الدنمارك تجبر اللاجئين على العودة إلى سوريا

كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن الدنمارك تجبر طالبي اللجوء، لا سيما فئة النساء الشابات على العودة إلى بلدانهم ضمن سياسة صفر طلبات لجوء.
وقالت الغارديان في تقريرٍ لها إنه على خلاف الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي تعتبر الدنمارك سوريا آمنة لعودة اللاجئين منها، ولكن نظرا لأنه يمكن تجنيد الرجال في الجيش وغالباً ما يكون لدى النساء الأكبر سناً أطفال مسجلون في المدارس الدانماركية، فإن السياسة الجديدة تؤثر في الغالب على شريحتي الشباب واللاجئين الأكبر سناً.
ونقلت الصحيفة عن اللاجئة السورية مريم عوض "22 عاماً" التي قالت، إنها لا تتذكر آخر ليلة نامت فيها جيداً، وربما كان ذلك قبل أن يتم رفض طلبها لتجديد تصريح إقامتها كلاجئة في الدنمارك قبل عامين.
وبحسب الصحيفة عاشت عائلة عوض التي هربت بعد اعتقال شقيقها الأكبر على يد قوات النظام في سوريا لمدة 8 سنوات في مدينة "آرهوس" الساحلية شمالي الدنمارك، لكنها تواجه وشقيقتها الصغرى خطر الترحيل حالياً.
وأردفت الصحيفة " مريم وشقيقتها الصغرى هما الوحيدتان اللتان تواجهان الترحيل في الأسرة، لكن حالتهما ليست فريدة من نوعها، ففي عام 2019 أخطرت الحكومة الدنماركية حوالي 1200 لاجئ من منطقة دمشق بعدم تجديد تصاريح إقاماتهم، معتبرة المنطقة آمنة".
وبينت الصحيفة أن محامي مريم أخبرها أن هناك موعداً محدداً لاستئنافها أمام مجلس اللاجئين، موضحةً أنها ستكون فرصتها الأخيرة لتمديد تصريح إقامتها، لافتةً أنها كانت تنتظر هذه المكالمة الهاتفية منذ شباط الماضي، حيث قالت "أنا متوترة حقاً، لكنني سعيدة بحدوث ذلك"، وأضافت "سعيدة لأنني تلقيت الدعم من الأصدقاء الذين جعلوني على اتصال بالمتطوعين، لو لم يكن الأمر كذلك لم أكن أعرف ماذا سأفعل".
ووفقاً للصحيفة "تتمنى مريم عواد أن تتمكن من العودة إلى حياتها الطبيعية التي توقفت قبل عامين"، وتعلق على ذلك بقولها: "لا أعرف كيف أقدم طعناً بالقرار، لكن كل ما بوسعي فعله هو أن أقول الحقيقة، لأني إن عدت إلى سوريا فلابد وأن يعتقلوني هناك"، ولهذا تأمل أن تكون تلك المعلومة كافية لإقناع المجلس بالسماح لها بالطعن في ذلك القرار، وتتابع مريم قائلة: "كنت أخطط لدراسة الطب في كوبنهاغن قبل أن ترفض إقامتي، لأنني
كنت أتمنى أن أصبح طبيبة مذ أتيت إلى الدنمارك"، ولقد دفعتها حالة الشك تلك للحصول على شهادة مساعد صحي عبر العمل في دار للرعاية، لكنها تعبر عن مأساتها بالقول: "كل ما أريده هو أن تعود حياتي كما كانت في السابق".
من جانبها قالت "ليزا بلينكينبيرغ" من منظمة العفو الدولية، إنه "في عام 2015، شهدنا تغييراً تشريعياً يعني أنه يمكن سحب تصريح إقامة اللاجئين بسبب التغييرات في وطنهم، لكن التغيير يجب ألا يكون جوهرياً"، وأضافت ثم في عام 2019 قررت خدمات الهجرة الدنماركية أن العنف في دمشق قد توقف وأنه يمكن إعادة السوريين إلى هناك.
ووصفت بلينكينبيرغ سياسة الدنمارك تجاه طالبي اللجوء واللاجئين، بأنها أصبحت أكثر عدائية بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، مشيرةً إلى أنه في عام 2019، أعلن رئيس الوزراء الدنماركي أن الدانمارك لا تريد أي طالبي لجوء، وقد كانت تلك إشارة قوية حقاً إلى السياسة التي ستنتهجها الدنمارك تجاه اللاجئين.
وتابعت: " كما هو الحال في البلدان الأوروبية الأخرى، كان هناك الكثير من الدعم للأحزاب اليمينية في الدنمارك"، وقد أرسل هذا إشارة قوية للحكومة لتقول: "حسنا، لن تكون الدنمارك بلدا مرحباً باللاجئين أو طالبي اللجوء".
