كيف أثر تقلب الليرة التركية على الواقع الاقتصادي شمالي سوريا

انعكس انخفاض سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأميركي سلباً على الاقتصاد في مناطق شمال غربي سوريا، التي تعتمد على العملة التركية كعملة أساسية، ما أثر كثيراً على السكان، وبدا التأثير واضحاً من حيث التقلبات السعرية التي لم تستطع سلطات الأمر الواقع في شمالي سوريا من وضع حد لها.
وأثر انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي على الوضع الاقتصادي والعمال في شمال غربي سوريا الذين يتقاضون أجورهم بشكل يومي، إذ ما زالوا يحصلون على أجور ثابتة ومتدنية بالليرة التركية، وسط ارتفاع أسعار تشهده تلك المناطق.
وشهدت أسعار أغلب المواد والمنتجات في الأسواق شمالي سوريا، وخاصة المنتجات الاستهلاكية اليومية والمحروقات، ارتفاعاُ كبيراً في الأسعار إذا ما قورن بمستوى الدخل اليومي للعمال.
وبحسب مصادر مطلعة لـ"وكالة المجس" فإن أكثر القطاعات التي تأثرت بانخفاض قيمة الليرة هي أسواق المواد الغذائية، وذلك لأن أصحاب تلك المحال يعتمدون التسعير بالدولار والبيع بما يقابله بالليرة التركية، فيكون الارتفاع بشكل فوري بعد كل انخفاض جديد لليرة، كما شمل ارتفاع الأسعار قطاع سيارات الأجرة وسيارات النقل العمومي، نتيجة تأثرها بشكل كبير بارتفاع أسعار المحروقات في المنطقة.
وحول الواقع الاقتصادي في شمالي سوريا، والوضع الاقتصادي شمالي حلب، وأثر تدهور الليرة التركية على الواقع الاقتصادي في مناطق سيطرة المعارضة السورية، أقر عبد الحكيم المصري، في تصريحات صحفية بوجود حالية انهيار اقتصادي شمالي سوريا، مرجعاً ذلك إلى صغر المساحة والتي لا تعادل 10 بالمئة من مساحة سوريا، ويقطنها قرابة 4 ملايين سوري، من أهالي المناطق الشمالية، فضلاً عن المهجرين من باقي المناطق السورية والقاطنين في المخيمات المتوزعة على مناطق شمال سوريا.
وأضاف المصري أن حالة التدهور في شمالي سوريا، ليست جديدة إلا أنها تشهد ازدياداً ملحوظاً في الفترة الحالية بسبب الوضع الاقتصادي وانهيار الليرة التركية، مؤكداً أن 90 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
وحول انهيار الليرة التركية أكد المصري أنها ساهمت في تدهور الوضع الاقتصادي، وأن انخفاض سعر صرف الليرة ساهم في رفع أسعار المواد الغذائية، مشيراً إلى أن التجار ساهموا في الأزمة الاقتصادية عبر رفع الأسعار رغم هبوط الليرة السورية.
وأشار المصري أن أكثر من 80 بالمئة من السوريين في شمالي سوريا، يتقاضون رواتبهم بالليرة التركية، وهو ما أثر سلباً في ارتفاع تكاليف المعيشة على المدنيين، مبيناً أن معدلات التضخم ضربت معظم دول العالم وليس تركيا وحدها، موضحاً أن أغلب المستوردات في شمالي سوريا هي منتجات غير تركية، وأن معدلات التضخم وارتفاع الأسعار الغذائية والنفطية، هو عبارة عن حالة عالمية وليست خاصة فقط بالليرة التركية والاقتصاد التركي.
من جهته وصف التاجر أنس غزال الواقع التجاري في الشمال السوري، بـ"المذبذب" مرجعاً ذلك إلى حالة الحرب التي يعيشها شمالي سوريا، مؤكداً أن التجارة في مناطق الشمال السوري عبارة عن مخاطرة مهددة بالخسارة في ظل الظروف الراهنة.
وأشار غزال إلى وجود خلل في الأمن الداخلي بمناطق شمال سوريا، مؤكداً في الوقت ذاته أنه لاسبيل في الوصول إلى الأمن الاقتصادي، إلا عبر تهيئة الأجواء لترسيخ الأمن الداخلي في مناطق شمالي سوريا.
