هل نجح التطبيع العربي بإحداث خرق في العلاقات السورية الإيرانية

وصل وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، الثلاثاء الفائت، إلى العاصمة السورية دمشق والتقى الأسد لساعات عدة، في زيارة تُعتبر الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة والاحتجاجات الشعبية في سوريا، عاش النظام السوري خلالها عزلة عربية تامة، باستثناء دول عربية تتشارك معه المحور ذاته، الذي تقوده إيران في المنطقة.
الزيارة سبقتها عدة خطوات إماراتية، أبرزها افتتاح السفارة في دمشق عام 2018، واتصال هاتفي أجراه رئيس النظام السوري بشار الأسد مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان في 20 تشرين الأول الفائت، فضلا عن طائرات محملة بمساعدات للنظام السوري، بحجة تفشي وباء كورونا، في خطوات تُعتبر الأكبر جرأة خليجياً تجاه النظام الذي قُطعت العلاقات معه بشكل تام عام 2011، بسبب رفضه إجراء أي إصلاح في سوريا، وقمعه الاحتجاجات الشعبية بالحديد والنار.
وتندرج الزيارة التي قام بها بن زايد إلى دمشق في سياق خطوات حثيثة من دول عربية تجاه الأسد، الذي سبق أن أجرى اتصالا هاتفيا قبل نحو شهر بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، مع إعادة افتتاح مركز جابر - نصيب الحدودي مع سورية أمام المسافرين وحركة الشحن.
تطبيع يهدف لإبعاد الأسد عن إيران
لاشك في أن النظام السوري، الذي لايملك من ثروات سوريا الطبيعية إلا القليل، فضلا عن تهالك جيشه وتمزقه خلال العشر سنوات الأخيرة، إثر المعارك الطاحنة مع قوات المعارضة السورية، ليس في يده أي إغراءات أو امتيازات قد يمنحها للدول العربية المدمة على التطبيع معه، رغم الرفض الأمريكي.
وعليه فإن زيارة وزير الخارجية الإماراتي الأخيرة إلى دمشق، يُمكن إدراجها في سياق المحاولات العربية الحثيثة الرامية لسحب النظام السوري من الحضن الإيراني، مقابل تقديم حوافز ووعود له، بإعادة تصديره دولياً، وتخفيف العقوبات الأمريكية والغربية، والمباشرة في عمليات إعادة الإعمار، والتي يسعى النظام جاهداً للبدء بها دون الشروط الدولية المتعلقة بالتوصل إلى حل سياسي.
فيما شكك معارضون سوريون لدى حديثهم لـ"وكالة المجس" في مدى تأثير التطبيع العربي، في علاقة الأسد مع طهران، معتبرين أنها تمت بدفع من موسكو، التي تحاول إعادة تأهيل النظام الذي يضفي شرعية على وجودها العسكري في سوريا، مبينين أنه لا يمكن بأي شكل فصل النظام عن الجانب الإيراني، ومشددين على أن هذه الزيارات تدعم العلاقة القائمة بين نظام الأسد وطهران وليس العكس.
وأشاروا إلى أن السياسة الأمريكية الحالية في سوريا، تهدف لتطويق النفوذ الإيراني في سوريا، وهو ما أجبر واشنطن على تقديم تنازلات سياسية لموسكو في سوريا، بناء على وعود الأخيرة بالحد من النفوذ الإيراني، عبر إعطاء الضوء الأخضر للإسرائيليين بقصف المواقع الإيرانية في سوريا، فضلاً عن دعوتها لعدة دول عربية لزيارة الأسد والضغط تجاه إعادته إلى الجامعة العربية، بذريعة إبعاده عن المحور الإيراني، وهو ما يفسر التصريحات الخجولة لواشنطن بخصوص خطوات التطبيع الأخيرة.
ومع هذا الموقف الأميركي، وشبه الصمت الغربي، وجدت الجزائر الفرصة سانحة لإعلان موقفها الرسمي من عودة النظام إلى الجامعة العربية، حيث طالب وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بإعادة كرسي النظام إليها، في تلميح لبدء الترويج لدعوة النظام للقمة العربية التي ستستضيفها الجزائر في آذارالمقبل، وما تلاه من تبرير أردني للتطبيع مفاده أن التعايش مع الوضع الراهن ليس خياراً.
