فرنسا تركت رفعت الأسد يفلت من قضائها

قالت صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية في تقريرٍ لها، إن رفعت الأسد، عم رأس النظام السوري "بشار الأسد"، تمكن من العودة إلى سوريا من المنفى، بعد أن حكمت عليه باريس بالسجن أربع سنوات بتهمة الاختلاس المالي، وذلك بتسهيل من الدولة الفرنسية، التي استقبلته وحمته وكافأته لفترة طويلة.
وأضافت الصحيفة أنه من الناحية الفنية، لم يهرب رفعت الأسد من فرنسا، ولم يقترن الحكم ضده بتهمة غسل الأموال المنظم واختلاس الأموال العامة السورية، الصادر في 9 أيلول الفائت، بأمر قبض، لا سيما أنه استأنف على الفور لنقض الحكم.
ولفتت الصحيفة أنه لا يبدو أن القضاء الفرنسي قد حدد أدنى خطر بالفرار، وبالتالي لم يفرض أي مراجعة قضائية، ولا حتى طلب تسليم جواز سفره مع حظر مغادرة الأسد العم الأراضي الفرنسية، ما نتج عنه مغادرته الأراضي الفرنسية بشكل قانوني، مستقلاً رحلة تجارية من باريس إلى بيروت في الدرجة الاقتصادية، وقدم جواز سفره السوري في المطار، كما تنقل الصحيفة عن محاميه إيلي حاتم، الذي أكد أن رفعت الأسد ليس ضمن قائمة المطلوبين.
وأشارت الصحيفة إلى تورط رفعت الأسد بتجارة السلاح حول العالم، وخاصة زبائنه من الأنظمة الدموية، كما تحدثت عن علاقته بالرئيس الفرنسي السابق "فرنسوا ميتيران"، الذي كان يدعوه إلى رحلات الصيد الرئاسية، ووصل به الأمر أن منحه وساماً شرفياً.
وأكدت أن فرنسا تراخت طوال 37 سنة مع رفعت الأسد، كما تساهلت بعد إصدار الحكم عليه بالسجن لقاء خدمات استخباراتية قدمها لهذا البلد.
من جانبها نددت جمعية “شيربا” التي قدمت شكوى في عام 2013 ضد رفعت الأسد بمغادرته الأراضي الفرنسية دون عوائق؛ فيما اعتبرت منظمة Trial الدولية غير الحكومية، التي تقدمت بشكوى في سويسرا ضد رفعت الأسد لتورطه المزعوم في مذبحة حماة، أنه من المدهش للغاية أن السلطات الفرنسية المختصة لم تتخذ أي إجراء لمنعه من المغادرة، مضيفةً أنه من الناحية النظرية، فإن عودة الأسد إلى سوريا لا تمنعه ​​من أن يُحاكم يوما ما في سويسرا، حيث يخضع للتحقيق في جرائم حرب.
وأكدت الصحيفة أنه بعد أن غضت الحكومات الفرنسية المختلفة الطرف، بشكل أو بآخر، عن التصرفات غير القانونية لرفعت الأسد مالياً وقانونياً، بات من المرجح اليوم ألا يعود عّم الرئيس السوري إلى فرنسا أبداً، فهو الآن يعيش في دمشق، في أحد عقاراته في حي المزة الراقي قرب المطار.
وأكدت أن بشار الأسد لم يلتق بعد بعمه منذ عودته، مضيفةً أنه كان سيمنعه من الذهاب إلى منطقة اللاذقية مهد الأسرة ومعقل النظام، مرجعةً ذلك لعدم وجود ثقة في المنافس السابق لوالده، ونقلت الصحيفة عن فراس الأسد نجل رفعت قوله: "لو سجن في فرنسا، فلن يأسف بشار. لكن في نظر مؤيديه، سيكون من المهانة أن نرى أكبر فرد في الأسرة محتجزا في سجن فرنسي".
وفي منتصف تشرين الأول الفائت قالت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية إن خروج رفعت الأسد، من فرنسا "ليس بالشيء المفاجئ"، مشيرةً إلى أن هذا الخروج جاء بفضل خدماته التي قدمها للمخابرات الفرنسية، موضحةً أن رفعت لعب دوراً في نسج علاقة من نوع مختلف مع المخابرات الفرنسية منذ العام 1982، واستمرت لما يقرب من الأربعين عاماً.
