ما مصير فصيلي جند الله وجنود الشام بعد إقصائهما عن جبهات ريف اللاذقية

عُقب معارك شرسة شهدتها مناطق ريف إدلب الغربي، وجبل التركمان في ريف اللاذقية، استطاعت هيئة تحرير الشام التي يتزعمها أبو محمد الجولاني، من إنهاء وجود فصيلي جند الله وجنود الشام، اللذان يضمان عناصر جهادية من جنسيات أجنبية، جاءت للقتال في سوريا بدعوى الجهاد، وذلك بناءً على عدة فتاوى صدرت إبان انطلاق الثورة السورية، بوجوب الجهاد في سوريا باعتباره جهاد دفع، ورد صائل، وذلك عُقب استعانة النظام السوري بميليشيات طائفية تتبع لإيران الشيعية، ما ساهم في شحن العواطف الدينية لدى المتشددين العرب والأجانب للقدوم إلى سوريا.
أسابيعٌ مضت على إنهاء هيئة تحرير الشام، لفصيلي جند الله بزعامة أبو حذيفة الآذري، وجنود الشام بقيادة " مسلم الشيشاني"، والانتشار في نقاط تواجدهما السابقة بريفي إدلب واللاذقية، وذلك بعد معارك دامية أسفرت عن سيطرة الهيئة على نقاط الرباط التابعة لهما، فضلاً عن قتلها عدداً من العناصر والقيادات خلال الاشتباكات.
من جانبها اكتفت هيئة تحرير الشام بعد سيطرتها على نقاط انتشار جند الله وجنود الشام بالقول، إنها توصلت إلى اتفاقات تقضي بتسليم المطلوبين أمنياً، والمتهمين بتنفيذ عمليات أمنية ضد عناصر الهيئة، دون تحديد مصير العناصر التي تم إخراجها من جبل التركمان بعد المعارك، في مؤشر واضح إلى أن الهدف الرئيس للهيئة تمثل بالسيطرة على كامل النقاط في جبال اللاذقية، بخلاف الدعاية الإعلامية التي عملت على ترويجها، والتي أعلنت من خلالها أن أهداف الحملة هي اعتقال المطلوبين بقضايا أمنية وجنائية تمس أمن المناطق في الشمال السوري.
هروب عدد من الجهاديين إلى تركيا بتسهيل من تحرير الشام
مصادر خاصة أكدت لـ"وكالة المجس" أن فصيل جند الله والذي يُعرف باسم متزعمه " أبو فاطمة التركي"، الذي استطاعت الهيئة إنهاء وجوده في جبال التركمان، وحله بالكامل، وذلك بعد مقتله زعيمه أبو حذيفة الأذري، ، شهد منذ أواخر الشهر الفائت، عمليات هجرة منظمة لعناصره والبالغ عددهم قرابة 35 عنصراً، باتجاه الأراضي التركية.
وأضافت المصادر أن عمليات تهريب العناصر إلى الأراضي التركية، تمت تحت مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية التابعة لهيئة تحرير الشام، وعن طريق مهربين على تعامل وثيق مع الهيئة، في مؤشر واضح لرغبة الهيئة بخروج العناصر الأجنبية والمهاجرين من الأراضي الخاضعة لسيطرتها المُطلقة، باتجاه الأراضي التركية، وهو ماسعت إليه تحرير الشام منذ بداية حملتها العسكرية.
ولفتت المصادر أن تحرير الشام، أوعزت لمهربين على الحدود السورية- التركية، بتسهيل عمليات خروج العناصر الأجنبية، عبر ممرات لم يسبق أن استخدمت من قبل، وذلك لضمان خروج سريع وآمن للعناصر الذين ينتمون لقوميات وأعراق تركية باتجاه تركيا، ولرفع الحرج عن الهيئة أمام عناصرها في قتال الجهاديين الأجانب الذين كانوا يحظون بدعمها ويلقبون حتى أيام خلت بـ"إخوة الجهاد".
