هل تُسيطر روسيا على قطاع الاتصالات والإنترنت في سوريا

بعد 6 أعوام على التدخل العسكري الروسي، وانحسار الأعمال العسكرية في معظم المناطق المتبقية في سوريا، بحكم الاتفاقيات الدولية، ومع توسع النفوذ الروسي في شمال شرق البلاد، وإحكامه السيطرة على جنوب ووسط سوريا، بدأت موسكو فصلاً جديداً من فصول السيطرة على مفاصل الحياة في سوريا، عبر تمدد اقتصادي شمل الزراعة والصناعة والثروات الباطنية.
وأخيراً وليس آخراً يبدو أن المطامع الروسية لن تتوقف في سوريا، فبعد هيمنتها على مفاصل الاقتصاد بدأت موسكو بالتوجه نحو الحصول على مزيد من الامتيازات في سوريا، تمثلت بقطاع الاتصالات والإنترنت، الذي يعد القطاع الأكثر ربحاً والأكثر سوءاً من ناحية الخدمات في سوريا..
وقالت مديرة تطوير الإعلام والتعاون الدولي في وزارة التنمية الرقمية والاتصالات الروسية "لارينا إيكاترينا"، أن الشركات الروسية جاهزة لتوفير خدمات إنترنت في سوريا بتكاليف مقبولة، إلى جانب استعداد الشركات الروسية للتعاون مع الجانب السوري في تطوير خدمات الاتصال والبث التلفزيوني الفضائي وتحسين شبكة الإنترنت لوصولها لمختلف المناطق وبأسعار رخيصة.
تصريحات إيكاترينا جاءت عُقب اجتماع مع وزارة الاتصالات والتقانة السورية في دمشق، لمناقشة سبل توفير خدمة الانترنت إلى المناطق النائية، وتوسيع شبكة الانترنت السورية، وبدوره أوضح مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الاتصالات والتقانة "محمد سعيد" أن خدمات الإنترنت الروسية موجهة بشكل أساسي للمناطق البعيدة والمدمرة في سوريا، حسب تعبيره.
فيما أعلن معاون وزير الاتصالات والتقانة السورية "مازن المحايري" أن مشروع التوقيع الإلكتروني الذي تنفذه هيئة خدمات الشبكة بالتعاون مع الجانب الروسي سيتم استلامه ووضعه بالخدمة مع بداية العام القادم.
وأشار المحايري إلى أن البحث مع الجانب الروسي شمل إمكانية الحصول على تقنيات تخدم شركات الاتصالات الخلوية في سوريا وتؤمن من خلالها التغطية في المناطق الجبلية والصحراوية.
فيما شكك متابعون للشأن السوري، من حصول نقلة نوعية في قطاع الإنترنت من ناحية تحسن ظروفه وجودته أو سرعته وأسعاره، معللين ذلك بأن الشبكات الروسية ستكون من الجيلين الثاني والثالث للاتصالات "G2, G3" لا أكثر، مع تعزيز تغطية الأقمار الصناعية الروسية للأراضي السورية.
وكانت حكومة النظام السوري قد حولت عام 2020 خدمات الإنترنت في سوريا إلى نظام الباقات ما أثار استياءً واسعاً بين السوريين، بسبب وضع قيود على الاستخدام حسب السرعة، فضلاً عن حجب النظام لعشرات المواقع الإعلامية، مقابل إزالة الحجب عن مواقع التواصل الاجتماعي العام 2011.
وأوضحت الهيئة الناظمة للاتصالات، في الوزارة، في بيان نشرته عبر صفحتها في "فيسبوك" حينها أن الآلية الجديدة أصبحت جاهزة للتفعيل، وسيبدأ العمل بها ابتداءً من 1 آذار العام الفائت. وبموجبها سيتم وضع عتبات للاستخدام على كل نوع من الاشتراكات، بعكس النظام الحالي في دفع الفواتير الذي يعتمد على سرعة الخط فقط وليس على حجم الاستهلاك الذي لا يحتاج المستخدم لمعرفته.
