ما أهداف زيارة المفتي الجديد لشمالي سوريا

قبل أسبوع أجرى المفتي العام لسوريا، ورئيس المجلس الإسلامي السوري، الشيخ "أسامة الرفاعي"، زيارة إلى شمال غربي سوريا، للمرة الأولى بعد انتخابه مفتياً عاماً للبلاد، التقى خلالها عدداً من الأكاديميين والعلماء وقادة فصائل الجيش الوطني السوري.
زيارة الرفاعي إلى سوريا جاءت بعد خمسة أيام فقط على انتخابه مفتياً لسوريا، في زيارة يبدو انها هدفت إلى تسجيل كلمته الأولى داخل سوريا لتثبيت منصبه الجديد من داخل الأراضي السورية، والاجتماع بالشخصيات والمؤسسات الفاعلة بالمنطقة.
كلمة من داخل سوريا
الرفاعي وفي أول كلمة مسجلة له، تحدث عن أهمية الخطوة التي أقدم عليها المجلس الإسلامي السوري بانتخاب مفتٍ لسوريا، بعد إلغاء هذا المنصب من قبل النظام السوري، مشيراً إلى ضرورة توحيد الصفوف من قبل الفصائل لمواجهة النظام السوري.
وشدد الرفاعي على أنه لم يكن راغباً بشغل منصب المفتي، مضيفاً أن أعضاء المجلس الإسلامي السوري، ومجلس الإفتاء السوري بما يضمان من علماء وشيوخ وأكاديميين في الشريعة الإسلامية أصروا على تنصيبه وانتخبوه بالإجماع، محذراً من مخاطر الفرقة بين الفصائل العسكرية، وأنه ما لم تتوحد صفوف الفصائل فلا نحلم بالنصر، كما أشاد بالسوريات، قائلاً إن "المرأة عانت أكثر من غيرها خلال السنوات الماضية"، في تلميح واضح للغط السابق حول كلمته عن المرأة والمنظمات، وما تبعه من هجوم شخصي على الشيخ الرفاعي.
كما تطرق الرفاعي إلى موضوع المعتقلين والمفقودين والمهجرين، داعياً إلى فعل ما يمكن لإنقاذهم مشدداً أن العمل على إخراجهم واجب وليس تبرعاً، وأنه على القوي أن يأخذ بيد الضعيف والغني أن يأخذ بيد الفقير.
وختم الرفاعي حديثه بالتأكيد على أن منصب المفتي ليس لفئة من دون فئة، مضيفاً "هكذا عودنا علماء سوريا القدامى، حيث نمد يدنا إلى كل الطوائف والأديان والأعراق والإثنيات في بلدنا ولا نفرق بينهم".
وتزامن حديث الرفاعي عن ضرورة دمج الفصائل وتوحيد الصفوف، مع مبادرة يعمل عليها المجلس الإسلامي لدمج مكونات الجيش الوطني السوري، وتحديداً الكتلتين الأكبر فيه غرفة القيادة الموحدة "عزم" والجبهة السورية للتحرير.
ودخل الشيخ الرفاعي في زيارته الأخيرة برفقة وفد من المجلس الإسلامي السوري، برعاية الجبهة الشامية، وبدأ جولته بزيارة جامعة حلب الحرة في مدينة اعزاز.
من جهتها قالت الجامعة إن الشيخ والوفد المرافق له، اجتمع بعدد من عمداء الكليات وأعضاء الهيئة التدريسية ومجموعة من طلاب الجامعة، تلاه إلقاء كلمته مباركاً فيها تخريج الدفعة الأولى من كلية الطب البشري في الجامعة، ومثمناً الجهود التي بذلتها الجامعة خلال السنوات الماضية.
ووجه الرفاعي كلمته إلى الشباب، لحثهم على مواصلة طريق العلم والتعب، وأشاد بدور المرأة السورية الصامدة، مباركاً لها صبرها طوال سنوات الثورة، ثم أجاب عن بعض الأسئلة والاستفسارات التي طرحها الحاضرون نهاية اللقاء، كما التقى بهيئة الأوقاف والشؤون الدينية في الحكومة السورية المؤقتة، والتي أكد مديرها الالتزامَ بمرجعية المجلس الإسلامي وسماحة المفتي واعتماد ما يصدر عنه من فتاوى.
فيما توجه الشيخ الرفاعي، الجمعة الفائت، إلى مقر وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، في بلدة كفر جنة شمالي حلب، والتقى وزير الدفاع العميد حسن حمادة، وبعض قادة الجيش الوطني السوري.
