هل يُنهي اجتماع الجولاني بحكومة الإنقاذ الأزمة المعيشية شمالي سوريا

مع تصاعد الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مناطق شمال غربي سوريا، الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام التي يتزعمها "أبومحمد الجولاني"، وذراعه المدني المتمثل بحكومة الإنقاذ، وارتفاع الأصوات المطالبة بإيجاد حلول للأزمة، عقدت حكومة الإنقاذ، الثلاثاء الفائت، اجتماعاً طارئاً حضره مجلس الشورى العام ووزارة الاقتصاد، والقائد العام لهيئة تحرير الشام.
الاجتماع جاء لمناقشة الوضع الاقتصادي في الشمال السوري، وخصوصا أزمة الخبز في شمال غربي سوريا، وذلك نتيجةً للضغوطات الشعبية، وتعالي الأصوات المنتقدة لأداء حكومة الإنقاذ وأبو محمد الجولاني بسبب إدارتهم الفاشلة للأزمة الاقتصادية.
ومنذ بدء أزمة الخبز، تعلل الإنقاذ الارتفاع المتتالي وإنقاص الوزن، بانهيار سعر صرف الليرة التركية والتضخم الاقتصادي العالمي، إضافةً إلى ارتفاع أسعار مادتي الطحين والديزل الرئيسيتين لإنتاج الخبز، حيث أشار معاون وزير الاقتصاد والموارد في الحكومة أحمد عبد الملك، إلى ارتفاع سعر الطحين بنسبة 20 في المئة عالمياً خلال الشهرين الأخيرين.
وسائل إعلام مقربة من حكومة الإنقاذ، قالت إن اجتماعات الحكومة المؤقتة بالجولاني أسفرت عن عدة حلول أُطلق عليها اسم " بشريات لسكان إدلب"، وتتلخص بقرب انتهاء أزمة الخبز في المنطقة، عبر تثبيت سعر الربطة عند سعر ليرتين ونصف ورفع وزنها من 450 إلى 600 غرام.
وأضافت أن الجولاني تعهد بتقديم مبلغ 3 مليارات دولار بشكل إسعافي لتثبيت سعر ووزن ربطة الخبز، بعيداً عن ارتفاع الأسعار وانخفاض سعر صرف الليرة، وهو ما يفضح بشكل مباشر الميزانية الضخمة لهيئة تحرير الشام، مقارنة بباقي الفصائل العسكرية، والمكتسبات الكبيرة لها شمالي سوريا عبر سن قوانين وضرائب مالية، عن طريق ذراعها المدني المتمثل بحكومة الإنقاذ.
وأشارت إلى أنه من ضمن الحلول التي طرحها الجولاني، تقديم الدعم لأربعين فرناً، وهو ما يعتبر نسبة ضئيلة مقارنةً  بأعداد الأفران المنتشرة في إدلب، والكثافة السكانية المرتفعة والتي يقدر عدد السكان فيها بأكثر من أربعة ملايين ونصف.
وبحسب مراقبون فإن الدعم المقدم لعدد ضئيل من الأفران قد يُشكل طوابير بشرية شبيهة بتلك الموجودة في مناطق النظام، معللين ذلك بالحالة المادية الصعبة للسكان في محافظة إدلب، والتي ستجبرهم على الوقوف أمام الأفران المدعومة من قبل الهيئة وحكومة الإنقاذ، وهو ما سيسفر عن تجمع عدد كبير من الرجال والنساء والأطفال أمامها، في منظر شبيه تماماً بما يحدث في مناطق النظام السوري.
وبالتزامن مع الدعم المزمع تقديمه للأفران لتثبيت سعر ووزن مادة الخبز، رفعت حكومة الإنقاذ  وفي إجراء لاقى استهجاناً شعبياً رسوم استخراج الأوراق الثبوتية في دوار النفوس والمحاكم والعقارات إلى الضعف بحسب عدد من المراجعين لتلك الدوائر بحجة انخفاض سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، وهو ما اعتبر تعويضاً للمبالغ المقدمة إلى الأفران على حساب المدنيين والمراجعين داخل الدوائر الرسمية التابعة لحكومة الإنقاذ.
ومن جانبها، أصدرت شركة وتد للبترول التابعة لهيئة تحرير الشام، تعميماً يقضي برفع أسعار المحروقات والغاز، يسري اعتباراً من اليوم الأربعاء، معللةً ذلك بأنه "تماشياً مع انخفاض سعر صرف الليرة التركية".