وكانت هيئة تحرير الشام قد أعلنت، في 29 تشرين الأول الفائت، عن سيطرتها الكاملة على جميع المواقع العسكرية التي كانت بحوزة فصيل “جند الله”، بعد أيام من إعلانها إنهاء فصيل جنود الشام الذي كان تحت قيادة مسلم الشيشاني.
وقالت وكالة "المجس" في تقريرٍ سابق إن تحرير الشام تمكنت من إنهاء فصيل "جند الله" بشكل كامل وذلك عُقب اشتباكات دامت لأربعة أيام متواصلة في منطقتي اليمضية وجبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي الشرقي، ونقلت عن مسؤولين عسكريين في تحرير الشام، إن المجموعات العسكرية التابعة للهيئة قتلت أكثر من 20 عنصر يتبعون لفصيل جند الله خلال عمليتها الأمنية في المنطقة، ما اضطر الفصيل للرضوخ إلى شروطها التي تتضمن حل التجمع الخاص بهم، بالإضافة إلى تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.
يأتي ذلك بعد هجوم واسع للهيئة على مقار تابعة للجماعة في قرية اليمضية بجبل التركمان، في محاولة منها لإنهاء فصيل جند الله وتفكيكه، في حركة مشابهة لتلك التي توصلت إليها مع جنود الشام وأفضت لسيطرة الهيئة على كافة مواقعها العسكرية في جبل التركمان وإنهاء تواجد الفصيل في تلك المنطقة.
وأكد التقرير اعتقال هيئة تحرير الشام، القيادي العسكري "موسى الشيشاني" شقيق "مسلم الشيشاني" قائد جماعة جنود الشام على الحدود السورية التركية، مضيفاً أنها اعتقلته أثناء محاولته الدخول إلى الأراضي التركية بالقرب من بلدة "اليمضية" المحاذية للشريط الحدودي مع تركيا ضمن جبل التركمان شمالي شرق محافظة اللاذقية.
الاعتقال جاء على خلفية رفض القيادي موسى الانصياع إلى شروط الهيئة والخروج إلى جانب شقيقه مسلم من جبل التركمان، حيث آثر البقاء إلى جانب جماعة جند الله، كما اعتقلت تحرير الشام نحو 40 عنصراً من جماعة جند الله وأنصارها بالقرب من بلدة اليمضية شمالي شرق اللاذقية، بالإضافة لبسط سيطرتها على غالبية التلال والمقار العسكرية التي كانت تتخذها جماعة جند الله والجماعات المستقلة الموالية لها في جبل التركمان شمالي شرق محافظة اللاذقية، وفي مدينة جسر الشغور وبلدة بداما غرب محافظة إدلب.
الشيشاني إلى العمل العسكري مجدداً تحت عباءة التركستان
على عكس الإجراءات التي اتبعها فصيل "جند الله" بالتخلي عن العمل العسكري والخروج من سوريا، عمل الشيشاني منذ بدء تهديدات هيئة تحرير الشام الموجهة له، بضرورة الانضمام إلى صفوفها أو الخروج من مناطق سيطرتها، على التواصل مع الفصائل الجهادية الأخرى، في محاولة منه لزجها في الصراع مع الهيئة بغية إيقاف الهيئة لأي عمل عسكري خوفاً من تمرد جهادي قد يواجهها في ريفي إدلب واللاذقية.
حسابات الشيشاني وتعويله على الفصائل الجهادية التي تضم عناصراً من جنسيات مختلفة، لم تفلح في إيقاف العمل العسكري الذي أعلنته الهيئة وأفضى لإنهاء وجود الشيشاني في نقاط الرباط التابعة له، إلا أنها أثمرت نوعاً ما في الحفاظ على بقاء الشيشاني في سوريا، على عكس جند الله التي تم استئصال وجودها من الأراضي السورية.
مصادر مطلعة أكدت لـ"وكالة المجس" انضمام الشيشاني وعدد كبير من عناصره إلى الحزب الإسلامي التركستاني، والذي يتمتع بعلاقات جيدة مع هيئة تحرير الشام، وذلك عُقب مباحثات جرت بينه وبين التركستان وأفضت إلى قبول انضمامه في صفوفهم.
