" مهلة للخروج من إدلب أو الانصياع لطلبات هيئة تحرير الشام، حيث خيرته بين الانضمام إليها أو مغادرة مناطق سيطرتها في مدينة إدلب، بحسب تقرير سابق لـ"وكالة المجس".
وأضاف التقرير أن الهيئة عرضت على الشيشاني الانضمام إلى لمجلس العسكري المكون من فصائل الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام المدعوم من تركيا، والذي تفرض الهيئة قوتها وسطوتها عليه أو مغادرة مناطقها كلياً خلال شهر من استلامهم العرض.
وبين التقرير أن مراد مارغوشفيلي الملقب بـ”مسلم أبو وليد الشياني” المنحدر من القبائل الشيشانية التي تعيش في جورجيا رفض عرض هيئة تحرير الشام بالانضمام إلى صفوفها، نافياً في الوقت ذاته الاتهامات الموجهة له من قبل الهيئة، ومؤكداً على أن فصيله لم يقم بإيواء مطلوبين أمنيين أو عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي معرض رد هيئة تحرير الشام على رفض الشيشاني للانضمام إليها، وفي ما يبدو أنه تمهيد للمعركة التي جرت أمس، والتي تهدف لاستئصال الفصيل قال مكتب العلاقات العامة في هيئة تحرير الشام حينها إن "القضية بخصوص جنود الشام التي يقودها الشيشاني، تتعلق بوجود خلايا أمنية ضمن الفصيل متهمة بارتكاب عمليات سرقة مثبتة بالصور والأدلة.
وأضاف المكتب أنه لا فاعلية عسكرية للفصيل في العمليات العسكرية التي جرت وتجري في المناطق المحررة، متهماً إياه بمحاولة الترويج لوجوده وإضفاء حجم كبير لا يتناسب مع الفاعلية الصغيرة لعمل الفصيل، نافيةً الاتهامات حول علاقّة تركيا بطلبها، مبررة ذلك، أن الشيشاني يتمتع بعلاقات وطيدة مع الأتراك ويدخل وخرج من سوريا كما يشاء عبر الحدود السورية التركية.
ويصنف مسلم الشيشاني من قبل وزارة الخارجية الأمريكية على أنه قائد جماعة إرهابية مسلحة في سوريا منذ أيلول 2014، إذ اتهمته الوزارة ببناء قاعدة للمقاتلين الأجانب في سوريا، ويقود فصيل جنود الشام، الذي شارك في عدد من المعارك في سوريا ومنها معركة كسب عام 2013، ومعركة تحرير إدلب عام 2015، وتتخذ الجماعة من جبال ريف اللاذقية مقرات لها ولعوائل عناصرها الذي يقدرهم أعدادهم بنحو ألف مقاتل.
من هو تنظيم جنود الشام
أُسس تنظيم جنود الشام مطلع العام 2012، وينحدر معظم مقاتليه من دول القوقاز التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي سابقاً، وواجه التنظيم موجة انشقاقات عصفت به، بعد انضمام أكثر من نصف عناصره لصالح عمر الشيشاني الذي بايع تنظيم الدولة مع مجموعته.
وفي عام 2014 لعب مقاتلو جنود الشام دوراً بارزاً في معركة الأنفال في جبال الساحل بريف اللاذقية والتي تمكنت خلالها المعارضة من السيطرة المؤقتة على أهم معاقل قوات النظام في قمة المرصد 45 في جبل التركمان.
واتخذ التنظيم من جبلي التركمان والأكراد في ريف اللاذقية الشمالي معقلاً رئيسياً له برفقة تنظيمات سلفية صغيرة أخرى، والتي يرجع لها الدور الأبرز بإفشال العمليات البرية لقوات النظام وحلفائها في منطقة الكبانة وغيرها من التلال والمرتفعات الحاكمة هناك.
حملات تهدف للسيطرة وإثبات التحول
وتأتي حملة هيئة تحرير الشام الممنهجة على جنود الشام وحراس الدين وجند الله وغيرها من التنظيمات السلفية في مناطق سيطرتها، ضمن محاولات الهيئة لترسيخ هيمنتها ونفوذها على المشهد العسكري بشكل كامل في تلك المناطق، فضلاً عن أنها تأتي في سياق إثبات التحولات المنهجية التي تعمد هيئة تحرير الشام عبر ماكينتها الإعلامية إلى تصديرها للقوى الإقليمية والدولية.
وتسعى تحرير الشام من خلال الحملات العسكرية على الجماعات الجهادية الأجنبية إلى ضمان استمرارها كحاكم مُطلق لمدينة إدلب، فضلاً عن أرسال رسائل للغرب بقدرتها على إنجاح المشروع الإسلامي المحلي الذي تزعم بأنه لن يشكل أي تهديد للدول المحيطة بسوريا.
فيما يتهم معارضو الهيئة زعيمها أبو محمد الجولاني بالسعي لتسليم جبال الساحل في ريف اللاذقية الشمالي للنظام واستمرار سياسة التقرب من الغرب، ومحاولة إرضاء روسيا عبر التضييق على المقاتلين القوقازيين والانتقام من الجماعات الجهادية الصغيرة بسبب رفضها الدائم الانضمام إلى صفوف الهيئة، والتخوف من ردة فعل هذه الجماعات في حال تكاتفت فيما بينها ضد الهيئة، فيما تتهم الهيئة التنظيمات السلفية المناهضة لها بالاستثمار في كل حدث لضرب مشروعها في إدلب، وإظهار الهيئة بمظهر المحارب للتنظيمات الدينية.