وزعمت الهيئة في بيانها، بأن تطبيق الآلية الجديدة لن يؤثر في غالبية مستخدمي الشبكة وأن القرار تم بناء على "دراسة مفصلة لواقع استخدام الإنترنت في سوريا"، وأضافت الهيئة أن عتبات الاستخدام "تراعي كمية الاستخدام الحالي للمشتركين وستسهم في وقف استنزاف الخدمة من قبل من يستغلون الإنترنت لأغراض تجارية أو يستخدمونه بشكل مفرط على حساب بقية المشتركين"، حسب تعبيرها.
وبحسب الآلية الجديدة، لن يتم قطع الإنترنت عن المستخدمين الذين ينهون الباقة المخصصة لهم، بل سيتم خفض سرعة الإنترنت فقط. علماً أن الإنترنت في سوريا يعاني ضعفاً ملحوظاً منذ بداية تشغيل المخدمات، ويضطر المستخدمون للانتظار فترات طويلة لتحميل مقطع فيديو صغير مثلاً، فضلاً عن حجب النظام لعشرات المواقع الإعلامية، مقابل إزالة الحجب عن مواقع التواصل الاجتماعي العام 2011.
 وبحسب وزارة الاتصالات في حكومة النظام، فإن تطبيق واتس اب وموقع فيسبوك هما الأكثر استخداماً لتبادل المعلومات في سوريا، مقارنة مع التطبيقات الأخرى كيوتيوب وتويتر، في مؤشر واضح على ضعف الإنترنت في سوريا، ولجوء السوريين إلى التطبيقات التي لاتتطلب سرعة كبيرة، أو تحوي مقاطع فيديو قد تضطرهم للانتظار ريثما يتم التحميل.
 كما يكشف تحليل الحزمة الدولية لمستخدمي الإنترنت أن 70 في المائة من المستخدمين يعتمدون على تطبيقات التواصل الاجتماعي، علماً أن النظام حجب المواقع الإباحية في البلاد العام 2018 بحجة "حماية المجتمع".
وفود روسية اقتصادية تجوب المحافظات السورية
ولعل آخر الإجراءات الروسية المتبعة من قبل موسكو، لتعزيز السيطرة الروسية على الاقتصاد في سوريا، تضمنت إرسال وفود تجارية واستثمارية إلى مدن سورية، لإبرام اتفاقات خاصة مع مجالس هذه المدن والمنظمات غير الحكومية.
وفي تقريرٍ سابق كشفت "وكالة المجس" عن وصول وفد روسي من إقليم "ياروسلافل" الثلاثاء الفائت، إلى محافظة حلب، لإبرام عدة اتفاقيات من شأنها تعزيز التعاون بين الجانبين.
وأضاف التقرير أن رئيس الوفد الروسي "دميتري سابلين" بحث مع محافظ حلب حسين دياب مذكرات تفاهم عدة، في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بهدف زيادة التعاون المشترك في مختلف المجالات، مضيفةً أن الاقتصاد جاء في مقدمة اهتمام الوفد الروسي، الذي ركز على المشاريع الزراعية و قطاع العقارات.
وأشار إلى أن اللقاء أسفر، عن توزيع مذكرة للدراسة بين الإقليم الروسي ومحافظة حلب، تتضمن وضع البرامج والخطط المرتقبة، إلى جانب تشكيل اللجان المشتركة وفرق العمل وتقديم الدعم لأصحاب النشاطات الاقتصادية.
وبين التقرير وصل وفد روسي آخر، من إقليم  "كراسنودار" إلى دمشق، الأربعاء، برئاسة "ألكسندر يوريفيتش تكاتشينكو"، لبحث التعاون التجاري والاستثماري مع اتحاد غرف التجارة السورية، والذي تكلل بتوقيع اتفاق لتطوير وتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين رجال الأعمال والشركات في كلا البلدين، وقعه عن الجانب السوري رئيس اتحاد غرف التجارة محمد أبو الهدى اللحام.