وكشف التقرير الصادر عن الصحيفة أن رفعت الأسد قدم خدمة كبيرة إلى مدير المخابرات الفرنسية في العام 1982، كان لها دور كبير في الكشف عن شبكة صبري البنا أبو نضال، بعد قيام مجموعته بعمليات تفجير في فرنسا.
وأشار التقرير إلى أن العلاقة لم تنقطع يوماً، بين سومر الأسد نجل رفعت، وماهر الأسد شقيق رئيس النظام، مبينة أن تلك العلاقة تدل على رغبة نظام الأسد من الاستفادة من أولاد رفعت فيما يخص علاقاتهم مع المافيات الأوروبية.
وفي وقتٍ سابق طالبت منظمات فرنسية حقوقية غير حكومية الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بسحب وسام جوقة الشرف من رفعت الأسد، وذلك على غرار إجراء اتخذته باريس، حين سحبت الوسام ذاته، من بشار الأسد، في العام 2014، بعد أن منحه إياه الرئيس الفرنسي جاك شيراك في العام 2001.
كما وجه سوريون في فرنسا رسالة إلى وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، يسألون فيها عن الطريقة التي استطاع فيها رفعت الأسد الهروب من فرنسا إلى سوريا، على الرغم من أنه متهم بجرائم تبييض أموال ونهب أموال السوريين العامة، وفقاً لقرار محكمة باريس الصادر في 9 من أيلول من العام 2021".
وكان رفعت الأسد قد عاد إلى دمشق في تشرين الأول الفائت، بعد أن سمح له النظام بالعودة إلى سوريا منعاً لسجنه في فرنسا، وأشارت وسائل إعلام موالية حينها إلى أن رئيس النظام يترفع عما فعله وقاله رفعت الأسد، وسمح له بالعودة إلى سوريا، مثله مثل أي مواطن سوري آخر، موضحة أنه لن يكون له أي دور سياسي أو اجتماعي  في المشهد السوري.
وفي حزيران الفائت حكم القضاء الفرنسي على رفعت الأسد بالسجن أربع سنوات بعد إدانته بشراء عقارات بتسعين مليون يورو حصل عليها عبر غسيل الأموال والاختلاس من الخزينة السورية لكنه لم يسجن بسبب ظروفه الصحية، فيما تقول عائلته ومحاميه إنها أموال أغدقها عليه الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز..
ومنذ فتح تحقيق قضائي في 2014، أصدرت المحاكم قرارات بمصادرة ما لا يقل عن منزلين ضخمين في حيين باريسيين راقيين ومزرعة خيول ونحو 40 شقة وقصرا في فال دواز بضواحي باريس، بالإضافة إلى مكاتب في ليون تديرها شركات في لوكسمبورغ.
ورفعت الأسد الحاصل على وسام جوقة الشرف في فرنسا عام 1986 عن "خدمات مقدمة" مهدد بدعوى في إسبانيا في قضايا أكبر بكثير تتعلق بنحو 500 عقار، وهو ملاحق في سويسرا بتهمة ارتكاب جرائم حرب في ثمانينات القرن الماضي.
وفي ثمانينات القرن الماضي انتقل رفعت إلى أوروبا مع عائلته ومواليه وموظفيه، وتوزع قرابة 200 عائلة منهم بين إسبانيا وإنكلترا وفرنسا، فيما استقر أغلبهم في بلدة بيسانكور الصغيرة على حافة غابة مونتمورنسي، حيث اشترى الأسد مزرعة خيول سان جاك.
وغادر رفعت سوريا عام 1984، عقب محاولة انقلاب فاشلة على شقيقه حافظ الأسد، ليتجه بعدها إلى سويسرا ثم إلى فرنسا رفقة عائلته.
وشغل رفعت إبان سيطرة حافظ الأسد على حكم سوريا، منصب نائب الرئيس السوري وكان أحد أعمدة النظام الحاكم وقاد سرايا الدفاع في الجيش السوري المتهمة بارتكاب مجازر مروعة في مدينة حماة عام 1982.
ويُتهم رفعت الأسد بالإضافة إلى مجازر حماه الشهيرة، بالمسؤولية عن عدة مجازر في مدينة حلب وأرياف مدينة إدلب، وأشهرها مجزرة حي المشارقة في حلب، واقتحام بلدة سرمدا بريف إدلب بالدبابات وقتل واعتقال العديد من الأهالي بتهمة الانتماء لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، الذي اتهمه النظام حينها بمحاولة اغتيال الرئيس السابق حافظ الأسد، وتشكيل مجموعات مسلحة هدفها قلب نظام الحكم.
 

ذات صلة