من جهتهم أطلق ناشطون في مدينة إدلب، خلال اليومين الفائتين،  حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ "#إلا_الخبز_يا_حكومة_الإنقاذ"، وذلك للتعبير عن غضبهم من ارتفاع أسعار الخبز في إدلب.
 وطالبت الحملة حكومة الإنقاذ بدعم الخبز واتخاذ إجراءات تحد من استمرار الأزمة وتحولها إلى مجاعة تهدد الشمال السوري، في حين طالب آخرون "الحكومة" برفع يدها عن ربطة الخبز وعدم كسب الربح منها.
وفي ذات السياق اتهم تجار من مدينة إدلب لدى حديثهم لـ"وكالة المجس هيئة تحرير الشام بالوقوف الفعلي وراء أزمة الخبز، وذلك عبر احتكار تجارة واستيراد الطحين من قبل تجار أو شركات تابعة لها، الأمر الذي يرفع أسعار الطحين، بالإضافة إلى الرسوم التي يفرضها معبر باب الهوى على الطحين المستورد، ولو بكميات قليلة، والتي تعود عائداتها للهيئة.
وأضافوا أن تحرير الشام عملت على منع التجار الغير تابعين لها من استيراد الطحين من تركيا، وذلك ضمن إجراءات ممنهجة تهدف لإقصاء مستوردي الطحين، وحصره في التجار التابعين لها، وأشاروا إلى ضرورة تخلي معبر باب الهوى عن الرسوم المفروضة على مادة الطحين في سبيل إنهاء الأزمة.
وتتزامن الأزمة الاقتصادية في شمال غربي سوريا مع أزمة مشابهة في تركيا، بسبب انهيار الليرة التركية، وانخفاض قيمتها، ما زاد من معاناة سكانها.، حيث بلغت قيمة الدولار الواحد أكثر من 13 ليرة تركية، في انخفاض هو الأول والأكبر من نوعه منذ سنوات.
ارتفاع الأسعار يُنذر بكارثة اقتصادية كبرى
قبل أيام رفعت شركة "وتد" للمحروقات، التابعة لهيئة تحرير الشام بمحافظة إدلب ومحيطها، أسعار المحروقات، وذلك بعد نشرة سابقة أصدرتها الأربعاء الفائت، عبر معرفاتها الرسمية.
وبررت وتد، التي تصف نفسها الشركة الرائدة في الشمال السوري، رفع أسعار المحروقات بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة التركية.
وكشفت مصادر خاصة لـ"وكالة المجس"  في تقريرٍ سابق، قبل أيام،عن توقف محطات الوقود في مناطق مختلفة من محافظة إدلب، وذلك بعد رفع الشركة أسعار المحروقات، وسط تنديد واسع من الأهالي بالممارسات المتبعة من قبل وتد للتضييق على المدنيين في الشمال السوري.
ويتزامن غلاء أسعار المحروقات مع رفع أسعار النقل  والخضار والفواكه واللحوم والألبان والأجبان وغيرها من المواد الغذائية الأساسية، لا سيما مادة الخبز التي تم التلاعب بوزنها من قبل مؤسسات الإنقاذ لزيادة مردودها المالي والتضييق على منظمات المجتمع المدني وتوسيع سيطرتها على الاقتصاد شمالي سوريا.
وفي وقتٍ سابق حذرت منظمة "منسقو استجابة سوريا" من أزمة اقتصادية حادّة تتعرض لها مناطق شمال غربي سوريا من جراء الارتفاع الكبير في أسعار مختلف مواد المعيشة اليومية الأساسية.
وقالت المنظمة عبر منشور على حسابها في فيس بوك إن بوادر انهيار اقتصادي تشهده مناطق شمال غربي سوريا، بالتزامن مع ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، وزيادة ملحوظة في معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية للمدنيين في المنطقة.
وأضافت المنظمة أن أغلب العائلات في المنطقة بشكل عام ونازحي المخيمات بشكل خاص أصبحوا غير قادرين على تأمين المستلزمات الأساسية وفي مقدمتها مواد التغذية والتدفئة لضمان بقاء واستمرار تلك العائلات على قيد الحياة".
ويترافق انخفاض قيمة الليرة التركية، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في شمال غربي سوريا بنسبة 400 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وأسعار المحروقات بنسبة 350 في المئة، والخبز بنسبة 300 في المئة، ووصول معدلات الفقر إلى 90 في المئة، وفقاً لفريق منسقو استجابة سوريا.