فيما رأت الناشطة الحقوقية سندس فلفلة أن الوضع المعيشي شمالي سوريا، يرتقي إلى مستوى يتجاوز خط الفقر إلى ما دونه، مبينةً أن استبدال العملة السورية بالتركية، وارتفاع سعر صرف الدولار، وتدني مستوى الأجور إلى 20 ليرة تركية، ساهم بشكل كبير في تدهور الوضع الاقتصادي في شمالي سوريا.
وحول التدابير المُتخذة من الحكومة السورية المؤقتة ووزارة الاقتصاد لمواجهة الأزمة الحالية، أشار المصري إلى أن الوزارة اتخذت عدداً من التدابير ومن ضمنها دعم مخابز داعمة للحكومة المؤقتة، وبيعها بمبلغ ليرة ونصف بخلاف باقي المناطق التي تجاوز سعر ربطة الخبز فيها مبلغ 3 ليرات سورية.
وأضاف المصري أن الوزارة عملت على الحفاظ على أسعار الطحين، من خلال بيعه بـ285 دولاراً فقط، مشيراً إلى أنه يباع في الأسواق بمبلغ 400 دولار ومافوق، وبين أن الأفران التابعة للمجالس المحلية التزمت بتعليمات الحكومة المؤقتة حول وزن وسعر مادة الخبز وهو ما ساهم في تخفيف الأزمة التي تشهدها مناطق شمال غربي سوريا.
ولفت المصري أن الحكومة المؤقتة بصدد افتتاح أفران جديدة في شمالي حلب، مطلع آذار المقبل، لتخفيف الأزمة التي تشهدها مادة الخبز، مشيراً إلى ضرورة رفع أجور الموظفين في ظل ارتفاع الدولار أمام الليرة التركية، مؤكداً على ضرورة تناسب الأجور مع الغلاء الاقتصادي الذي تشهده المنطقة.
فيما أشار غزال إلى وجود فوارق بين أسعار الصرف المعلنة، وأسعار الصرف الموجودة في الأسواق، مؤكداً أن المدن الصناعية المُنشأة في شمالي سوريا، لم تغطي بالقدر الكافي مناطق شمالي سوريا، مقللاً من أهمية الأثر الإيجابي للمدن الصناعية في المرحلة الحالية.
وحول موضوع الأجور أشارت سندس إلى أن الأجور المتدنية للعمال في شمالي سوريا، لم تقتصر على أصحاب المهن الحرة والتجارة، بل تعدتها إلى المدن الصناعية المقامة في شمالي سوريا، التي تمنح بدورها أجوراً متدنية للعمال تضاهي قيمتها تلك المدفوعة من قبل أصحاب المهن الحرة.
وبخصوص تحديد الحد الأدنى للأجور أشار الوزير المصري إلى أنه لايمكن وضع حد أدنى للأجور للعمال في شمالي سوريا، مرجعاً ذلك إلى ارتفاع نسبة البطالة في سوريا، وقبول العاملين بأجور متدنية، لتأمين لقمة المعيشة، مشيراُ إلى وجود عدد كبير من العاطلين عن العمل، الذين يقبلون بالعمل بأجور متدنية في سبيل تأمين قوت يومهم.
فيما أشار غزال لدى سؤاله عن إمكانية الاكتفاء بالمصنوعات المحلية، والمزروعات، إلى وجود عدد من العوامل التي تمنع الاكتفاء الذاتي في شمالي سوريا، وأبرزها شح المواد والجفاف، مبيناً أنه لا إمكانية في الوقت الحالي للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، فيما بين المصري أن ارتفاع البطالة وشح المواد ساهمت في الوضع الحالي، فضلاً عن عوامل جوية حدت من السلة الغذائية لشمالي سوريا.
وحول طبيعة العلاقة بين التجار شمالي حلب، وغرف التجارة والمجالس المحلية، أشار غزال إلى أن على غرفة التجارة تشجيع التجار على العمل، بدلاً من فرض الضرائب والتعقيدات، حول إعطاء الرخص اللازمة لمزاولة التجارة.
وحول تطبيق قواعد الحوكمة على جميع المشاريع والمؤسسات شمالي سوريا، أشار الوزير المصري إلى أن الحكومة المؤقتة أصدرت قراراً بوجوب تسجيل جميع المنظمات في الحكومة المؤقتة، مبيناً أن أغلب المؤسسات والمنظمات ترفض التسجيل، في ظل عجز الحكومة عن إجبار تلك المؤسسات على التسجيل، لتفادي إيقاف عملها ما قد يؤثر بشكل سلبي على الواقع الاقتصادي للأهالي.