زيارة الرفاعي إلى سوريا تعد الثانية من نوعها خلال فترة قصيرة، وتحمل في طياتها أهداف محددة حرص الرفاعي على تحقيقها، وتتمثل بكسب وحشد الرأي العام حوله، بعد تسلم الرفاعي لمنصب الإفتاء في سوريا، وزيادة التواصل مع الجهات المحلية والعلماء داخل سوريا، بحسب مصادر خاصة لـ"المجس".
وأضافت المصادر أن ثاني الأهداف التي وضعها الرفاعي نصب أعينه، تمثلت بتسجيل الكلمة المصورة الأولى للشيخ الرفاعي من داخل سوريا حيث أصر المجلس الإسلامي على تلك الخطوة، وشددت المصادر على أن الهدف الثالث والأهم للرفاعي يتمثل بمناقشة مبادرة المجلس الإسلامي السوري، الهادفة إلى توحيد فصائل الجيش الوطني السوري، لتُسجل كأول إنجاز له منذ توليه منصب الإفتاء.
مبادرة المجلس الإسلامي لتوحيد فصائل الجيش الوطني
مبادرة تهدف لتوحيد كل فصائل الجيش الوطني ضمن جسم واحد، في خطوة تهدف لضبط العسكرة والملف الأمني، وتنص على وضع شروط جزائية على كل فصيل يخرج من المشروع بعد التوافق عليه، وكذلك رفع اليد عنه، ما يعني أنه مهدد بالتفكك.
المبادرة المذكورة لم تحقق الأهداف المرجوة، وباءت بالفشل بعد أسابيع على إطلاقها، وذلك لعدة أسباب أبرزها الشروط المتبادلة من الفصائل المفترض أن تنخرط في عملية الاندماج، وعدم اقتناع فصائل أخرى بالمبادرة، على اعتبار أنها ستنهي المسميات الفصائلية بشكل كلي، وهو ما يشكل حتى الآن عقبة في طريق الاندماج، حيث ترفض معظم الفصائل الانصهار الكلي وإلغاء المسميات.
وذلك يُفسر توجه الرفاعي فور زيارته إلى سوريا، إلى مقر وزارة الدفاع بالحكومة المؤقتة، وإجراء لقاء مع وزير الدفاع بحضور قائد غرفة القيادة الموحدة "عزم"، أبو أحمد نور، وقائد الجبهة السورية للتحرير، المعتصم عباس.
وأعقبت الزيارة تغريدة لقائد الجبهة السورية للتحرير قال فيها "شرفت بالاجتماع والوقوف بين يدي سيدي فضيلة الشيخ العلامة أسامة عبد الكريم الرفاعي حفظه الله مفتي الجمهورية العربية السورية، وقد أكرمنا بجميل نصحه ودعمه للجيش الوطني ومشدداً على إنهاء الحالة الفصائلية ووحدة الصف والكلمة، وبدورنا أكدنا على الالتزام بتوصيات وتوجيهات فضيلته".
مصادر لـ"وكالة المجس" أكدت أن الرفاعي كان يخطط لجمع كل قادة الجيش الوطني خلال الاجتماع، في سبيل إقناعهم بالتوقيع على ميثاق يتعلق بمبادرة المجلس الإسلامي، مضيفةً أنه لم يحضر اللقاء سوى قائد الفيلق الثالث في "عزم"، وقائد الجبهة السورية ممثلاً عن فرقة المعتصم، وقائد فصيل جيش الشرقية.
وأشارت المصادر أن الاجتماع ناقش بالتفصيل مبادرة المجلس الإسلامي لتوحيد الفصائل ضمن غرفة عزم، وفي إطار التبعية لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، لكنه انتهى دون التوصل إلى أي نتيجة، وذلك لتغيب عدد كبير من قادة الفصائل وامتناعهم عن التوقيع على المبادرة، ومطالبة آخرين بإمهالهم بعض الوقت لدراستها
وبناءً عليه، يبدو أن مبادرة توحيد الفصائل، تحظى باهتمام المجلس الإسلامي السوري ورئيسه، والمفتي العام أسامة الرفاعي، لما لها تأثير على مختلف مناحي الحياة في مناطق سيطرة المعارضة السورية، إضافةً إلى دورها في تعزيز مكانة السلطة الدينية والمنصب الحديث الذي بادرت المعارضة لانتزاعه بعد إلغاء النظام له.
الأسد يسعى لتغيير سُنية سوريا
وفي منتصف تشرين الثاني الجاري أصدر رأس النظام السوري بشار الأسد مرسوماً يقضي بـ "تعزيز دور المجلس العلمي الفقهي وتوسيع صلاحياته"، في خطوة واضحة لتحجيم دور المفتي بل وإقصاؤه عن المشهد الديني في سوريا.
