هل تنجح موسكو بإقناع الإدارة الذاتية بالتخلي عن عين العرب

عاودت مناطق شمال شرقي سوريا، لتتصدر مسرح الأحداث السياسية في سوريا، وذلك بعد ركود استمر لأسابيع، وسط مساعي حثيثة من عدة أطراف إقليمية للبحث عن ترتيبات جديدة للمنطقة، قد تغير من الوضع السياسي والعسكري فيها، وتحدث تغيراً كبيراً في مناطق السيطرة هناك.
التحركات العسكرية الأخيرة للجيش التركي وفصائل المعارضة المسلحة، تُشير بشكل غير مباشر إلى أن هناك صفقة ما في شمال سوريا يجري التحضير لها لتفادي تصعيد عسكري أكبر من قبل الجانب التركي الذي يتطلع لإبعاد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، عن حدوده الجنوبية، وخطوط التماس في المناطق الخاضعة لسيطرته، قابله إرسال قسد وفد إلى موسكو يترأسه إلهام أحمد رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية والتي تعتبر الجناح السياسي لقسد، للبحث في مقترحات روسية تخص الشمال السوري.
الزيارة التي أعلنت موسكو عنها بحثت التسوية السورية مع الوفد القادم من مسد، وأوردت وزارة الخارجية الروسية، في بيانٍ لها، أنه جرى بحث الوضع في سوريا مع التركيز على الوضع في شمال شرقي البلاد"، مضيفةً أنه "أعير اهتمام خاص لمهمة تفعيل التسوية السياسية في سوريا على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وإعادة تأهيل اقتصادها ومجالها الاجتماعي وعودة اللاجئين والنازحين وتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين إليها".
وأشار البيان إلى أن الجانب الروسي أكد استعداده لمواصلة الجهود للمساعدة في توصل السوريين لاتفاقات بمختلف الصيغ من أجل استعادة سيادة ووحدة أراضي سوريا بالكامل بأسرع ما يمكن، وضمان الحقوق المشروعة للمجموعات الإثنية والدينية في البلاد.
وكانت أحمد قد كشفت قبل أيام أن مسؤولي الإدارة الذاتية وقسد رفضوا مقترحاً روسياً بإدخال ثلاثة آلاف عنصر من قوات النظام إلى مدينة عين العرب ، مشيرةً إلى أن الرفض غايته منع تكرار سيناريو درعا في مدينة كوباني "عين العرب".
وكانت إلهام أحمد قالت في 13 من تشرين الأول الفائت، إن جميع اللقاءات مع حكومة النظام لم تأتِ بنتيجة بسبب نسف النظام تلك المحاولات، على حد تعبيرها.
من جانبه حمل وزير الخارجية والمغتربين لدى حكومة النظام السوري فيصل المقداد، الثلاثاء الفائت، الدول الغربية وتركيا مسؤولية عرقلة الحل السياسي في سوريا، مؤكداً في تصريحات لوكالة تسنيم الإيرانية، أن "الدول الغربية تريد أن تنال من سوريا بالسياسة ما عجزت عن نيله عبر التدخل العسكري المباشر وعبر دعمها الإرهاب"، مدعياً أن "الغرب الذي فشل في فرض إرادته على دمشق من خلال الإرهاب والعمل العسكري والتدخل المباشر والقصف المباشر، يريد الآن إعاقة أي تقدم سياسي".
وأضاف المقداد "تتابعون ما يقوم به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعسكريوه في شمال غرب سوريا من اعتداءات مباشرة على أراضي الجمهورية العربية السورية، وتشاهدون دعم أنقرة للإرهاب ضد سوريا واحتلال الجيش التركي للأراضي السورية ومنعه حتى الماء عن الشعب السوري"، مشيراً إلى أن هذا الأمر يعرقل جهود حل الأزمة السورية.
كما اتهم المقداد الولايات المتحدة بدعم "مجموعات إرهابية مسلحة ومليشيات مختلفة شمال شرق البلاد، في إطار الضغط على الدولة السورية للتراجع عن الإنجازات والانتصارات التي حققتها في حربها على الإرهاب".
صفقة حول عين العرب
وعلى الرغم من أن التصريحات الروسية التي أعقبت زيارة وفد مسد إلى موسكو، لم تشير بشكل مباشر لوجود أي تفاوض حول مدينة عين العرب ذات الغالبية الكردية، حيث اقتصر بيان الخارجية الروسية على التأكيد على نقاط سياسية تخص الحوار السوري والوضع السياسي في سوريا.
