اقتتال على الحدود بين الأمن العسكري التابع للنظام والحرس الثوري الإيراني

دارت اشتباكات عنيفة بين عناصر من فرع الأمن العسكري والحرس الثوري الإيراني، الجمعة الفائتة، بالقرب من معبر القائم على الحدود "السورية-العراقية"، من جهة البوكمال الواقعة بالريف الشرقي لمحافظة دير الزور شرق سوريا.
وقالت مصادر خاصة لـ"وكالة المجس" إن الاشتباكات اندلعت بين إدارة المعبر في الجانب السوري والتي يتواجد فيها عناصر من الأمن العسكري، وعناصر من الحرس الثوري الإيراني، عند نقطة التفتيش الرئيسية على مدخل المعبر والتي تحوي عناصر من الطرفين.
ونقلت المصادر عن عناصر في إدارة المعبر قولهم، إن المعبر تم إغلاقه عُقب يوم واحد من الاشتباكات، وذلك نتيجة ازدياد الاحتقان والملاسنات بين عناصر الأمن العسكري والميلشيات المتواجدة على المعبر، ما دفع إدارة المعبر لإغلاقه بشكل مؤقت.
وأرجعت المصادر سبب الاشتباكات، إلى منع عناصر الأمن العسكري، دخول شاحنات وقود تابعة للحرس الثوري الإيراني قادمة من العراق باتجاه البوكمال، وذلك بعد رفض عناصر الميليشيا، إعطاء عناصر الأمن العسكري حصتهم من مادتي المازوت والبنزين.
وشددت المصادر على أن عناصر الحرس الثوري الإيراني، أدخلوا شاحنات الوقود عنوةً إلى الأراضي السورية، عبر المعبر ذاته، وذلك على الرغم من الاشتباكات مع الأمن العسكري، موضحةً أن دوريات وعناصر مدججين بالسلاح يتبعون للحرس الثوري الإيراني رافقوا الشاحنات منذ دخولها إلى الأراضي السورية، مروراً ببلدة الهري وحتى وصولها إلى مدينة البوكمال، التي تشهد انتشاراً واسعاً للحرس الثوري والميليشيات المرتبطة بإيران.
وقال الناشط أحمد البوكمالي في حديثه لـ"وكالة المجس" إن الميليشيات الإيرانية عمدت مؤخراً إلى استخدام معبر القائم لنقل الوقود لتزويد آلياتها وعناصرها المنتشرة من حدود العراق وحتى الأراضي السورية، وأكد أن الميليشيات تتجنب إدخال الوقود عبر المعابر غير الشرعية، خوفاً من الاستهداف الجوي، فضلاً عن  استخدمه أيضا لإدخال الحجاج الشيعة إلى بقية المدن السورية.
وكشف عن اعتماد الميليشيات الإيرانية على معبر القائم كونه معبر شرعي ولا يستطيع الطيران التابع للتحالف الدولي، أو الطيران الإسرائيلي، استهدافه، لأنه ومنذ افتتاحه يروج له على أنه معبر مدني واقتصادي، وبعيد كل البعد عن العسكرة، مبيناً أن المعبر منذ البداية يشهد تواجداً عسكرياً من قبل الميليشيات التابعة لإيران.
ولفت البوكمالي أن الطائرات المسيرة المجهولة التابعة للتحالف الدولي، صعدت مؤخراً من ضرباتها الجوية واستهدفت المعابر الغير شرعية على الحدود السورية- العراقية، وخاصةً معبر السكك إضافةً إلى مواقع الميليشيات القريبة منها.
النظام يُعيد افتتاح معبر البوكمال
وعُقب انتهاء الاشتباكات وإغلاق المعبر بسبب التوترات الحاصلة، أعاد النظام السوري افتتاح المعبر وأكد استمرار الحركة التجارية والمدنية داخل المعبر.
وأكد مدير المنافذ الحدودية في الاتحاد الدولي لنقل البضائع التابع للنظام السوري "أيمن جوبان"، أن حركة عبور القوافل التجارية، تسير بشكل طبيعي بين سوريا والعراق على معبر البوكمال، مشيراً إلى استمرار عملية المناقلة من الشاحنات والبرادات السورية إلى نظيرتها العراقية.
وكانت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام، أكدت في وقت سابق أن الشاحنات السورية لا تزال تجري عمليات مناقلة إلى العراق عند الحدود السورية العراقية، مشيرةً إلى أن الجانب السوري يتابع موضوع دخول الشاحنات السورية بشكل حثيث مع الجهات في الجانب العراقي من خلال السفارة السورية في بغداد.
