اللجنة الدستورية بعيون المعارضة السورية

عاد الحديث في سوريا والأوساط الدولية مؤخراً، عن ضرورة استئناف اللجنة الدستورية السورية التي تم إنشاؤها لصياغة دستور جديد للبلاد والاتفاق على تسوية سياسية في سوريا.
وبعد سنتين من تأسيس اللجنة الدستورية وانعقاد عدة جولات منها، دون إحراز أي تقدم يذكر في المفاوضات، فضلاً عن إغراق النظام السوري المجتمعين بالتفاصيل المملة التي لا تمت لعمل اللجنة المنشأة بصلة، بدأت الرؤى والنظرات السياسية لعمل اللجنة تتغير ضمن أوساط المعارضة السورية.
حيث يرى الرئيس الأسبق للائتلاف السوري المعارض والرئيس الحالب لحركة سوريا الأم الأستاذ أحمد معاذ الخطيب أن هناك هوة كبيرة بين الواقع السياسي والقرارات الدولية، مشدداً على أن التحرك الحالي يجب أن يكون تجاه إنقاذ سوريا ، ومؤكداً أن الظروف السياسة والعسكرية في سوريا ستكون أصعب في المرحلة القادمة بسبب انفراد حلفاء النظام وضعف حلفاء المعارضة.
واعتبر الخطيب أن المفاوضات والمسارات السياسية بدءاً من جنيف وأستانا وسوتشي وانتهاءً باللجنة الدستورية، مجرد مفاوضات عقيمة ومفروضة من قبل حلفاء النظام، لإكساب النظام المزيد من الوقت للسيطرة على ماتبقى من سوريا، وللمشاركة الفعالة في المحافل الدولية بصفة راعي رسمي للمفاوضات.
وعن اللجنة الدستورية أكد الخطيب أن المبعوث الدولي إلى سوريا "ديمستورا" قام بخداع المعارضة حين عمل على تحويل القرارات الدولية التي تنص على احداث هيئة حكم انتقالي، وحولها إلى 4 سلال، تم من خلالها تغيير الأولوية من الحكم الانتقالي إلى إنشاء لجنة دستورية .
وأضاف الخطيب  أن اجتماعات اللجنة الدستورية خلال العامين الفائتين، لم ينتج عنها أي اتفاق ولم يكتب فيها مادة واحدة من الدستور البديل، مشدداً أن المشكلة في سوريا ليست مع الدستور بل مع النظام بحد ذاته، معتبراً أن أي دستور سيوضع قبل الإطاحة بالنظام سيكون لصالحه بشكل كبير.
فيما يرى المحامي إدوار حشوة وهو عضو في اللجنة الدستورية أن اللجنة الدستورية المصغرة فشلت فشلاً كبيراً من بدء تشكيلها الى طريقة عملها، حيث اعتبر أن توزيع مكونات هيئة التفاوض لم يكن عادلاُ وعكس هيمنة الائتلاف على باقي المكونات.
وأضاف إدوار أن رئيس اللجنة الدستورية عن المعارضة السورية  أخطأ في رفض أي حديث أو تنسيق للاجتماعات بينه وبين  رئيس الوفد التابع للنظام، وأضاف أن معاني عدم الاعتراف تلك التي تنتهجها المعارضة غير مجدية في عملية التفاوض.
وشدد إدوار أن موافقة وفد المعارضة على تحويل التفاوض من الدستور إلى ما يسمى "الثوابت الوطنية" و "الاندماج في الخطابات"، استغرقت جولتين أضاعت أصل المهمة وحققت للنظام ما أراد  من إهدار للوقت دون تقدم.
وبين إدوارد أن الأسلوب الذي اتبعه الوفد المعارض في تقديم اقتراحات في جدول الاعمال بداعي "الإيجابية والرغبة" أضعف موقف الوفد وأظهره بمظهر المتسول لا المفاوض، على الرغم من  امتلاكه صلاحية محددة تكمن  بالبحث عن إصلاح دستوري أو دستور جديد.
ولفت إدوار أن وفد المعارضة سمح للنظام بإضاعة الوقت وهدر الجولة الرابعة بأكملها حين قبل باستمرار الخطابات عن الثوابت والمبادئ الوطنية خارج الدستور على أن تبدأ مناقشة المبادئ الدستورية في الجلسةً الخامسة.
واتهم إدوار وفد المعارضة في الجولة الخامسة من أعمال اللجنة بالانجرار وراء النظام الذي لم يقبل التقيد بجدول الأعمال وأضاع الوقت بالخطابات، متهماً الوفد المعارضة بممارسة الأسلوب نفسه في تبادل الخطابات مع وفد النظام كنوع من المناكفة السياسية.
وأشار إدوار إلى أن رئاسة الوفد المعارض كانت تسعى إلى كسب رضى المبعوث الدولي، على حساب سمعة الوفد لدى المعارضة والسوريين، الأمر الذي عبر عن ضعف الوفد وأظهره بموقف الهزيل الذي يتسول التفاوض.
فيما اتهم عضو اللجنة الدستورية السورية "طارق الكردي" النظام السوري برفض مقترحات المعارضة بشأن مواد الدستور، والإصرار على البقاء في مربع المناكفات، قائلاً "لا يزال النظام السوري يرفض الانخراط الحقيقي في أعمال اللجنة المعنية بمناقشة المبادئ الدستورية، ويحاول أن يظل في إطار المماحكات والمناكفات، بعيداً عن العمل التقني لصياغة الدستور".
