هل يسعى الأسد لتغيير سُنية سوريا

أزمةٌ عصفت بالمؤسسة الدينية في سوريا، وذلك عُقب تصريحات أدلى بها مفتي سوريا "أحمد بدر الدين حسون" في عزاء الفنان الراحل صباح فخري، قدم فيها حسون تفسيراً جديداً لسورة التين القرآنية، قال فيه أن خريطة ‎سوريا مذكورة فيه.
وقال حسون في تصريحه الذي لم يخلو من التهجم السياسي والتملق للنظام الحاكم في سوريا، "وين خريطة سوريا بالقرآن الكريم، ثم أجاب موجودة بسورة منقرأها كتير بصلاتنا"، تالياً آيات من السورة ثم قال في معرض شرحها: "لقد خلقنا الإنسان في هذه البلاد في أحسن تقويم "قاصداً سوريا"، فإذا تركها رددناه أسفل سافلين في تهجم واضح على اللاجئين السوريين، الذين سبق وأن هاجمهم حسون في تصريحات سابقة واعتبرهم كفاراً لن يجدوا من يصلي عليهم عند وفاتهم.
وتابع حسون شرحه للآية بالقول "إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، في هذه الأرض، فلهم أجر غير ممنون، أي الذين بقوا في سوريا"، كما شدد حسون في تصريحاته  على معاني الوفاء والمواطنة للدولة السورية، معتبراً إياها محصورة في البقاء في حضن الوطن.
وعلى الرغم من أن تصريحات حسون لم تحمل أي فتوى دينية صريحة، وإنما مجرد تفسير شخصي لايتعدى التملق السياسي، إلا أن تصريحاته الأخيرة دفعت وزارة الأوقاف التابعة لحكومة النظام السوري، لإصدار بيان عبر المجلس الفقهي قالت فيه " استجابةً للتساؤلات الكثيرة التي وردت حول ماتداولته بعض المواقع من تفسير مغلوط لسورة التين من القرآن الكريم فإنّ المجلس أصدر بيانه الذي جاء فيه إن الله سبحانه وتعالى قال: ولقد كرّمنا بني آدم. وقال رسول الله: يا أيها الناس إنّ ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدمُ من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى".
وأضاف البيان أن الله حذر "من خلط التفسير بالأهواء والمصالح البشرية، فقال جلّ شأنه: يحرفون الكلم عن مواضعه، أي: على حسب أهوائهم ومصالحهم"، معتبراً أن التفسير الجديد هو "عصبية مقيتة حذر الإسلام منها ونهى عنها"، مضيفاً أن لا علاقة للآية القرآنية ببلاد الشام أو غيرها من المسميات القطرية التي تتغير من زمان لآخر، مشيراً إلى أن "تفسير إعجاز الخلق بهذا المفهوم الضيق بعدٌ عن المقصد الإنساني الذي أراده الله في هذه السورة، وهو كلام لا ينطلق من دراية بقواعد تفسير القرآن الكريم، كما أنه إقحام للدِّين في إطار إقليمي ضيق".
تصعيدٌ واضح شنته وزارة الأوقاف على تفسيرات حسون الأخيرة تبعه مرسوم من رأس النظام السوري بشار الأسد يقضي بـ "تعزيز دور المجلس العلمي الفقهي وتوسيع صلاحياته"، في خطوة واضحة لتحجيم دور المفتي بل وإقصاؤه عن المشهد الديني في سوريا.
ونص المرسوم الجديد على إجراء تعديلات تتعلق بفقرات ومواد المرسوم 31 لعام 2018 الناظم لعمل وزارة الأوقاف، والذي أُعلن فيه عن استحداث "المجلس العلمي الفقهي"، وحدد القائمين عليه، ودوره وصلاحياته.
ومن أبرز التعديلات التي طرأت على المرسوم السابق، بحسب ما ورد في المادة الأولى من المرسوم الحالي، هو إزالة عضوية "مفتي الجمهورية" من المجلس، وتوكيل المجلس بإدارة المهام التي كانت موكلة للمفتي سابقاً.
كما تم إلغاء الفصل التاسع من المرسوم السابق، الذي نص على تسمية مفتي الجمهورية وتحديد مهامه واختصاصاته بمرسوم بناء على اقتراح الوزير لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد
وبحسب  التعديلات الأخيرة في المرسوم الجديد، فإنه لم يعد لمفتي الجمهورية أي دور في المؤسسة الدينية التابعة للنظام في سوريا، بالإضافة إلى أن المرسوم لم يوضح بصورة مباشرة إن كان منصب المفتي سيتم إلغاؤه بالكامل ونقل صلاحياته للمجلس العلمي الفقهي، أم لا.
