هل تنجح طهران في تشييع أهالي السويداء

لا يخفى على المتابع للأوضاع السياسية والميدانية في جنوب سوريا، وجود محاولات إيرانية مستميتة للتغلغل في البنية الاجتماعية لأهالي جنوب سوريا، سواء في محافظة درعا أو السويداء، وذلك عبر تجنيد أبناء تلك المناطق في صفوف الميليشيات المرتبطة بإيران، لضمان توسيع القاعدة الشعبية التي ترتكز إيران عليها في تثبيت وجودها.
المحاولات الإيرانية في جنوب سوريا، وإن كانت قد حظيت ببعض النجاح في مناطق محددة ومحصورة، إلا أنها لا زالت "منبوذة" مجتمعياً لدى أهالي جنوب سوريا، وخصوصاً في محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، والتي باتت تمثل حجر عثرة أمام مشاريع النظام وإيران.
تغلغل ديني فاشل
من الخطأ ربط محاولات التغلغل الإيراني في سوريا، على الصعيد الديني، بانطلاق الثورة السورية في آذار عام 2011، حيث تُشير عدة مصادر أن إيران عملت على اختراق المجتمع السوري بشكل عام، وجنوب سوريا بشكل خاص، إبان الحرب اللبنانية-الإسرائيلية عام 2006،  وذلك عند استقبال السوريين، اللبنانيين الهاربين من الحرب، الذين ينتمي معظم أبنائهم إلى ميليشيا "حزب الله"، ما فتح الطريق للوفود الإيرانية للقيام بزيارات منتظمة إلى الجنوب السوري، تحت مسميات "السياحة الدينية" لمقامات ورموز مشتركة بين الطائفتين الشيعية والدرزية.
تصاعد النشاط الإيراني مع انطلاق الثورة في سوريا عام 2011، وذلك عبر دخول إيران بشكل رسمي إلى سوريا، لمحاربة " الإرهابيين" الذين زعم النظام وإيران من خلفه، أنهم سيستهدفون الأقليات في سوريا، ومن ضمنها الطائفة الدرزية.
وأشار " معذا" أحد ناشطي مدينة السويداء، إلى أن إيران عملت منذ بدء الاحتجاجات والمعارك المسلحة في سوريا، على تطبيق سياسة "تشييع السويداء"، إلا أن العامل الديني في المحافظ أسهم بشكل كبير في إحباط المخططات الإيرانية، على الرغم من تسجيل بعض النجاح في حالات محددة، موضحاً أن إيران نجحت في تشييع البعض من الأهالي، إلا أنها اصطدمت بالواقع الديني في المحافظة، حيث اضطر المتشيعون الجدد إلى التخفي وعدم إظهار ذلك أمام أبناء مذهبهم، وذلك خوفاً من أن يصبحوا منبوذين في المجتمع، وهو أمر يتعارض مع الرغبات الإيرانية الهادفة إلى إعلان المتشيعين عن تغيير مذهبهم، ودعوتهم لأقاربهم وأصدقائهم للانخراط في المذهب.
وأضاف أن مشيخة العقل في السويداء، ساهمت بشكل كبير في الحد من التغلغل الإيراني في المجتمع وذلك عبر إقامة اجتماعات دورية لتوعية الأهالي حول الخطر الإيراني في سوريا، وتأكيدهم على أن محاولات التشييع الجارية في سوريا والمحافظة، تهدف إلى تقويض المجتمع، وزرع الفتن بين أبناء الوطن الواحد، مشددين على أن الطائفة لن تتهاون أبداً مع المتشيعين من أبناء السويداء، مهددةً بالتبرؤ منهم ومنع التعامل معهم، وهو ما أثر بشكل كبير في وأد الأطماع الإيرانية داخل المحافظة.
وبين معذا أن إيران استغلت الظروف الاقتصادية التي عانى منها أهالي السويداء، في توسيع نشاطها، وذلك عبر تعيين مندوبين محليين لإقناع بعض الفقراء داخل المدينة، بضرورة تغيير مذهبهم لتلقي المساعدات المادية والعينية من الإيرانيين، مع تذكيرهم الدائم للعائلات بأن "مشيخة العقل وأبناء الطائفة لم يمدوا يد المساعدة للفقراء في المحافظة، بخلاف إيران التي سعت دائماً لإطعام فقراء السويداء"
ولفت معذا إلى أن الهدف من عمليات التشييع في السويداء، يحمل في طياته، طابعاً سياسياً واقتصادياً، إلى جانب الطابع الديني، مضيفاً "إيران سعت لاستمالة أبناء السويداء، لاستخدامهم في فتح منافذ جديدة لتجارة المخدرات نحو الأردن والخليج"، موضحاً أنها عملت على تجنيد ميليشيات من المتشيعين من أبناء المحافظة، وذلك لضمان نجاح خطتها في إدارة تجارتها غير المشروعة بأمان، مؤكداً أن معارضة مشائخ السويداء لعمليات التشييع، تحمل في طياتها أبعاد سياسية، إلى جانب المخاوف الدينية.
فيما يُشير "شاهر" أحد العسكريين في فصائل السويداء، إلى أن إيران أنشأت منذ العام 2012، ما يسمى “الدفاع الوطني” في المحافظات الموالية للنظام السوري، ودعمت إيران تلك المجموعات بالمال والسلاح ، موضحاً أن السويداء كانت من أولى المحافظات التي وقعت في فخ "الدفاع الوطني"، الذي تُشرف إيران على تدريب الكثير من مقاتليه، ما عزز من ولاء المنتمين للميليشيا و تثبيت تبعيتهم للحرس الثوري الإيراني.