من هي حكومة الإنقاذ
أُعلن عن تشكيلها في 2 تشرين الثاني عام  2017 في الشمال السوري المحرر في وقت كانت تشهد فيه مدينة ادلب العديد من النزاعات المدنية والعسكرية في ظل هيمنة " تحرير الشام " على المحافظة واقتتالها مع الفصائل العسكرية الموجودة.
بدأت الحكومة بفرض سيطرتها على المنطقة، وطرد الحكومة السورية المؤقتة منها، بدعم كامل من الهيئة.
 في 12 ديسمبر 2017، أصدرت حكومة الإنقاذ بياناً دعت فيه الحكومة السورية المؤقتة لإخلاء مكاتبها من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في غضون 72 ساعة، فضلاً عن استبدال  بعض المجالس المحلية التي تديرها الحكومة السورية المؤقتة بمجالس موالية لحكومة الإنقاذ السورية وقامت الهيئة بدورها بتسليمها  “الإدارة المدنية للخدمات” مع مؤسساتها الخدمية من مياه وكهرباء ومواصلات وغيرها.
وتشكلت الحكومة حينها من 11 حقيبة وزارية برئاسة "محمد الشيخ" إضافة إلى وزارات الداخلية، العدل، الأوقاف، التعليم العالي، التربية والتعليم، الصحة، الزراعة، الاقتصاد، الشؤون الاجتماعية والمهجرين، الإسكان والإعمار، والإدارة المحلية، كما قامت بتشكيل أربع لجان هي: هيئة التفتيش، وشؤون السجناء والمفقودين، وهيئة التخطيط والإحصاء، واتحاد النقابات العمالية.
وعملت حكومة الإنقاذ بعد تشكيلها، على بسط سيطرتها على  إدارة المعابر مع تركيا ومناطق النظام للحصول على مواردها المالية كمعبر باب الهوى ومعبر العيس في ريف حلب الجنوبي ومعبر مورك بريف حماة الشمالي ومعابر أطمة الحدودية مع عفرين.
وفي 6 يناير 2018، أعلنت حكومة الإنقاذ السيطرة على جامعة حلب الحرة التي عملت على  تأسيسها  الحكومة السورية المؤقتة، وأغلقت العديد من الكليات في الدانا وسرمدا ما أدى الى احتجاجات كبيرة بين الطلاب.
وتعتبر حكومة الإنقاذ " الذراع المدنية لهيئة تحرير الشام " فخلال أكثر من ثلاث أعوام على إعلان سيطرتها على مدينة إدلب ومحيطها بات واضحا حجم الاستغلال الذي تمارسه بحق المواطنين ومنظمات المجتمع المدني فقد استخدمت القبضة الامنية بحجة تنظيم العمل المدني ولتمكين نفوذها ومحاربة المؤسسات التي تقدم الخدمات والغيرمنضوية تحت رايتها كما فرضت نفسها كجهة مدنية شرعية وتفردت في الإدارة المدنية لصالح الهيئة في ظل غياب شبه كامل للخدمات العامة.
وشهدت مدينة إدلب خلال الفترات السابقة سلسلة احتجاجات شعبية ضد الحكومة خلال الفترة الماضية بعد سلسلة قرارات جائرة بحق المدنيين و غلاء في الأسعار وانقطاع الوقود والتضييق على مزارعي الزيتون والافران .
ويترأس الحكومة الحالية "علي عبد الرحمن كده"، وهو أمني سابق في فيلق الشام، من مواليد قرية حربنوش بريف إدلب عام ١٩٧٣، وهو مهندس الكترون خريج الأكاديمية العسكرية، انشق عن النظام منذ عام ٢٠١٢، وعمل في الشرطة الحرة وفي إدارة المجالس المحلية في المنطقة، وكان معاوناً لوزير الداخلية في حكومة الإنقاذ السابقة.
وتسلم علي كده رئاسة حكومة “الإنقاذ” للمرة الأولى، في 18 من تشرين الثاني 2019، بعد حصوله على ثلثي أصوات أعضاء مجلس الشورى، وهو ثالث رئيس للحكومة بعد كل من محمد الشيخ وفواز هلال.
وتسيطر “الإنقاذ” على مفاصل الحياة في محافظة إدلب وريف حماة الشمالي الخاضع لسيطرة المعارضة، وجزء من ريف حلب الغربي، خدمياً وإدارياً، وأحدثت سلسلة من المكاتب الزراعية والتعليمية والاقتصادية، وبدأت بإقامة مشاريع خدمية داخل المدينة.