هل تورطت هيئة تحرير الشام مخابراتياً بعملية قتل زعيم تنظيم الدولة

تسبب مقتل زعيم تنظيم الدولة "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي" خلال عملية إنزال جوي نفذها طيران التحالف الدولي في "أطمة" شمالي إدلب، بفتح باب التساؤل، وإثارة الجدل في أوساط السوريين عموماً، والسلفيين على وجه الخصوص الذين اتهم بعضهم هيئة تحرير الشام بـ"الكفر"، فيما اتهمها البعض الآخر بـ "الخيانة" معللين ذلك بعدم تدخلها ومنعها للعملية التي استمرت لأكثر من ساعتين بالقرب من منطق تشهد تواجداً أمنياً وعسكرياً كثيفاً للهيئة.
العملية الأخيرة والتي بدأت التحليلات منذ انطلاقها، أثارت صدمةً لعموم السوريين والسلفيين، الذين لم يخطر في بالهم أن الإنزال يستهدف زعيم تنظيم الدولة، حيث من المستبعد أن تقوم الهيئة بإيواء زعيم التنظيم الذي لطالما قاتل هيئة تحرير الشام في عدة مواقع، ويتهم شرعيوه الهيئة بـ"الكفر والردة"، فضلاً عن الموقع الذي يقطنه القرشي، والذي يقع في منطقة غير محصنة، وعلى خطوط التماس بين هيئة تحرير الشام وفصائل الجيش الوطني السوري في عفرين.
ومع بداية الإنزال أشارت العديد من الحسابات السلفية إلى أن المستهدف من الإنزال هم قيادات في تنظيم حراس الدين التابع لتنظيم القاعدة، والمناوئ لهيئة تحرير الشام، فيما رجحت حسابات أخرى أن الإنزال استهدف المدعو "أبو حسام البريطاني" الذي يعمل في المجال الإغاثي في مدينة إدلب، إلا أن البريطاني خرج عُقب الشائعات بمقطع مصور أكد فيه أنه بخير وأن الإنزال لم يستهدفه، مشدداً في الوقت ذاته على أنه لايتبع لأي تنظيم سلفي.
ويعزز السلفيون اتهاماتهم للهيئة بتورطها مخابراتياً بقتل القرشي بالقول إن مكان إقامة القرشي في محيط أطمة يقع على مسافة 800 متر من حاجز تحرير الشام الذي يعد أكبر نقاطها العسكرية الفاصلة بين ريف عفرين الذي تتمركز فيه الفصائل ومنطقة مخيمات أطمة، مضيفين أن هذه المنطقة تشتهر بحالة خاصة من الانتشار الأمني والعسكري لتحرير الشام التي تسعى دائماً لفصل مناطق نفوذها عن مناطق سيطرة الفصائل، لحماية نشاطاتها التجارية والاقتصادية عموماً، وتكثر في منطقة البساتين، النقاط الأمنية والعسكرية لمنع تهريب المحروقات من ريف حلب إلى إدلب والتي تصاعدت خلال الأشهر الماضية، وأردفوا "كيف يمكن للقرشي أن يعيش هناك دون علم أمنيات هيئة تحرير الشام، وهي التي تلاحق الأطفال وتكشف عمليات تهريب "لتر" مازوت؟"
وأضافوا أن المبنى السكني الذي كان يقيم فيه القرشي وعائلته كان يسكنه حارسه الخاص ويقيم مع عائلته أيضاً، وهو شخص من محافظة حلب يتولى تأمين الطعام والحماية، وهو أيضاً من استأجر الشقتين في الطابق الأول والثاني لتقيم عائلته وعائلة القرشي، مشيرين إلى أنه الشخص الوحيد الذي كان في استقبال القرشي فور وصوله إلى المنطقة، أما العائلة الثالثة التي تسكن في الطابق الأرضي فلم يكن لها علاقة أو معرفة بالقرشي وعائلته ومن يكون، وقد نجت العائلة خلال عملية التحالف، بينما قُتل حارس القرشي وزوجته وعدد من أطفاله في اشتباك مباشر مع جنود قوة الإنزال الجوي بعد أن رفضوا تسليم أنفسهم، في حين قتل القرشي وزوجته بتفجير أحزمتهم الناسفة والتي تسببت بمقتل عدد من الأطفال.
ولفتوا أن القرشي اضطر مع زيادة تحليق طائرات الاستطلاع في 3 شباط الجاري، للاختباء في منزله، ومعه أشخاص آخرون يعتقد أنهم عناصر من خلايا التنظيم العاملة في إدلب، وهذا ما يبرر المقاومة الشرسة التي أبدوها بداية عملية الإنزال وعدد القتلى الكبير الذي وصل الى 13 قتيلاً".
واستدلوا على الاختراق الأمني الكبير داخل الهيئة بالقول إن من بين قتلى عملية الإنزال التي نفذها التحالف مسؤول أمني يتبع لتحرير الشام اشترك على ما يبدو في الاشتباكات التي حصلت بين القرشي وأعوانه من جهة وجنود التحالف، مشيرين إلى أن حسابات تابعة لتحرير الشام قالت "قتل الأخ أبو صطيف زيدان بنيران التحالف الدولي أثناء قيامه بواجبه بإبعاد المدنيين عن مكان القصف والاشتباك الذي حصل في بلدة أطمة بريف ادلب الشمالي".
