هل تُسرّع الزيارة الإماراتية للأسد عجلة التطبيع العربي

في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها منذ العام 2011، وصل أمس الثلاثاء، وزير الخارجية الإماراتي "عبد الله بن زايد" إلى العاصمة السورية دمشق على رأس وفد دبلوماسي، حيث استقبلهم رأس النظام السوري "بشار الأسد"، وعمل الإعلام الرسمي الموالي للنظام على الاحتفاء بالزيارة معتبراً إياها نقطة تحول في العلاقات السورية العربية.
فيما نقلت وسائل إعلام عربية عن مصادر دبلوماسية إماراتية قولها، إن عبد الله بن زايد نقل إلى الأسد رسالة رسمية من رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان.
وأضافت أن الأسد وبن زايد بحثا خلال لقاءٍ مطول عدة قضايا سياسية واقتصادية، وعلى رأسها ملف عودة النظام السوري إلى مقعده في الجامعة العربية، حيث أكدت المصادر أن موضوع الجامعة العربية كان من أبرز ملفات الحوار بين الجانبين.
فيما أشارت قناة "روسيا اليوم" عن مصدر مطلع، إلى أن وفداً إماراتياً رفيع المستوى وصل إلى دمشق بهدف كسر العزلة العربية عن نظام الأسد والتي امتدت لعشر سنوات.
فيما احتفت وسائل إعلام إماراتية بزيارة وزير خارجية بلادها لدمشق، واصفةً إياها بالـ"دبلوماسية الشجاعة"، الهادفة لحقن الدماء وبناء الأوطان والتنمية في سوريا، مشيرةً إلى أن الرسالة الرئيسية التي تحملها هذه الزيارة، هي أن الإمارات تدعم جهود الاستقرار في سوريا.
وكان الاتصال الهاتفي الذي أجراه رأس النظام في سوريا، مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، في تشرين الأول الفائت، أولى خطوات التطبيع الرسمية بين الساسة والمسؤولين الفاعلين بين البلدين، حيث أعطى الزمام للإماراتيين في قيادة قطار التطبيع والتعويم مع نظام الأسد عربياً وإقليمياً.
وقد تصدرت دولة الإمارات مؤخراً مساعي بعض الدول العربية لتطبيع العلاقات، ودعت في وقت سابق هذا العام إلى عودة سوريا لتشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، وذلك بعد إعادة فتح سفارتها في دمشق قبل ثلاثة أعوام
التطبيع العربي مع النظام السوري
لاشك أن زيارة الوفد الرسمي الإماراتي برئاسة وزير الخارجية، عبدالله بن زايد، أمس، إلى دمشق لم تكن أولى الخطوات التي تكسر عزلة نظام بشار الأسد من محيطه الإقليمي والعربي، فعلى الرغم من أن الزيارة هي الأولى منذ عشر سنوات، إلا أنها جاءت بعد مكالمة بين ولي عهد أبوظبي ورأس النظام السوري.
ففي تشرين الأول الفائت تلقى الملك عبدالله الثاني ملك الأردن، اتصالاً هاتفياً من رأس النظام السوري بشار الأسد، بعد قطيعة دامت قرابة 10 سنوات.
قالت وكالة بترا الأردنية إن الملك الأردني تلقى اتصالاً من الأسد، بحثا خلاله العلاقات بين البلدين وسبل تعزيز التعاون بينهما، حيث أكد الملك الأردني دعم بلاده لجهود النظام السوري للحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة أراضيها وشعبها، حسب وصفه.
فيما قالت وكالة الأنباء الرسمية التابعة للنظام السوري "سانا" أن الأسد أجرى اتصالات مع الملك الأردني تباحث خلاله الجانبان العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون المشترك لما فيه مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين.
كما شهدت خطوات التطبيع الأخيرة  وجود مكالمات و زيارات ضمت مسؤولين مصريين أيضاً، ليُضافوا إلى قائمة التطبيع العربي، على مدار السنوات الأخيرة فضلاً عن خطوات أخرى  شملت إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق عام 2018، وفتح معبر جابر الحدودي بين الأردن وسوريا، واستئناف الرحلات البرية والجوية بين البلدين.