خلافات بين الأسد وإيران أعقبت الزيارة الأخيرة
على الرغم من التشكيك الهائل بجدوى التطبيع العربي مع الأسد في إحداث خرق في العلاقات السورية الإيرانية، المرتبطة بدعم عسكري هائل، قُدم للأسد خلال السنوات الفائتة، فضلاً عن عمليات تغلغل جرت وبشدة في مناطق شاسعة في الجغرافية السورية، تجعل مهمة الأسد في إخراج إيران من سوريا مهمة شبه مستحيلة، إلا أن التوافق الدولي الحالي، والمتمثل بتفاهمات روسية أمريكية إسرائيلية، على ضرورة إخراج إيران من سوريا، بالإضافة للعزلة الدولية التي تعيشها طهران، بسبب أنشطتها النووية، قد تجعل الأسد يعيد التفكير في العلاقات مع إيران، مقابل إعادة تصدير دولياً، والشروع في إعادة إعمار ما دمره خلال العشر سنوات الفائتة.
حيث كشفت هيئة البث الإسرائيلية " كان 11" عن  تعيين قائد جديد للعمليات الإيرانية في سوريا، إثر خلافات بين الأسد، وقائد فيلق القدس الإيراني في سوريا "مصطفى جواد غفاري"، نتيجة نشاطات الأخير في الأراضي السورية، مضيفةً أن دمشق اعتبرت نشاطات غفاري الذي يسير على نهج قاسم سليماني بمثابة المحاصصة لها على كافة المستويات، وهو ما اعتبرته دمشق "تجاوزاً للأعراف السورية"، وفق تعبيرها.
وأضافت الهيئة الإسرائيلية أن الخلاف بين الأسد وغفاري، نتج أيضاً عن أنشطة للفيلق تتمثل في العمل على تهريب بضائع لخلق سوق سوداء، فضلاً عن استغلال المليشيات الإيرانية موارد سوريا الطبيعية لمصالحها الشخصية.
التحرك الأخير من الأسد جاء عُقب زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إلى دمشق، وتحدث وسائل الإعلام الخليجية عن خلاف بين دمشق وطهران، تزامنا مع تحرك إسرائيل دبلوماسياً وعسكرياً مع موسكو، للوصول إلى صيغة اتفاق بين الطرفين لإنهاء وجود الميليشيات الإيرانية في سوريا، واستهداف أماكن تواجدها، تمهيداُ لإخراجها بشكل كامل من سوريا.
وكانت صحيفة الشرق الأوسط قد نشرت في وقتٍ سابق، وثيقة التطبيع العربي مع سوريا والتي تتضمن شرط انسحاب القوات الاجنبية وانهاء النفوذ والوجود العسكري الايراني وانسحاب حزب الله، مقابل حوافز سياسية واقتصادية تتمثل في إقامة الإمارات محطة كهرباء في سوريا ومرور "انبوب الغاز العربي" عبرها.
استعدادات إيرانية شرق سوريا
التحركات الأخيرة تفسر التعزيزات الإيرانية للميليشيات المرتبطة بها في شرق سوريا، عبر إنشاء أنفاق جديدة وتحصينات دفاعية وهجومية، وهو ما يثبت أن إيران لن تخرج من سوريا بالسهولة التي يتوقعها الخصوم، ويدفعها إلى ذلك الغرور بالقوة العسكرية المرتبطة بها داخل الأراضي السورية.
وكالة " المجس" وعبر مصادر عسكرية مطلعة في ريف دير الزور، توصلت إلى معلومات تُفيد، بعمليات حفر مكثفة أجرتها الميليشيات الإيرانية مؤخراً، في مناطق ريف دير الزور، في مسعى واضح لتعزيز السيطرة في مناطق شرقي سوريا، عبر ربط المدن والقرى الرئيسية فيها، بشبكة كبيرة من الأنفاق التي تُسهل عمليات التنقل للأفراد والقادة، وبعض الأسلحة، بعيداً عن أعيُن الخلايا التجسسية التابعة للتحالف الدولي في المنطقة، وطيران الاستطلاع الذي لا يكاد يفارق المنطقة.
وأضافت المصادر أن الميليشيات عمدت مؤخراً إلى إعادة إحياء الأنفاق التي كانت مُلكاً لتنظيم الدولة إبان فترة سيطرته على المنطقة الشرقية، بالإضافة لإجراء عمليات تحصين إضافية داخلها، والعمل على تعزيز إجراءات الحماية بداخلها، فضلاً عن مناقشة خرائط جديدة للمنطقة، لتوسعة الأنفاق لتمتد إلى مناطق جديدة لم تصل إليها الأنفاق من قبل، وذلك بهدف ربط أغلب المناطق الخاضعة للنفوذ الإيراني بشبكة هائلة من الأنفاق يجري من خلالها النشاط الإيراني بعيداً عن أعين التحالف الدولي وإسرائيل.