من جانبها أثارت القرارات الأخيرة لرأس النظام السوري، التي اعتبرها البعض ناتجة عن الصراع بين حسون ووزارة الأوقاف، سخطاً لدى عائلة المفتي، مادفع نجله عبد الرحمن حسون، لمهاجمة “المجلس الفقهي” التابع لوزارة الأوقاف.
وقال عبد الرحمن في منشوره "الفتنة التي تصدرتم لها وأيدكم في ذلك الصفحات الصفراء ومن يشتمون الوطن ويستبيحون القتل والهدم والتدمير لوطننا هي من يؤيدها التكفيريون".، وأضاف “كنتم يداً واحدة بالباطل فهنيئاً لكم بعضكم البعض، والله ما أردتم الحق إنما أردتم إرضاء نفوسكم المريضة، فلتكن حياتكم حياة الحاقدين الحاسدين وستبقى حياتنا حياة الراضين المطمئنين".
فيما أثار قرار الأسد الأخير بإلغاء منصب مفتي الجمهورية وإنهاء صلاحيات المفتي الحالي أحمد بدر الدين حسون، ردود فعل كبيرة بين مؤيد للقرارات الأخيرة ومعارضٍ لها، فيما رآها آخرون أنها تندرج في تعزيز قبضة النظام على المؤسسات الدينية، وتغيير في وجه سوريا السُني، عبر إلغاء منصب الإفتاء وتحويله إلى مجلس يضم كافة الطوائف والأقليات في سوريا.
وقال المتحدث الرسمي باسم المجلس الإسلامي الشيخ مطيع البطين، في تعليقه على القرارات الأخيرة، إن المشكلة ليست في شخص وأداء حسون، والأخطاء الكبيرة والقاتلة التي كان يرتكبها، موضحاً أن ”المسألة الآن هي حول منصب الإفتاء، والذي له مكانة كبيرة في قلوب السوريين، وعن رمزية الإفتاء أيام الشيخ أبو اليسر عابدين والشيخ الأسطواني الذين كانوا ينتخبون انتخاباً من قبل العلماء الكبار الذين هم أهل لأن يختاروا من بينهم من يحتل هذه المكانة الرفيعة التي لها تأثير كبير على جميع مناحي الحياة“.
وبين البطين أن إقالة وإقصاء المفتي العام أحمد بدر الدين حسون على الرغم من خدماته الجلية للنظام السوري وبشار الأسد، والتي تضمن الإساءة لكل السوريين، تحمل خفايا خطيرة، تتمثل بإدخال عناصر أجنبية موالية لإيران، في إطار مشروع الولي الفقيه في المنطقة، داعياً السوريين إلى عدم الاهتمام بقضية شخص المفتي، إنما النية التخريبية للنظام  من إنهاء منصب المفتي العام وما سيترتب عنه.
ولفت البطين أن المرسوم السابق القاضي بتشكيل المجلس الفقهي التابع لوزارة الأوقاف ينص على أن للوزير الحق في إدخال عناصر سورية أو من جنسيات أخرى للمجلس وهذا يسمح للإيرانيين بدخول المؤسسة، وهذا استهداف للمكون السني في سوريا، خاصة أن عدد الشيعة في سوريا قليل جداً.
وبين أن إلغاء المنصب له بعد رمزي، ومرتبط بخطة سابقة عملت على تغيير التركيبة السكانية، وتهجير المسلمين على أساس طائفي، وبناء سوريا المتجانسة التي تحدث عنها الأسد سابقاُ، مشيراً إلى أن الخطورة في المرسوم الحالي تشمل الحديث عن إدخال القاضي الشرعي إلى المجلس، وهذا له اتصال بقانون الأحوال الشخصية.
ويعتبر المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف تجمعاً لرجال الدين، ويعتمد على مرجعية فكر "علماء بلاد الشام" بدلاً من الدول الأخرى، ويضم شيوخاً من كافة المذاهب الإسلامية وممثلين من الطوائف المسيحية يسميهم البطاركة ويدعو إلى نبذ التعصب والطائفية. وتشكّل المجلس العلمي الفقهي بموجب المادة الخامسة من القانون 31 للعام 2018 ويرأسه وزير الأوقاف شخصياً، وينص القانون 31 الذي أصدره الأسد بدلاً عن قانون سابق يعود للعام 1961، على تحديد فترة ولاية مفتي الجمهورية بثلاث سنوات قابلة للتمديد، بناءً على مقترح وزير الأوقاف.

ذات صلة