العلاقات المصرية السورية لم تنقطع، وهو ما أكدته عدة وسائل إعلام عربية وغربية، مبينةً وجود تنسيق سياسي ودبلوماسي وأمني ممتد على مدار السنوات السبع الماضية، فضلاً عن زيارات أمنية متبادلة ربما غير معلن عنها، بالإضافة إلى أن وجود منصة القاهرة التي تستضيف أيضا تيارات معارضة سورية.
وتأتي هذه التحركات السياسية والدبلوماسية من قبل بعض الدول العربية مع النظام السوري قبل القمة العربية التي تستضيفها الجزائر، في آذار المقبل، حيث علقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا، منذ اندلاع الثورة فيها عام 2011.
وكان وزير الخارجية في حكومة النظام فيصل المقداد، التقى بوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وذلك في مدينة نيويورك الأميركية على هامش الدورة الـ 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأعلنت الخارجية الأردنية عن اللقاء بين وزيري الخارجية في بيان قالت فيه إن الطرفين بحثا الخطوات "التي يقوم بها البلدان لزيادة التعاون في المجالات المختلفة، إضافة إلى ضمان أمن الحدود المشتركة وبما ينعكس خيراً على البلدين والشعبين الشقيقين".
كما بحث الوزيران موضوع تزويد لبنان بالطاقة الكهربائية من الأردن والغاز المصري عبر سوريا، "بما يُساعده على تجاوز أزمة الطاقة"، كما استعرضا "الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ومعالجة تبعاتها بكل جوانبها"، بحسب البيان.
وفي أيلول الفائت التقى وزير الدفاع في حكومة النظام السوري العماد علي أيوب، رئيس هيئة الأركان الأردنية اللواء يوسف الحنيطي في زيارة بحثا خلالها قضايا عدة أبرزها أمن الحدود وملف درعا.
وقال الجيش الأردني في بيانٍ له إنه تم خلال اللقاء بحث العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك وعلى رأسها تنسيق الجهود لضمان أمن الحدود المشتركة بين البلدين، والأوضاع في الجنوب السوري عموماً ومحافظة درعا خصوصاً ومكافحة الإرهاب والجهود المشتركة لمواجهة عمليات التهريب عبر الحدود وخاصة تهريب المخدرات.
وأضاف البيان بأن اللقاء جاء في إطار الحرص المشترك على زيادة التنسيق في مجال أمن الحدود بما يخدم مصالح البلدين "الشقيقين"، مؤكداً على استمرار التنسيق والتشاور المستقبلي إزاء مجمل القضايا المشتركة.
ولم يتطرق البيان الأردني إلى تحديد موعد وصول أيوب للأردن ومدة زيارته لها، وفيما إذا كان سيلتقي الملك عبد الله الثاني أم لا، والذي عاد مؤخراً من زيارة عمل رسمية إلى الولايات المتحدة استمرت 10 أيام.
وكان الملك الأردني قال في نهاية تموز الفائت إن" رئيس النظام بشار الأسد ونظامه سيبقيان في سوريا لأمد طويل، داعياً إلى حوار مع النظام في دمشق."
وأضاف عبدالله الثاني قائلاً "أتفهم غضب وتخوف العديد من الدول حول ما حدث للشعب السوري، لكن الإبقاء على الوضع القائم يعني استمرار العنف الذي يدفع ثمنه الشعب السوري"، قائلاً "لقد عشنا معاناة الشعب السوري لسبع أو ثماني سنوات، وعلينا الاعتراف أنه ليس هناك إجابة مثالية، لكن الدفع باتجاه الحوار بصورة منسقة أفضل من ترك الأمور على ما هي عليه".