إلا أن تصريحات إلهام أحمد قبل أيام عن المقترح الروسي، تفضح بشكل مباشر أسباب الزيارة الأخيرة لموسكو وما تم بحثه خلال الزيارة، وسط مساعي روسية لإدخال قوات النظام السوري إلى مدينة عين العرب، وإبعاد قوات سوريا الديمقراطية عنها، إرضاءً لأنقرة التي على ما يبدو أنها لم تعارض ذلك المقترح.
من جانبها قالت صحيفة الوطن التابعة للنظام السوري، الاثنين الفائت، إن وفد مسد سيناقش في موسكو المقترح الروسي حول انتشار قوات النظام في مدينة عين العرب ذات الغالبية الكردية "لحمايتها من خطر الغزو التركي الذي لا يزال قائماً وداهماً".
 وأضافت الصحيفة أن المقترح الروسي جاء بعد ورود أنباء عن استعداد الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية في الشمال لاقتحام عين العرب الواقعة على الحدود السورية التركية في شرقي الفرات مباشرة.
وتولي قسد اهتماماً كبيراً بمدينة عين العرب، التي سبق وجعلت منها أسطورة كردية في الحرب ضد تنظيم الدولة، لعدة أسباب أبرزها اعتبار المدينة الثقل السياسي والسكاني الأكبر للأكراد السوريين، وخسارتها تعتبر ضربة موجعة لشعبية قوات سوريا الديمقراطية أمام الشارع الكردي، الذي لازال إلى الآن يذكر قسد بفشلها الذريع في الحفاظ على مدينة عفرين عام 2018.
وبحسب مصادر مقربة من مسد فإن الزيارة الأخيرة هدفت للبحث عن صيغة تتيح للروس والنظام الانتشار في محيط مدينة عين العرب لإبعاد شبح العمل العسكري عنها، من دون السيطرة الفعلية على المنطقة، وذلك عبر منح النظام امتيازات جديدة في منطقة شرقي الفرات أو غربه، من بينها السماح له بإنشاء مربع أمني إما في منبج أو الطبقة أو الرقة.
 وأضافت المصادر أن الروس أبلغوا وفد مسد بصعوبة إرضاء أنقرة بالسماح بالتواجد الفعلي لقوات سوريا الديمقراطية في عين العرب، مشددين على تمسك أنقرة بوجوب إبعاد قسد، والسيطرة على مناطق في غربي الفرات مثل تل رفعت أو منبج أو شرقي الفرات مثل عين عيسى أو تل تمر.
وأشارت المصادر إلى أن الجانب الروسي أبلغ وفد مسد، بوجود اتفاق مع  الأتراك منذ عام2019 بخصوص مدينة العرب، ويتضمن تسيير دوريات عسكرية مشتركة على حدود المدينة للتأكد من خلو المناطق المحيطة بها من أي وجود عسكري من "قسد"، وهو ما تم عدة مرات منذ توقيع الاتفاق.
أهمية عين العرب
تقع عين العرب ضمن الحدود الإدارية لمحافظة حلب، وتضم مئات القرى المختلطة ما بين أكراد وعرب، وتقع المدينة إلى الشرق من نهر الفرات بنحو 30 كيلومتراً، وتخضع لسيطرة الوحدات الكردية منذ عام 2012، وتعرضت لهجوم واسع النطاق من قبل تنظيم الدولة الذي هاجمها من أكثر من محور، ولكن طيران التحالف الدولي والقوات الكردية حالت دون سقوط المنطقة بيد التنظيم.
تعتبر منطقة عين العرب كوباني، ذات أهمية كبيرة للإدارة الذاتية وروسيا كون العديد من العمليات الهجومية تنطلق من هذه المنطقة التي تعتبر الثانية من بعد تل رفعت، وتحرص تركيا على بسط سيطرتها عليها، لهذا السبب ولأسباب أخرى تتعلق بموقع المنطقة الملاصق للحدود التركية-السورية.
كما تشكل منطقة عين العرب حلقة وصل بين مناطق المعارضة السورية في ريف الرقة التي تمت السيطرة عليها بموجب عملية "نبع السلام" وعمق مناطق المعارضة السورية في ريف حلب وصولاً إلى إدلب، ووفقاً لمتخصصين بالملف السوري فإن كوباني تحتاج إلى تفاهم روسي تركي مشترك، وقد تكون هي المنطقة الأكثر قرباً واحتمالاً لأن تشن عليها عملية عسكرية ما إن تم مقارنتها من حيث الأهمية بالنسبة لموسكو، ولكن الاتفاق قد يترتب عليه تفاهم روسي-تركي حول الخطوط التجارية الدولية ولا سيما جنوب M4 في إدلب.

ذات صلة