إيرادات معبر البوكمال
 وكانت حكومة النظام السوري، قد كشفت في تموز الفائت، أن إيرادات معبر البوكمال الحدودي خلال النصف الأول من العام2021، تجاوزت 646 مليون ليرة مقارنةً بـ381 مليون ليرة إيرادات حققها المعبر في النصف الأول من العام 2020.
وأشارت حينها إلى أن الزيادة المحققة وصلت إلى معدل نمو يقارب نحو 41 %، على الرغم من أن حركة التبادل التجاري مع العراق عبر منفذ "البوكمال" ما زالت متواضعة، ولا تتعدى 30 شاحنة يومياً معظمها من سوريا.
وكانت حكومة النظام السوري قد أعادت في أواخر أيلول 2019 افتتاح معبر البوكمال، بعد سنوات على إغلاقه بسبب سيطرة تنظيم الدولة على مساحات واسعة في سوريا والعراق.
ويعتبر معبر البوكمال الحدودي أحد أهم المعابر الحدودية الأربعة بين سوريا العراق ويقع بين مدينة البوكمال السورية في محافظة دير الزور، ومدينة القائم العراقية في محافظة الأنبار، ويعد المعبر الرئيس بين سوريا والعراق ويخضع لنفوذ الميليشيات الإيرانية وتستخدمه إيران لخدمة مصالحها الاقتصادية والعسكرية.
ويمتلك النظام سيطرة شكلية على المعبر، ووفقاً لمصادر متطابقة فإن السيطرة الفعلية بيد ميليشيات الحرس الثوري الإيراني، مبينةً أن المليشيات الإيرانية لم تلتزم في الربع الأول من عام 2020 بقرار حكومة النظام بإغلاق المعابر للحد من انتشار فيروس كورونا، موضحةً أن حافلات الحجاج الإيرانيين استمرت بالتوافد على سوريا رغماً عن قرارات النظام.
وأضافت أن الحرس الثوري وضع كل ثقله العسكري لحماية هذه المنطقة، كونها محطة رئيسية على طريق بري يربط إيران بالبحر المتوسط عبر العراق وسورية ولبنان، وأوضحت أن ميليشيات إيران لا تعتمد على معبر البوكمال فقط، بل تستخدم كافة المنافذ الحدودية النظامية وغير النظامية في تهريب الأسلحة والأفراد والمخدرات.
ومن أبرز الميليشيات الإيرانية في البوكمال والتي تشرف بشكل مباشر على الجوانب الحياتية والعسكرية في المدينة، ميليشيا حزب الله ثم يليها حركة النجباء والإمام علي، ثم فاطميون وفيلق القدس وأبو الفضل العباس وحيدريون .
ومنذ السيطرة على المدينة بدأت الميليشيات المذكورة بالتمركز داخل البوكمال واتخاذ مقرات لها في أحياء المدينة، حيث صادرت عدداً من منازل المدنيين في حي الفيلات وعدة مبان حكومية وحولتها لمقار لها، وبدأت تلك الميليشيات بنشر حواجز لها على مداخل ومخارج المدينة وفي داخل احيائها.
وتشهد البوكمال صداماً بين الميليشيات الإيرانية والأفرع الأمنية التابعة للنظام السوري في المدينة، حيث حصلت عدة اشتباكات بين الطرفين أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، على خلفية خلافات حول إدارة المدينة وتوزيع مناطق النفوذ، وسط محاولة كل طرف فرض السيطرة المطلقة على المدينة.
أهمية البوكمال بالنسبة لإيران
تعتبر مدينة البوكمال ذات أهمية كبيرة في عيون الإيرانيين، وجسراً برياً لإيران لتوريد الأسلحة لمقاتليها وميليشياتها داخل الأراضي السورية، كونها تضم المعبر البري الوحيد بين سوريا والعراق، عُقب سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على معبر اليعربية الحدودي مع العراق ، وسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على معبر التنف في دير الزور. وتُشكل البوكمال عقدة مواصلات برية مهمة، حيث يُعد موقعها الجغرافي امتداداً لصحراء الأنبار العراقية، كما ترتبط بصحراء السويداء ودرعا وتدمر ودير الزور.
كما تعتبر مدينة البوكمال معبراً برياً دولياً بالنسبة للإيرانيين حيث سارعت إيران منذ اللحظات الأولى لدخول دير الزور، إلى السيطرة على المدينة الواقعة على الحدود السورية العراقية، وجعلها ممراً برياً إيرانياً إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط عبر سوريا والعراق
وتولي إيران البوكمال أهمية كبيرة لعلمها أن جغرافية المنطقة تمكنها من تعزيز نفوذها في سوريا، واعتبرت إيران البوكمال ذات أهمية استراتيجية كبيرة في تقوية التحالف الثلاثي للجمهورية الإسلامية مع بغداد ودمشق.