وفي منتصف تموز الفائت كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن ملك الأردن عرض على الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته إلى الولايات المتحدة، الانضمام إلى فريق عمل يسعى للاتفاق على خريطة طريق للحل في سوريا، مشيرةً إلى أن بلاده ستعمل مع الأشقاء العرب على إعادة سوريا إلى الحضن العربي، موضحاً أن التوصل إلى حلول لمساعدة سوريا سيساعد المنطقة بكاملها والأردن على وجه الخصوص.
ويُشير مراقبون إلى أن عجلة التطبيع العربي قد تستمر،  مبينين أن الخطوات العربية وخاصة الإماراتية وربما ستأتي لاحقاُ من قبل السعودية، نتجت عن تبني هذه الدول رؤية مغايرة لما كانت عليه قبل سنوات وأيضاً رؤية مغايرة للولايات المتحدة، حتى أصبحت تبحث عن دوائر تستطيع من خلالها التقارب مع قوى دولية أخرى مثل روسيا والصين.
وأضافوا أنه لا يمكن فصل هذه التحركات عن حالة التوتر المكتوم بين إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، وعدد من الدول الخليجية خاصة الإمارات والسعودية، بعد رفع الولايات المتحدة المظلة الأمنية التي كانت معهودة لدول الخليج.
وكشفوا عن وجود صفقات خليجية روسية بعد إعلان إدارة بايدن تخفيف وجودها العسكري في الخليج، والضغوطات التي تمارس من قبل واشنطن في ملفات حقوقية وملف اليمن وتوجيه إدانات مباشرة للسعودية والإمارات، حتى أصبح للصين نفوذ في المنطقة.
فيما يرى مراقبون أن التقارب مع النظام السوري له اعتبارات أخرى تشمل عقود إعادة الإعمار في سوريا بعد إنهاء الأزمة، والتي ربما سيكون فيها نافذة كبيرة للشركات المصرية والاستثمارات الخليجية وخاصة الإماراتية والسعودية، مبينين أن هناك صراعاً على النفوذ ومكامن الطاقة في منطقة شرق المتوسط وأن السواحل السورية غنية بها، فضلاً عن أن سوريا لم تنخرط حتى الآن في الاتفاقيات الخاصة بترسيم الحدود أو آليات التنقيب عن الطاقة.
الموقف الأمريكي من الزيارة
نددت الولايات المتحدة الأميركية بزيارة وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان لرئيس النظام السوري بشار الأسد، وحذرت دول المنطقة من التطبيع مع النظام السوري.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية "نيد برايس" للصحفيين: "نشعر بالقلق إزاء التقارير عن هذا الاجتماع والإشارة التي يبعث بها"، ووصف برايس الأسد بالدكتاتور الوحشي، مؤكداً أن واشنطن لا تدعم جهود إعادة تأهيل بشار الأسد والتطبيع معه.
وأضاف برايس: "إننا نحث دول المنطقة على النظر بعناية في الفظائع التي ارتكبها هذا النظام، والتي ارتكبها بشار الأسد نفسه، بحق الشعب السوري على مدار العقد الماضي".
وأكد برايس أن الولايات المتحدة لن تطبع أو تطور علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد طالما أنه لا يوجد تقدم في الحل السياسي، وأنها لا تدعم تطبيع أو تحسن علاقات الدول الأخرى معه، بالنظر إلى الفظائع التي ارتكبها هذا النظام على شعبه، مذكراً بانتهاكات النظام المستمرة لمنع وصول المساعدات الإنسانية لسوريا.
وسبق أن حذرت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب العام الفائت أبو ظبي من تداعيات استمرار التطبيع مع النظام السوري، وإمكانية مواجهة عقوبات بموجب قانون قيصر، إلا أن التراخي المُلاحظ من قبل إدارة الرئيس بايدن شجعت العديد من الدول التي تعمل على إرضاء الروس، في أخذ منحى تطبيعي مع النظام السوري، وسط تخبط في السياسة الأمريكية في المنطقة.
وتفرض الولايات المتحدة عقوبات عدة على النظام السوري، أبرزها "قانون قيصر" الذي دخل حيز التنفيذ، العام الماضي، ويفرض عقوبات على أي جهة تتعامل مع نظام الأسد.