وأضاف أن إيران جندت العديد من السماسرة المحليين من أبناء المحافظة، ممن يتمتعون بمكانة اجتماعية، الذين لعبوا دوراً كبيراً في تسهيل التغلغل الديني الإيراني في السويداء، من خلال تجنيد الشباب في الميلشيات، وتوزيع مساعدات مالية وعينية على المتشيعين من المدنيين والعسكريين.
وتابع قائلاً " السماسرة جندوا الشبان لصالح الإيرانيين، وجعلوهم أدوات في تهريب المخدرات نحو الأردن، برعاية حزب الله اللبناني"، وأضاف" شيعوا العديد من أبناء العشائر في كل من درعا والسويداء، وقاموا بتدريبهم في معسكرات بالريف الغربي لمحافظة السويداء، ما أدى لتأجيج الصراع والانقسام الطائفي في المنطقة، فضلاً عن العمليات الإجرامية التي ينفذها المقاتلون المتشيّعون مثل محاولة خطف المدنيين من السويداء ودرعا".
مقامات مزعومة في السويداء
وعلى الصعيد الرسمي، حاولت إيران بناء علاقات مع مشايخ عقل السويداء، بعد تصدع العلاقات إثر المحاولات الإيرانية الرامية لتشييع أبناء السويداء، وإعلان مشيخة العقل تصديها بشكل حاسم لتلك المحاولات، وذلك من خلال الزيارات الدينية والثقافية الدورية، حيث تُشير المصادر إلى الوفود الإيرانية كثفت بإيعاز إيراني من زياراتها لمقام "المهدي" في قرية "مردك" بالسويداء، لإيهام الأهالي بوجود روابط دينية مشتركة في ذات المنطقة، وسط تخوف الأهالي من تلك الزيارات.
وأضافت أن إيران وجدت في ذلك المقام طريقاً لتقوية التغلغل الديني الإيراني في المنطقة، عن طريق تشكيل حوزات دينية شيعية، مبينةً أنهم فشلوا في سعيهم، بسبب الرفض الشعبي. مؤكدةً أن إنشاء أول حوزة دينية شيعية في السويداء كان في قرية “الغارية”، إلا أن شباباً من حركة “رجال الكرامة” قاموا بتدميرها.
ولفتت المصادر إلى أن العلاقة بين الإيرانيين ومشيخة العقل، مرت بعدة مراحل، مؤكدةً أن الشيخ "حكمت الهجري" كان يستقبل كل الضيوف، الذين يتوافدون عليه، إلا أنه لم يُفسح المجال أمام الإيرانيين لتثبيت نفوذهم ونشر التشيع، فيما اتسمت العلاقة بين الإيرانيين وشيخ العقل “يوسف جربوع” بالانفتاح وتبادل الهدايا، في إطار محاولات إيرانية لإغراء وإرضاء الجربوع، مبينةً أن العلاقة في النهاية شهدت تدهوراً بعد رفض "جربوع" هدية حاول الإيرانيون تقديمها إليه. وكانت عبارة عن قطعة سلاح، في إشارة واضحة لرغبة الإيرانيين في تجنيد أبناء المحافظة، ورغبتهم في معرفة موقف الشيخ الجربوع من الأمر.
ولفتت إلى أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري حاولت فتح الطريق لعلاقات أخرى مع مشايخ في جنوب السويداء. لتسهيل التغلغل الديني الإيراني، فأنشأت ما أُطلق عليه اسم “الهيئة الدينية لجبل العرب”، ضمت مشايخ موالين للسلطة في دمشق، ومتعاطفين مع إيران.
 وبينت أن ذلك فتح الطريق أمام إنشاء فصائل مسلحة موالية لإيران، وحماية طرق المخدرات بمساعدة من فرع الأمن العسكري، مشيرةً إلى أن إيران أوعزت في وقتٍ سابق  لكل من  “ناصر السعدي” و”مهران عبيد”، بالقضاء على فصيل “قوات شيخ الكرامة”، بقيادة “ليث البلعوس” ابن الشيخ “وحيد البلعوس”، في مدينة صلخد، وذلك لجعل السويداء طريقاً آمناً لتجارة المخدرات بصورة مؤقتة.
تماسك ديني أطاح بالمحاولات الإيرانية
برز الرفض الرئيسي الدرزي لمحاولات التشييع الإيرانية، في مواقف شيوخ عقل الطائفة، وأبناء المحافظة الرافضين للتغلغل الإيراني، إلا أن المعارضة الشديدة للشيخ “موفق طريف”، شيخ عقل دروز فلسطين، وأحد أهم رجال الدين الدروز في العالم، والداعم الأساسي لطائفة الموحدين الدروز في السويداء مادياً ومعنوياً، أفضت لتكوين صورة متماسكة عن الرفض الدرزي القاطع لمحاولات التشيع.
إيران والنظام السوري سارعوا لضرب علاقة “طريف”  بأهالي السويداء، عبر دعم مشايخ آخرين من دروز فلسطين. وتشكيل تحالف مع الزعيمين الدرزيين “طلال أرسلان” و”وئام وهاب” في لبنان، اللذين لا يخفيان دعمهما لحزب الله وإيران في المنطقة. لكن المكانة الروحية الكبيرة لطريف بين أهالي السويداء أفسدت تلك الخطط.
وعلى الرغم من إفساد المخططات الإيرانية، إلا أن التغلغل الديني الإيراني في السويداء أنتج انقساماً حاداً في الطائفة الدرزية، حيث لا يمكن إنكار وجود أقلية درزية موالية لإيران لديها إمكانيات مادية وعسكرية كبيرة، إلا أن السواد الأعظم من أهالي السويداء وبدعم من مشائخ العقل يرفض بشكل قاطع التبعية لإيران، وهو ما قد يفتح مستقبلاً صراعاً بين أبناء المنطقة والمذهب الواحد في السويداء، برعاية إيرانية.