ونص المرسوم الجديد على إجراء تعديلات تتعلق بفقرات ومواد المرسوم 31 لعام 2018 الناظم لعمل وزارة الأوقاف، والذي أُعلن فيه عن استحداث "المجلس العلمي الفقهي"، وحدد القائمين عليه، ودوره وصلاحياته.
ومن أبرز التعديلات التي طرأت على المرسوم السابق، بحسب ما ورد في المادة الأولى من المرسوم الحالي، هو إزالة عضوية "مفتي الجمهورية" من المجلس، وتوكيل المجلس بإدارة المهام التي كانت موكلة للمفتي سابقاً، كما تم إلغاء الفصل التاسع من المرسوم السابق، الذي نص على تسمية مفتي الجمهورية وتحديد مهامه واختصاصاته بمرسوم بناء على اقتراح الوزير لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد.
وبحسب التعديلات الأخيرة في المرسوم الجديد، فإنه لم يعد لمفتي الجمهورية أي دور في المؤسسة الدينية التابعة للنظام في سوريا، بالإضافة إلى أن المرسوم لم يوضح بصورة مباشرة إن كان منصب المفتي سيتم إلغاؤه بالكامل ونقل صلاحياته للمجلس العلمي الفقهي، أم لا.
وأثار قرار الأسد إلغاء منصب مفتي الجمهورية وإنهاء صلاحيات المفتي الحالي أحمد بدر الدين حسون، ردود فعل كبيرة بين مؤيد للقرارات الأخيرة ومعارضٍ لها، فيما رآه آخرون أنه يندرج في تعزيز قبضة النظام على المؤسسات الدينية، وتغيير في وجه سوريا السُني، عبر إلغاء منصب الإفتاء وتحويله إلى مجلس يضم كافة الطوائف والأقليات في سوريا.
وكان المتحدث الرسمي باسم المجلس الإسلامي الشيخ مطيع البطين، قال في تعليقه على القرارات الأخيرة، إن المشكلة ليست في شخص وأداء حسون، والأخطاء الكبيرة والقاتلة التي كان يرتكبها، موضحاً أن ”المسألة الآن هي حول منصب الإفتاء، والذي له مكانة كبيرة في قلوب السوريين، وعن رمزية الإفتاء أيام الشيخ أبو اليسر عابدين والشيخ الأسطواني الذين كانوا ينتخبون انتخاباً من قبل العلماء الكبار الذين هم أهل لأن يختاروا من بينهم من يحتل هذه المكانة الرفيعة التي لها تأثير كبير على جميع مناحي الحياة“.
وبين البطين أن إقالة وإقصاء المفتي العام أحمد بدر الدين حسون على الرغم من خدماته الجلية للنظام السوري وبشار الأسد، والتي تضمن الإساءة لكل السوريين، تحمل خفايا خطيرة، تتمثل بإدخال عناصر أجنبية موالية لإيران، في إطار مشروع الولي الفقيه في المنطقة، داعياً السوريين إلى عدم الاهتمام بقضية شخص المفتي، إنما النية التخريبية للنظام من إنهاء منصب المفتي العام وما سيترتب عنه.
ولفت البطين أن المرسوم السابق القاضي بتشكيل المجلس الفقهي التابع لوزارة الأوقاف ينص على أن للوزير الحق في إدخال عناصر سورية أو من جنسيات أخرى للمجلس وهذا يسمح للإيرانيين بدخول المؤسسة، وهذا استهداف للمكون السني في سوريا، خاصة أن عدد الشيعة في سوريا قليل جداً.
وبين أن إلغاء المنصب له بعد رمزي، ومرتبط بخطة سابقة عملت على تغيير التركيبة السكانية، وتهجير المسلمين على أساس طائفي، وبناء سوريا المتجانسة التي تحدث عنها الأسد سابقاُ، مشيراً إلى أن الخطورة في المرسوم الحالي تشمل الحديث عن إدخال القاضي الشرعي إلى المجلس، وهذا له اتصال بقانون الأحوال الشخصية.
ويعتبر المجلس العلمي الفقهي في وزارة الأوقاف تجمعاً لرجال الدين، ويعتمد على مرجعية فكر "علماء بلاد الشام" بدلاً من الدول الأخرى، ويضم شيوخاً من كافة المذاهب الإسلامية وممثلين من الطوائف المسيحية يسميهم البطاركة ويدعو إلى نبذ التعصب والطائفية. وتشكّل المجلس العلمي الفقهي بموجب المادة الخامسة من القانون 31 للعام 2018 ويرأسه وزير الأوقاف شخصياً، وينص القانون 31 الذي أصدره الأسد بدلاً عن قانون سابق يعود للعام 1961، على تحديد فترة ولاية مفتي الجمهورية بثلاث سنوات قابلة للتمديد، بناءً على مقترح وزير الأوقاف.