رحيمة عبد الله "21 عاماً" وهي إحدى المتطوعات ورئيسة منظمة "المجلس الدنماركي للشباب اللاجئين" التي تنشط في معارضة سياسة الترحيل ضد اللاجئين السوريين، قالت "لم أعد أتذكر كم حالة دافعت عنها، وبالتأكيد فهي أكثر من 100 وربما 200".
وسردت رحيمة للصحيفة البريطانية عن تجربة أخرى لفتاة لاجئة تُدعى "آية ضاهر" كانت مهددة بالترحيل في 2019 لكنها نشرت قصتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وأرسلتها لصحفيين لتجد صدى محلياً ودولياً كبيراً، مما جعل مناشدتها في مجلس اللجوء الدنماركي تحظى بالقبول ويتم تمديد إقامتها لعامين آخرين نظراً لأن حياتها ستتعرض للخطر لو عادت لسوريا.
تلقف الإعلام المحلي والدولي ذلك الخبر الذي تسبب باحتجاج شعبي، وبعدما طعنت آية بالقرار أمام المجلس الدنماركي للاجئين، تم تمديد إقامتها لسنتين وذلك لأن ملفها الذي أصبح قضية عامة يمكن أن يعرضها لخطر الاعتقال على يد نظام الأسد.
وقالت آية "منحوني إقامة لأنني ظهرت في الإعلام، ولم يصدقوا ما قلته حول وضعي والمخاطر التي سأواجهها في سوريا. وهو ما جرح شعوري".
وتقول رحيمة إنها تتلقى يوميا 5 رسائل من لاجئين يريدون نشر قصصهم في الإعلام، وأردفت :" علي أن أختار من أريد مساعدته، وأحيانا أمرر الحالات الأخرى لناشطين، وهناك شخصان أو ثلاثة يساعدونني"، وتتابع أنه من الصعب أن تكون شابا أو فتاة ولديك دراسة وحياة اجتماعية وأيضا كل هذا العمل.
وتضيف "إلا أن الإعلام لن يروق له أي شخص كما راقت له آية، ولهذا فإن قصص الأشخاص الذين لم يحظوا بأي اهتمام هي التي تؤرق رحيمة في الليل"، وتعلق على ذلك بقولها: "تعاونت مع أسرة مؤلفة من زوجين وأطفال صغار، واستطعت أن أحدد لهم موعداً لمقابلة صحفية في السويد، إلا أن ذلك لم يكن كافياً، ولذلك يعيش الزوج اليوم في ألمانيا مع ولدين من أولاده حيث يحاولون أن يقدموا طلب لجوء هناك، أما الزوجة فقد بقيت هنا برفقة أحد أطفالها، وقد راسلتني عبر فيس بوك لتقول لي: "لم تساعدينا، بل دمرت حياتنا" لكنني لا ألومها، لأنني لا يمكن أن أتخيل ما ينتابها من مشاعر. 
انتقادات أوروبية طالت الدنمارك
وفي وقتٍ سابق واجه وزير الهجرة والاندماج الدنماركي "ماتياس تسفاي"، انتقادات من برلمانيي الاتحاد الأوروبي، بسبب سياسة بلاده المتمثلة بإلغاء صفة اللجوء عن بعض اللاجئين السوريين وإجبارهم على العودة إلى دمشق.
واستدعت لجنة الحريات المدنية والعدل والشؤون الداخلية التابعة للاتحاد الأوروبي، السفير الدنماركي لحضور جلسة استماع في البرلمان الأوروبي في بروكسل، بشأن سياسة اللجوء التي تتبعها الدنمارك، وفق ما نقلت وكالة "ريتزاو" الدنماركية.
وأكد أعضاء في لجنة الحريات المدنية والعدل والشؤون الداخلية الأوروبية على أنهم يعتقدون أن الدنمارك "لا تتضامن مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى ضمن هذه السياسة، لأن اللاجئين في الدنمارك كانوا أكثر عرضة لتقديم طلبات اللجوء في دول أخرى في الاتحاد بدلاً من العودة إلى سوريا".
وخاطبت النائبة الهولندية من مجموعة "رينيو الوسطية"، صوفي فيلد، الوزير الدنماركي بسؤاله "كيف تتوقع من اللاجئين أن يندمجوا في الدنمارك مع خطر إعادتهم".
وفي منتصف العام 2020، أصبحت الدنمارك أول دولة في الاتحاد الأوروبي تعيد فحص طلبات نحو 500 لاجئ سوري ينحدرون من محافظة دمشق، الخاضعة لسيطرة النظام، معتبرة أن الوضع الحالي في دمشق لم يعد يمثل تبريراً لتصريح الإقامة أو تمديدها، وعلى الرغم من انتقادات داخلية ودولية، بما في ذلك من خبراء تستخدمهم الحكومة الدنماركية المنتمية للحزب الديمقراطي الاجتماعي، رفضت وزارة الهجرة والاندماج في المملكة تغيير موقفها.