وكانت وكالات الأنباء الإيرانية قد قالت في وقتٍ سابق إن السيطرة الإيرانية على البوكمال تمهد الطريق أيضاُ أمام إيران لمواجهة التواجد العسكري الأمريكي في شمالي شرقي سوريا، وأشارت إلى أن المعبر يعتبر ممراً لقوات الحشد الشعبي وجماعات أخرى لدخول الأراضي السورية والقتال إلى جانب النظام السوري.
خلافات بين الميليشيات الإيرانية حول المعابر في سوريا
وفي أواخر شباط الفائت سيرت ميليشيات عراقية، تابعة للحرس الثوري الإيراني، طائرات مسيرة على طول الحدود العراقية السورية الغير شرعية، والتي تعتبر أرضية خصبة للتهريب انطلاقاً من مدينة البوكمال السورية.
وأشارت "المجس" في تقرير لها، أن تسيير الميليشيات التابعة لإيران، طائرات مسيرة على الحدود السورية العراقية يهدف للحد من عمليات التهريب بين حدود البلدين، مؤكدةً في الوقت ذاته أنه ناجم عن خلافات بين تلك الميليشيات.
وحول الخلاف الدائر بين تلك الميليشيات، كشف التقرير عن اتهامات متبادلة بين الميليشيات المرتبطة بإيران، حول عمليات التهريب على الحدود، حيث تتهم بعض الميليشيات، فصائل معينة بالانفراد بعمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى العراق، وتحصيل أموال طائلة دون تقاسمها مع باقي الميليشيات المنتشرة على الحدود، والتي سبق واتفقت على نسبة معينة لكل منها لتفادي وقوع أي صدام.
ولفت التقرير أن الحدود السورية العراقية تشهد منذ أعوام، خلافات كبيرة بين الميليشيات الموالية لإيران على عمليات التهريب ونسبة كل منها، موضحاً أنه سبق وتحولت تلك الخلافات إلى اشتباكات أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، مرجحاً أن تسيير الدوريات يهدف لتسجيل عمليات التهريب على أقل تقدير في حال لم يتم اعتراض العملية.
ونوه التقرير أن ميليشيات إيران نشطت منذ كانون الأول الفائت في عملية تجارة "الكبتاغون"، حيث تصدرت ميليشيا الحشد الشعبي العراقي عمليات التهريب في دير الزور والحدود العراقية السورية، بمعزل عن الحرس الثوري الإيراني ودون إعطاء الميليشيات الأخرى حصتها من الأرباح، وأضاف أن عناصر ميليشيا الحشد الشعبي العراقي بدأت بشراء حبوب الكبتاغون من سوريا وإدخالها إلى العراق وبيعها في المدن الحدودية، لافتاً أن قادة وعناصر الميليشيا باتوا يستغلون عدم خضوعهم للتفتيش، لإدخال كميات كبيرة من الكبتاغون إلى العراق عبر سوريا، وبيعها في المدن الحدودية العراقية.
كما تتورط الميليشيات الإيرانية في سوريا، بعمليات تهريب داخلية أيضاً، وخصوصاُ في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، حيث أشار تقرير سابق لـ "المجس" أن إيران عمدت إلى تهريب المخدرات،= عبر شاحنات نفط تابعة لشركة القاطرجي والتي تقوم بنقل المحروقات من مناطق سيطرة قسد إلى مناطق سيطرة النظام، مستغلةً عدم قيام عناصر قسد بتفتيش الشاحنات، عند دخولها إلى مناطق سيطرتهم، بحجة أنها فارغة ولا تثير الشبهات، بالإضافة إلى قيام السائقين بدفع رشاوى مالية إلى بعض الحواجز العسكرية التابعة لقسد، من أجل السماح لهم بالمرور وعدم تفتيش الشاحنات.
وتعد تجارة المواد المخدرة، إحدى أهم الموارد الاقتصادية للميليشيات الإيرانية في سوريا، حيث تقوم بدفع رواتب المنتسبين المحليين والأجانب من إيرادات بيع المخدرات في الداخل السوري أو بعد تصديرها إلى دول الجوار، وتقوم ميليشيا الحرس الثوري الإيراني بنقل المخدرات عبر معبر البوكمال الحدودي أو المعابر البرية غير النظامية، بالقرب من مدينة البوكمال عند الحدود السورية العراقية.