وأضافت المصادر أن التركستان اشترطوا على مسلم الشيشاني، وعناصر فصيله، الخضوع لدورة شرعية، واتباع النهج المُتبع من قبل الحزب التركستاني، والتخلي عن الفكر المرتبط بتنظيم "الدولة" الذي يُتهم الشيشاني بحمله، كشرط أساسي لقبوله ضمن صفوفهم، وهو ماوافق عليه الشيشاني بشكل مباشر.
وكانت هيئة تحرير الشام قد أبرمت في وقتٍ سابق، اتفاقاً مع الشيشاني يقضى بخروجه برفقة 70 من عناصره من منطقة جبل التركمان شمالي اللاذقية، وذلك بعد تدخل عدة وساطات ومجموعات مقربة من الطرفين لإنهاء الخلاف وإيقاف الاقتتال الدامي الذي اندلع بين الشيشاني وتحرير الشام.
وتضمن الاتفاق تعهد قدمه قادة في هيئة تحرير الشام بتأمين خروج آمن للشيشاني ومجموعاته المقاتلة، دون اعتراضهم لاحقاً من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للهيئة، كما تم الاتفاق وفقاً للمصادر على تسليم مطلوبين أمنيين لهيئة تحرير الشام، كان بعضهم قد توارى عن الأنظار وتوجه إلى مناطق سيطرة الشيشاني في جبل التركمان.
وفي 28حزيران الفائت، أمهلت هيئة تحرير الشام قائد تنظيم جنود الشام "مسلم الشيشاني" مهلة للخروج من إدلب أو الانصياع لطلبات هيئة تحرير الشام، حيث خيرته بين الانضمام إليها أو مغادرة مناطق سيطرتها في مدينة إدلب، بحسب تقرير سابق لـ"وكالة المجس".
وأضاف التقرير أن الهيئة عرضت على الشيشاني الانضمام إلى لمجلس العسكري المكون من فصائل الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام المدعوم من تركيا، والذي تفرض الهيئة قوتها وسطوتها عليه أو مغادرة مناطقها كلياً خلال شهر من استلامهم العرض.
وبين التقرير أن مراد مارغوشفيلي الملقب بـ”مسلم أبو وليد الشياني” المنحدر من القبائل الشيشانية التي تعيش في جورجيا رفض عرض هيئة تحرير الشام بالانضمام إلى صفوفها، نافياً في الوقت ذاته الاتهامات الموجهة له من قبل الهيئة، ومؤكداً على أن فصيله لم يقم بإيواء مطلوبين أمنيين أو عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية.
ويصنف مسلم الشيشاني من قبل وزارة الخارجية الأمريكية على أنه قائد جماعة إرهابية مسلحة في سوريا منذ أيلول 2014، إذ اتهمته الوزارة ببناء قاعدة للمقاتلين الأجانب في سوريا، ويقود فصيل جنود الشام، الذي شارك في عدد من المعارك في سوريا ومنها معركة كسب عام 2013، ومعركة تحرير إدلب عام 2015، وتتخذ الجماعة من جبال ريف اللاذقية مقرات لها ولعوائل عناصرها الذي يقدرهم أعدادهم بنحو ألف مقاتل.
وتأتي حملات هيئة تحرير الشام الممنهجة على جنود الشام وحراس الدين وجند الله وغيرها من التنظيمات السلفية في مناطق سيطرتها، ضمن محاولات الهيئة لترسيخ هيمنتها ونفوذها على المشهد العسكري بشكل كامل في تلك المناطق، فضلاً عن أنها تأتي في سياق إثبات التحولات المنهجية التي تعمد هيئة تحرير الشام عبر ماكينتها الإعلامية إلى تصديرها للقوى الإقليمية والدولية.
وتسعى تحرير الشام من خلال الحملات العسكرية على الجماعات الجهادية الأجنبية إلى ضمان استمرارها كحاكم مُطلق لمدينة إدلب، فضلاً عن أرسال رسائل للغرب بقدرتها على إنجاح المشروع الإسلامي المحلي الذي تزعم بأنه لن يشكل أي تهديد للدول المحيطة بسوريا.