الجولاني يستغضب مناوئيه بإجراءات جديدة تستهدف "المهاجرين الأجانب"

منذ أواخر عام 2021 الفائت، اتبعت هيئة تحرير الشام المُسيطر الفعلي على شمال غرب سوريا، عدة إجراءات استهدفت بمجملها، المهاجرين الأجانب المتواجدين في مدينة إدلب وريفها، وريف اللاذقية، ثم ما لبثت أن تطورت الخلافات بين الطرفين إلى اشتباكات أفضت إلى إقصاء هيئة تحرير الشام عدة تنظيمات سلفية، ذات جنسيات أجنبية، كـ تنظيمي "جند الله" و "جنود الشام".
ومع دخول العام الجديد، صعدت هيئة تحرير الشام من إجراءاتها الأمنية ضد المهاجرين الأجانب، وذلك عبر إبلاغ حكومة الإنقاذ بداية شهر شباط الجاري، عدداً من السلفيين المهاجرين القاطنين في مدينة إدلب وريفها، بضرورة إخلاء المنازل التي يقيمون فيها خلال فترة محددة.
وبحسب مصادر "المجس" فإن البلاغات شملت أيضاً عائلات مهاجرين كانت تحرير الشام اعتقلتهم في وقتٍ سابق ولازالوا حتى اللحظة معتقلين لديها، ونقلت المصادر عن سلفيين مناوئين لتحرير الشام وزعيمها أبو محمد الجولاني قولهم، إن الجولاني غدر بالمهاجرين الذين جاءوا لنصرة أهل الشام، مبينين أن جُل المنازل التي طلبت تحرير الشام إخلاءها، تعود ملكيتها لعناصر وموالين للنظام السوري، كانوا قد رحلوا عن المنطقة بعد سيطرة "جيش الفتح "على المحافظة عام 2015.
وبينوا أنه منذ تحرير المحافظة، سكن السلفيون من أصول أجنبية وعائلاتهم، القسم الأكبر من منازل مؤيدي النظام السوري، وذلك عبر عقود إيجار رمزية، فضلاً عن آخرين سكنوا المنازل دون دفع أي إيجار.
وأشاروا إلى أن تحرير الشام وحكومة الإنقاذ، أصرتا منذ بدء الشهر الجاري، على إخراج المهاجرين من تلك المنازل، مبينين أنها ترفض أي تجديد عقود سكنهم، على الرغم من دفع بعض المهاجرين مبالغ كبيرة لقاء تجديد عقود السكن.
وشددوا على أن "المهاجرين المستهدفين"، معظمهم من المستقلين والمناهضين لتحرير الشام عموماً، وسط تبرير تحرير الشام لتلك الاجراءات بأنها تأتي في سياق حماية المدنيين وإبعاد السلفيين المطلوبين دولياً عن مراكز التجمعات السكانية الكبيرة ودفعهم للخروج نحو الأرياف والقرى الصغيرة.
ولفتوا إلى أن مدينة إدلب وريفها، تحوي عدداً لا بأس به من المهاجرين المستقلين وأتباع التنظيمات السلفية التي فككتها تحرير الشام خلال العامين الماضيين، كـ تنظيم حراس الدين، وغيره من التنظيمات، حيث تُصنفهم الهيئة على أنهم من المتشددين الذين تتهمهم بالتكفير والتعاون مع تنظيم الدولة.
وكشفوا عن وجود مهاجرين كانوا قد اعتزلوا العمل مع الهيئة وغيرها من التنظيمات، وتفرغوا للمجال الدعوي وبينهم منشقون سابقون عن تحرير الشام، موضحةً أن هؤلاء يشكلون العدد الأكبر من شاغلي المنازل التي تطالب الهيئة وحكومة الإنقاذ بإخلائها منهم، مرجحين أن  يتم طردهم إلى الأرياف للضغط عليهم وإجبارهم على العمل والتعاون مع تحرير الشام.
وهاجم سلفيون على موقع تيلغرام إجراءات الهيئة الأخيرة، حيث قال حساب لجهادي منشق عن تحرير الشام، يدعى "الشامي" "فعلها الجولاني بعد أن كان يزعم بأن الاقتراب من المهاجرين خط أحمر، قد فعلها وغدر بالمهاجرين، بعد أن قدموا الغالي والنفيس لنصرة أهل الشام، ليست توقعات ولا تكهنات، بل أمر واقع في إدلب حالياً".