اتفاقيات اقتصادية مكثفة
حصلت روسيا آواخر حزيران الفائت على امتيازات جديدة وتتسم بأنها طويلة الأمد، في مناطق سيطرة النظام، اعتبرها خبراء بأنها مكافأة من الأسد لموسكو لقاء دعمها له، وأعلن نائب رئيس الوزراء الروسي "يوري بوريسوف"، حينها، أن بلاده تجري تحضيرات لإبرام اتفاق اقتصادي طويل الأمد، مع حكومة النظام السوري.
وعقدت شركات روسية عدة خلال السنوات الماضية اتفاقيات مع النظام للتنقيب واستخراج النفط والغاز من الحقول المتبقية في يد النظام، كذلك وقعت اتفاقيات لترميم وتطوير المنشآت النفطية فضلاً عن عقود لتنفيذ مشاريع لتوليد الطاقة واستخراج الثروات المعدنية.
وفي أواخر حزيران أعلنت حكومة النظام السوري إعادة تشغيل معمل فوسفات خنيفيس بطاقة إنتاجية تصل إلى 650 ألف طن سنوياً، ويخضع خنيفيس لاتفاقية صادق عليها النظام السوري، جرت بين المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية في سوريا، وشركة "STNG Logestic"التابعة لمجموعة ستروي ترانس غاز الروسية، بهدف تنفيذ أعمال الصيانة اللازمة للمناجم وتقديم خدمات الحماية والإنتاج والنقل.
وصادق رأس النظام السوري على الاتفاقية في 23 نيسان 2017، بين المؤسسة وشركة " STNG Logestic" التابعة لمجموعة “ستروي ترانس غاز”، التي يملك تيموشينكو 31% منها، بهدف تنفيذ أعمال الصيانة اللازمة للمناجم وتقديم خدمات الحماية والإنتاج والنقل إلى مرفأ التصدير سلعاتا في لبنان.
وفي عام 2019، وقعت وزارة النفط التابعة للنظام السوري عقداً مع شركتي ميركوري وفيلادا الروسيتين، كما حصلت شركة ستروي ترانس على أحقية التنقيب واستخراج الفوسفات من المنطقة الشرقية الواقعة جنوب مدينة تدمر السورية، وعقد تأجير مرفأ طرطوس لشركة STG ENGENEERING لمدة 49 عاما.
كما وقعت عقودا في مجال الطاقة، في مدينة حمص آذار 2018 بين النظام وشركات روسية، وعقد آخر لإنشاء خط حديدي يصل مطار دمشق بمركز المدينة، إلا أن جميع هذه العقود حتى لو ثبتت جدوها الاقتصادية، فهي غير قابلة للتطبيق في حال لم يتم يتحقق الاستقرار الاقتصادي والسياسي والعسكري في سوريا، والبدء في إعادة الإعمار.
كما عملت روسيا على إبرام اتفاقيات مع حكومة النظام السوري، حصلت بموجبها على عشرات الامتيازات في المجالات الاقتصادية والتجارية والسياحية، إضافة لحصولها على امتيازات عسكرية في قاعدة حميميم العسكرية ومطار القامشلي والساحل السوري.
وكانت روسيا قد وقعت العام الفائت، اتفاقاً في مدينة حمص السورية، يضمن لها تنظيم التصدير المباشر لزيت الزيتون السوري إلى الأسواق الروسية، تلاه زيارة وفد من رابطة المستوردين والمصدرين الروسية إلى المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة النظام، لإبرام عقود في عدة مجالات كـ" إعادة الإعمار والنفط والكهرباء"، إضافة إلى عقود تصدير المنتجات الزراعية السورية إلى روسيا.
وفي ذات العام وقع وفد تجاري روسي اتفاقاً مع غرفة تجارة طرطوس لتصدير حوالي 700 حاوية من الفواكه والخضار إلى الجنوب الروسي، بعد أن اتفق الجانبان على إقامة منشأة لفرز وتوضيب وتعبئة السلع الزراعية بأنواعها المختلفة في طرطوس، وفق المواصفات العالمية، باستثمار سوري روسي.