وأشارت إلى أن المخططات الجديدة للأنفاق، تشمل توسيع الأنفاق على الحدود العراقية-السورية، لاستيعاب السيارات الشاحنة الكبيرة، بهدف نقل الأسلحة والصواريخ عبرها، وتجنب المرور عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية، والتي غالباً ما تكون مرصودة من قبل طيران الاستطلاع التابع للتحالف الدولي، أو عناصر يعملون لصالحه، خشيةً من استهدافها، وذلك بعد تكبد الإيرانيين خسائر فادحة في العتاد والأرواح نتيجة تلك الغارات.
ولفتت إلى أن الميليشيات عملت، منذ مطلع تشرين الأول الفائت، على إنشاء شبكة من الأنفاق الكبيرة جنوب بلدة "الهري"، الواقعة على الحدود السورية -العراقية من جهة البوكمال، موضحة أن الإيرانيين استقدموا غُرف مسبقة الصنع، للبدء بأعمال البناء، وأنهم قاموا برفع أعلام النظام السوري عليها، للتمويه على تبعيتها للميليشيات الإيرانية، وإظهار الأمر على أنه أعمال حفر تتبع للنظام السوري، وذلك لتجنب أي استهداف قد يُعطل مشروع الحفر الجديد.
وأكدت أن عمليات الحفر تتم بواسطة عناصر تابعين للحرس الثوري الإيراني يرتدون الزي المدني، وفي ساعات النهار، لإيهام خلايا التحالف وطيران الاستطلاع بأن عمليات الحفر، تهدف لاستخراج آبار مياه جديدة، وذلك لعلم التحالف بناءً على معلومات استخباراتية سابقة بأن عمليات الحفر الإيرانية تجري في ساعات الليل.
وأوضحت أن فيلق القدس الإيراني أوكل مهمة حماية الأنفاق في دير الزور إلى قائد إيراني يدعى "الحاج جعفر" ويعمل كقائد في الفوج "47" التابع للحرس الثوري الإيراني، بينما أوكلت مهمة حماية الأنفاق داخل الأراضي العراقية إلى القائد الإيراني " الحاج سلطاني" الذي يعتبر من أبرز قادة حزب الله العراقي، مبينةً أن الحرس الثوري أعطى الضوء الأخضر لحرس الأنفاق بقتل كل من يشتبه فيه بأنه على صلة بتسريب خرائط الأنفاق الجديدة، فضلاً عن إيعازها للحرس بقتل كل من يحاول الاقتراب من مواقع الحفر الجديدة كائناً من كان، بتهمة التعامل مع التحالف الدولي وتسريب أسرار عسكرية.
وتضيف المصادر في حديثها لـ"المجس" أن الميليشيات الإيرانية أنشأت بجانب الأنفاق الدفاعية، أنفاق أخرى لأغراض هجومية، حيث تستخدمها في الإمداد والتنقلات العسكرية، والتخفي عن أعين الراصدين من الخلايا التابعة لتنظيم الدولة، وذلك بشكل خاص في المناطق التي تشهد هجمات متبادلة بين الميليشيات وتنظيم الدولة، مُشددةً على وجود أنفاق أخرى تحتوي أسلحة مدفعية وصواريخ، وأخرى تُستخدم كغرف عمليات لإدارة المعارك حال اندلاعها في تلك المنطقة.
ويُشير الاهتمام الإيراني، بعمليات حفر الأنفاق وتعزيزها، إلى عزم الإيرانيين البقاء ما أمكنهم ذلك في سوريا، وبحسب المصادر فإن إيران عمدت لإنشاء شبكات الأنفاق لتسهيل التنقلات وتوريد الأسلحة إلى مناطق انتشار الميليشيات التابعة لها، حيث امتدت الأنفاق لتشمل القرى والأحياء المأهولة بالسكان في مؤشر واضح على استخدام المدنيين كدروع بشرية، في سبيل خدمة الهدف الإيراني المتمثل بتعزيز السيطرة العسكرية شرقي سوريا.
إجراءات إيرانية تشي بخلاف حقيقي مع الأسد الذي يبدو أنه تنفس الصعداء عقب التهاون الأمريكي، والدعم الروسي، والتطبيع العربي اللافت، الرامي لإخراج الإيرانيين من سوريا، وهو الأمر الذي لن تقبل به طهران، بعد عشر سنوات من الدعم العسكري والميليشياوي لنظام فقد السيطرة على 70% من بلاده، وترى طهران أنها من أنقذته من السقوط والهلاك.