هل بات التحالف الأمريكي مع عرب شرق الفرات أمراً محتوماً

عملت القوات الأمريكية في سوريا، المتواجدة في مناطق شرق الفرات، منذ أشهر، على تهيئة شبكات أمنية من أبناء القبائل العربية في المنطقة لتعقب واصطياد خلايا إيرانية، وسط ورود تقارير استخباراتية عن نية إيران استهداف القوات الأمريكية في سوريا عبر عملاء من المكون العربي.
مصادر عشائرية عربية أكدت لدى حديثها لـ"وكالة المجس"، وجود شبكات تابعة للإيرانيين في شرق الفرات، مهمتها تعقب تحركات القوات الأمريكية، واستهدافها حين الضرورة، وذلك لزعزعة الاستقرار في شرق الفرات، وجعل الجنود الأمريكيين ضمن دائرة الاستهداف، وذلك لإجبار واشنطن على تخفيف الضربات الموجهة للميليشيات التابعة لإيران شرقي سوريا، وإرغامها على الاعتراف بالوجود الإيراني في سوريا كوجود شرعي ويحظى بحاضنة شعبية سورية.
وأضافت أن الاستخبارات الأمريكية حذرت القوات المتواجدة في سوريا من احتمالية شن هجمات تستهدف تحركاتها، وذلك بعد ورود تقارير مخابراتية، تُنذر بقرب شن هجمات على الأمريكيين في سوريا، عبر أذرع عربية موالية لإيران، ما دفع واشنطن للتحرك لإنشاء شبكات مشابهة لتعقب خلايا الإيران.
وأشارت إلى أن التحرك الأمريكي تزامن مع تحذير أمريكي شديد اللهجة، أطلقه مستشار الأمن القومي الأميركي "جيك ساليفان" لإيران بأنها ستواجه "تبعات خطيرة" في حال مهاجمتها "أي مواطن للولايات المتحدة".
وترافقت التحذيرات الأمريكية مع فرض إيران عقوبات على أكثر من 50 مواطناً أميركياً بتهمة المشاركة في اغتيال قاسم سليماني، وتصريحات أدلى بها الأمين العام لحزب الله "حسن نصر الله" بمناسبة ذكرى اغتيال سليماني والمهندس، قال فيها إن تشكيل مقاومة شعبية في الجزيرة السورية هو الخيار الأمثل الذي سيؤدي الى خروج الجيش الأميركي من سوريا.
المقاومة الشعبية في الجزيرة السورية
للوهلة الأولى يظن القارئ أن مسمى " المقاومة الشعبية" في الجزيرة السورية، الذي أطلقه حسن نصر الله زعيم ميليشيا حزب الله على المعترضين على الوجود الأمريكي، والوكلاء الموالين لإيران في الجزيرة السورية، بأنه تشكيل جديد تعتزم إيران تشكيله لمواجهة النفوذ الأمريكي القوي شرق سوريا.
إلا أن المؤشرات والمعطيات تدل على أن المقاومة الشعبية المذكورة، أعلنتها العديد من الأطراف الموالية لإيران قبل أشهر عديدة، وتبعتها تحركات فعلية على الأرض، كـ اجتماعات ضمت وجهاء القبائل العربية من الجزيرة السورية في حلب، فضلاً عن وجود تواجد معلن للأذرع الإيرانية في مطار القامشلي وجبل كوكب، ووجود شبكة من المتعاونين المحليين، أرسل بعضهم إلى إيران للتدريب، إضافة إلى شبكة مقاولين يعملون من مناطق سيطرة النظام السوري غرب الفرات.
وتُشير المصادر إلى أن فكرة المقاومة الشعبية التي تبنتها إيران، بدأت بتنفيذ العديد من المخططات على أرض الواقع، وتمثلت باعتراض الدوريات الأميركية بعد تأجيج المدنيين في الحسكة، وتطور بعضها إلى قذفها بالحجارة، وما دفع القوات الأميركية إلى التعامل بالنيران مع إحداها، ما أسفر عن قتيل وجرحى.
وأضافت أن التطورات بدأت تأخذ منحىً عسكرياً من خلال إطلاق القذائف الصاروخية على قاعدتي العمر وكونيكو في ريف دير الزور الشرقي، من قبل مجهولين، تبعتها عمليات بطائرات الدرون على قاعدتي التنف والعمر النفطي، بعضها أعلن عنه، فيما بقي البعض الآخر ضمن خانة العمليات السرية.
وبينت أن الجانب الأمريكي يخشى من أن التصعيد المرتقب قد يتطور إلى استهداف عسكريين أميركيين بشكل مباشر، وإيقاع خسائر بشرية بينهم، بعدما كانت العمليات السابقة تقتصر على عمليات تحرش خفيفة بين الإيرانيين والأمريكيين، ولا تتعدى في محتواها "الرسائل السياسة" المُغلفة بإطار عسكري.