ورجحوا أن يكون زيدان ومعه مسؤول أمني آخر يدعى أبو عماد الحلبي كانوا على علم مسبق بمكان وجود القرشي، وهو مايؤكد أن تحرير الشام مخترقة وأن بعض قيادييها أمنوا للقرشي إقامة آمنة كل هذه المدة، وهذا ما يفسر الانتشار الكبير لخلايا التنظيم في إدلب وتجوالهم بحرية فيها.
وتساءلوا عن موقف تحرير الشام من عملية التحالف، حيث قالوا أنها اكتفت بفرض طوق أمني حول منطقة العملية، وكان عناصرها المنتشرون في محيط الموقع يراقبون مجريات العملية وعلى مدى ساعتين تقريباً من دون أن يتدخلوا، وهذا ما يعزز الاتهامات الموجهة لتحرير الشام بالخيانة، مؤكدين أنها على علم مسبق بالعملية لذا وفرت الأجواء الأمنية لها وسهلت تنفيذها.
من جانبه قال الشرعي المنشق عن تحرير الشام الشيخ طلحة المسير الملقب بـ"أبو شعيب المصري"، في منشور على موقع تلغرام: "الإنزال الصليبي على أطمة في ظل كثافة التواجد العسكري لتحرير الشام في المنطقة عبر المجرمين الأمنيين ونقاط الرباط على مناطق غصن الزيتون وجنود المعابر والحواجز، وتعاملهم السلمي مع الصليبيين يؤكد بوضوح أن مشروع الجولاني الحقيقي لا علاقة له بالدفاع عن المسلمين والمنطقة، وأن مآل أمره المتوقع هو تكرار الهزائم وضياع الأرض، فالمقاتل عندما يرهن بندقيته لتعليمات قائد مجرم فإنه وإن كان صادقا فإنه سيصبح مشلولاً عندما يجدّ الجدّ ينتظر أمر أميره المجرم، ذلك الأمر الذي لن يصله عادة إلا بعد اكتمال الخراب".
بينما قال القاضي السابق في تحرير الشام عصام الخطيب على موقع تلغرام أيضاً: "أخبرتكم أمس أن أمنيي الجولاني مستنفرون وعندهم عمل، وبالفعل ظلوا مستنفرين إلى أن بدأ الإنزال الجوي الأميركي وانتهى، ثم هجم أتباع الجولاني على المكان يبحثون عن ذهب أو أموال كالذهب الذي وجدوه في مكان مقتل زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي في باريشا قبل عامين".
بدوره رد السلفي العراقي في مجلس شورى تحرير الشام "أبو ماريا القحطاني" على الاتهامات، قائلاً: "المزايدة في العالم الافتراضي سهلة، يزايد على تحرير الشام رواد غرف المخابرات، عرضوا أنفسهم على أمم الكفر ولم تقبل بهم، ليحدثونا عن مخصصاتهم الشهرية من أي جهاز مخابرات يستلمونها وبعدها فلهم أن يزاودوا علينا الليل والنهار".
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن، قد أعلن، الخميس، مقتل "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي" زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، في عملية للقوات الأميركية على الحدود السورية التركية، شمال غربي سوريا.
وقال بايدن في بيانٍ له "الليلة الماضية بتوجيهات مني، نفذت القوات العسكرية الأميركية في شمال غربي سوريا بنجاح عملية لمكافحة الإرهاب لحماية الشعب الأميركي وحلفائنا، وجعل العالم مكاناً أكثر أماناً"، مضيفاً "بفضل مهارة وشجاعة قواتنا المسلحة، استبعدنا من ساحة المعركة "أبو إبراهيم الهاشمي القرشي" زعيم داعش، وعاد جميع الأميركيين بسلام من العملية" مبيناً "سأقوم بإلقاء تصريحات للشعب الأميركي في وقت لاحق من صباح اليوم، حفظ الله جنودنا".
وكانت وزارة الدفاع الأميركية أعلنت أنها نفذت بنجاح مهمة لمكافحة الإرهاب في شمال غرب سوريا، ليل الأربعاء/الخميس.
وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي: "قامت قوات العمليات الخاصة الأميركية التي تعمل تحت إمرة القيادة المركزية الأميركية بمهمة لمكافحة الإرهاب في شمال غرب سوريا". وأضاف أنه لم يتم تسجيل أي خسائر في صفوف القوات الأميركية، وقال إنه سيتم الكشف عن المزيد من التفاصيل حول العملية، عندما تكون متاحة.
وتعد عملية الإنزال الأخيرة في إدلب أكبر عملية من نوعها منذ مقتل زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي في تشرين الأول من عام 2019، وكانت طائرات مروحية تابعة للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، قد نفذت عملية إنزال جوي قرب منطقة "أطمة" شمالي إدلب، وشهدت المنطقة اشتباكات عنيفة وسط تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع والطائرات الحربية التابعة للتحالف، وانتهت بانسحاب الأمريكيين بعد تفجير المنزل، لتعلن الولايات المتحدة في وقتٍ لاحق مقتل زعيم تنظيم الدولة "أبو إبراهيم القرشي".