وأضاف " يحث الجولاني خطى تحرير الشام لإخراج المهاجرين المجاهدين من إدلب، فقد انتهت صلاحيتهم عنده وعند مشغليه، وجاءت الأوامر للانتهاء من ملفهم تدريجياً، خطوة خطوة، وبهدوء، أيها المهاجرون، إن المؤامرة عليكم كبيرة، والجولاني هو منفذ للأوامر يريد أن يقدمكم قرباناً للبقاء على كرسيه واعتماده خارجياً".
إجراءات لحصار المهاجرين مدنياً
وكانت حكومة الإنقاذ بدأت مطلع العام الجاري، التحضير لإصدار بطاقات شخصية لسكان محافظة إدلب، حيث وسعت مكاتب السجلات المدنية وجهزتها بالمعدات، وأوضحت عبر معرفاتها الرسمية أنه من المفترض أن يبدأ العمل قريباً لاستصدار البطاقات للأهالي.
وبحسب مصادر محلية في إدلب، فإن حمل البطاقة الشخصية الجديدة حال إصدارها، سيكون شرطاً أساسياً لإتمام أي معاملة والحصول على أي خدمة عامة بما في ذلك المرور عبر الحواجز، مبينةً أن أكبر المتضررين من القرار المهاجرين الذين سيطالبون بحمل بطاقات شخصية تعرف عن أسمائهم الحقيقية وهذا ما يرفضونه بشكلٍ قاطع.
وأشارت إلى أن إصدار البطاقات الشخصية، يُعتبر جزءاً من الخطة الأمنية الجديدة لتحرير الشام، حيث تسعى تحرير الشام لاستحواذ قاعدة بيانات واسعة حول هويات المهاجرين ومناطق انتشارهم وسكنهم، مدعيةً أن هذا سيساعدها على ضبط الوضع الأمني وتقييد حركة عملاء تنظيم الدولة شمال غرب سوريا.
وشددت على أنه بعد إصدار البطاقات الشخصية، لن يكون بإمكان المهاجرين الحركة والتنقل من دون حمل بطاقة التعريف التي ستتضمن الصورة الشخصية وكافة البيانات، مبينةً أن جُل المهاجرين يرفضون إخراج البطاقة  الشخصية وهو ما سيضطرهم إلى تجنب التنقل، والعيش في القرى والأرياف.
وتأتي إجراءات هيئة تحرير الشام الممنهجة على المقاتلين المهاجرين، والمدنيين، ضمن محاولات الهيئة لترسيخ هيمنتها ونفوذها على المشهد العسكري بشكل كامل في مدينة إدلب، كما أنها تأتي في سياق إثبات التحولات المنهجية التي تعمد هيئة تحرير الشام عبر ماكينتها الإعلامية إلى تصديرها للقوى الإقليمية والدولية.
وتسعى تحرير الشام من خلال الحملات العسكرية على الجماعات الجهادية الأجنبية، والتضييق على المهاجرين، إلى ضمان استمرارها كحاكم مُطلق لمدينة إدلب، فضلاً عن أرسال رسائل للغرب بقدرتها على إنجاح المشروع الإسلامي المحلي الذي تزعم بأنه لن يشكل أي تهديد للدول المحيطة بسوريا.
وفي تشرين الأول الفائت، أعلنت هيئة تحرير الشام، عن سيطرتها الكاملة على جميع المواقع العسكرية التي كانت بحوزة فصيل “جند الله”، بعد أيام من إعلانها إنهاء فصيل جنود الشام الذي كان تحت قيادة مسلم الشيشاني.
وقال المسؤول الأمني والقيادي البارز في هيئة تحرير الشام أبو مارية القحطاني، في تبريره للحملة العسكرية حينها، إن المعركة التي تشنها هيئة تحرير الشام في جبل التركمان هي ضد جماعة تكفيرية تدعى جند الله، مضيفاً أن هذه الجماعة باتت تجمع فلول القاعدة وحراس الدين وتنظيم الدولة وخلايا الغلاة والخوارج، وتقيم معسكرات في جبل التركمان وتنظم عمليات أمنية ضدنا وضد الجيش التركي في إدلب.
وأضاف القحطاني أن تحرير الشام أرسلت وساطات إلى مسلم الشيشاني قائد جند الشام لتحييده في هذه المعركة، لكنه اصطف إلى جانب جند الله ما اضطر الهيئة لقتاله وتحييده عسكرياً، موضحاً أن الشيشاني تحالف معهم رغم خلافه الفكري معهم، متهماً إياه بتشكيل جيش خراسان بتمويل مشبوه.