ويبدو أن التحركات الإيرانية عبر استهداف العسكريين الأمريكيين، تهدف إلى إرغام واشنطن على الانسحاب من شرق الفرات، وذلك لعلمها بأن الأمريكيين لن يبقوا في سوريا على أيه حال، ما دفعها للعمل بشكل جدي قبيل انسحابهم، لتضمن نصيبها من تبني عملية دحر الأمريكيين " إعلامياً" بعد الانسحاب المرتقب،  كما أن تعثر المفاوضات مع واشنطن حول الملف النووي، سرع من وتيرة العمل الإيراني ضد الأمريكيين في سوريا.
واشنطن مرغمة على التحالف مع المكون العربي
ووفقاً للمعطيات المذكورة فإن لجوء الأمريكيين للقبائل العربية في شرق الفرات، يُعد من الخيارات الاستراتيجية لواشنطن في الوقت الحالي، وهو أمر قد يتكلل بالنجاح وذلك لعدة أسباب أبرزها، مشاعر العداء الشديد الذي تُكنه قبائل دير الزور للنظام السوري وإيران، رغم محاولات استرضاء تلك القبائل، فضلاً عن سياسات "نشر التشيع" التي تفرضها المليشيات الشيعية، ما ساهم في ارتفاع منسوب العداء لمحور النظام السوري.
وتسعى واشنطن من خلال التحالف مع العرب شرقي الفرات، إلى استغلال الخزان البشري الذي يضم عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين السابقين، الذين حاربوا النظام السوري ويمتلكون خبرات عسكرية كبيرة، ومعلومات جغرافية واسعة عن المنطقة، فضلاً عن رفضهم القاطع لمهادنة النظام أو عودته إلى المنطقة، في دحر النفوذ الإيراني والحد من نشاط الإيرانيين في مناطق معروفة رسمياً بأنها خاضعة للنفوذ الأمريكي.
وتُرجح المصادر أن عدم إسناد مهمة دحر الإيرانيين هناك، لقوات سوريا الديمقراطية الحليف الرئيسي لواشنطن، والمسيطر الفعلي على تلك المنطقة، يأتي على خلفية سيطرة حزب العمال الكردستاني وأذرعه على الساحة الكردية السورية، ووجود انقسام بين التيار الموالي لواشنطن والآخر الموالي للحزب في صفوف قسد، فضلاً عن اندلاع احتجاجات عربية ضد قسد في مناطق المكون العربي، الأمر الذي دفع واشنطن للاعتماد بشكل كلي على المكون العربي، لضمان نجاح المهمة بعيداً عن النزاع الدائر بين المكون العربي والكردي.
فرص النجاح
من المؤكد أن المرحلة الراهنة تُعتبر فرصة للمكون العربي في منطقة شرق الفرات، لبناء استقلالية عسكرية وسياسية بالاعتماد على الدعم الأميركي، وبعيداً عن الهيمنة الكردية على المشهد السياسي والعسكري هناك، حيث سيعتبر التحالف العربي الأمريكي بمثابة تغيير للمعادلة المجحفة بحق العشائر، كما أنه سيُعطي زخماً للمكون العربي وخصوصاً إذا تم الربط بين الفعاليات في منطقة القبائل شرق وغرب الفرات وقاعدة التنف على الحدود العراقية السورية الأردنية، التي تنتشر فيها قوات عربية من دير الزور أيضاً، بحسب المصادر.
مقومات التحالف الأمريكي مع قبائل شرق الفرات متوافرة، وهي بلا شك ستصُب في خانة القضاء على الإيرانيين واستئصال تنظيم الدولة، تلك المعركة التي فشلت كل القوى الإقليمية في سوريا، بالنجاح في حسمها وإنهاء وجود التنظيم على امتداد البادية السورية، وهو ما نبه واشنطن إلى ضرورة الاستعانة بمكون عربي يُنافس التنظيم في جذب الولاء والعناصر إلى صفوفه، ويستمد شرعيته من الحاضنة ذاتها التي يسعى التنظيم لتمثيلها في حربه ضد القوات المتعددة في سوريا.
وعليه فإن النجاح الأمريكي العربي قد يخلق كياناً مدعوماً من الأمريكيين، يوازي في قوته العسكرية، قوات سوريا الديمقراطية، ويتفوق عليها سياسياً كونه من المكون الأكبر لسكان شمال وشرقي سوريا، وهو ما سيسهم في قطع الطريق على الإيرانيين والروس والنظام السوري، الذين استغلوا خلال الفترات السابقة التوتر العربي الكردي للتغلغل في المجتمع العربي هناك، بدعوى تخليص العرب من ظلم الأكراد، وإعادتهم إلى كنف الدولة التي "لا تفرق بين مكوناتها".