وأوضح الكردي أن "المعارضة السورية لم تقدم في اجتماعات جنيف مسودة دستور كاملة وإنما 10 مواد دستورية منضبطة الصياغة، لكن النظام رفض مناقشتها من الأساس، رغم أن جدول أعمال الجولة الخامسة يتركز على إقرار مبادئ الدستور الأساسية".
وتابع الكردي "النظام السوري لا يزال يماطل في إنجاز مهمة إعداد وصياغة إصلاح دستوري لسوريا".
وأضاف "ننتظر أن تضطلع الأمم المتحدة والدول الداعمة أبرزها روسيا، بمسؤوليتها حيال الضغط على النظام السوري، للانخراط في العملية الدستورية، بهدف تخفيف معاناة الشعب السوري".
فيما رأت الهيئة الوطنية السورية بأن هذه اللجنة وجدت للالتفاف على القرارات الدولية، وهي في الوقت نفسه يكتنفها مغالطات عديدة، قائلةً أن " النظام لا يحترم أي دستور أو قانون، فهو بالوقت الذي أعلن فيه إلغاء الأحكام العرفية، أرسل سلاحه الجوي، والبري، والبحري ليدمر سوريا، وأنشأ محكمة الإرهاب مع العلم أنه أرسل وفداً للمشاركة في اللجنة الدستورية، وأعلن في الوقت نفسه أن هذا الوفد لا يمثله، وإنما مدعوم من الحكومة السورية، وبالتالي قراراتها غير ملزمة له"
وأضافت أن "اشتراك بعض مدعي المعارضة الذين شكلتهم دول خارجية بظروف ملتبسة في هيئة التفاوض واللجنة دستورية، هو عمل أقل ما يقال عنه بأنه غير مسؤول، ولا ينتج أي أثر سياسي، أو حقوقي يؤدي إلى حل سياسي متوازن."
ولفتت أن "الحديث عن إنتاج دستور جديد، أو تعديلات دستورية دون مراعاة آليات إنتاج اللجنة الدستورية وعدم توفر مناخ موضوعي لإنتاج الدستور وعدم وجود مؤسسات وطنية قادرة على السهر على ممارسة الديمقراطية بحرية ونزاهة مثل (قضاء - أمن - إعلام - منظمات مجتمع مدني - أحزاب سياسية - قانون انتخاب وطني ...الخ)، مع غياب البيئة الآمنة، وهيمنة النظام، والميليشيات الطائفية، والقوى الانفصالية والظلامية، وتسلطها على الشعب السوري يؤدي لأن يكون صوت الشعب هو الخافت، والصوت العالي للقوى الثلاث التالية (بشار الأسد وحلفاؤه - أبو محمد الجولاني وإخوته في المنهج - حزب pkk وتفرعاته)."
وشددت الهيئة الوطنية السورية أن أي عملية ديمقراطية يجب أن تسبقها عملية إحصائية، تميز السوري من الأجنبي، الذي حاز على الجنسية السورية بطريقة احتيالية، أو بالتزوير بعد 15/3/2011.
وقالت الهيئة أن صياغة دستور جديد تتطلب إنتاج جمعية تأسيسية وفق طرق دستورية، سواء لجهة انتخاب أعضائها من الشعب مباشرة، أو لجهة انتخاب جزء منها، والتوافق على تسمية الجزء الآخر، ويراعى في الجزء المسمى الطابع العلمي (سياسي - حقوقي - اقتصادي).
وأضافت الهيئة أن دستور 2012 هو من الدساتير المرنة، الذي يجري تعديل مواده بناء على مقترح يقدمه رئيس الجمهورية، أو ثلثا أعضاء مجلس الشعب، ويجري تشكيل لجنة دستورية من أعضاء مجلس الشعب، مهمتها تقديم مقترح إلى مجلس الشعب ليناقشه، ويقرر ما يراه مناسباً، مؤكدةً أن كل ذلك يتناقض دستورياً مع تشكيل اللجنة الدستورية.
وتابعت أن آليات إنتاج الدستور تتطلب بالتوازي مع الدستور إنتاج هيئة رقابة دستورية (محكمة دستورية) مهمتها مراقبة المخالفات الدستورية المرتكبة بحق الدستور وإلغائها، موضحةً أن آلية التصويت المعتمدة في اللجنة الدستورية (75%) هي نسبة لا يمكن تحقيقها إلا لمصلحة النظام.
وختمت الهيئة أن اللجنة الدستورية تشكل انحرافاً خطيراً في العملية السياسية يؤدي من حيث النتيجة إلى إعادة تأهيل النظام ضمن مسرحية هزيلة، مؤكدةً أنه يجب العمل على إسقاطها بكل السبل الممكنة والإعلان بأن الحل السياسي المقرر دولياً يبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالي، وليس بلجنة دستورية.
وكانت قد تأسست اللجنة في محاولة للتوفيق بين حكومة النظام السوري والمعارضة السورية، في سياق عملية السلام من خلال تعديل الدستور الحالي أو اعتماد دستور جديد لأجل سوريا، وتم تشكيلها بموافقة رسمية من الطرفين المعنيين ، وكذلك الأمم المتحدة نفسها.
وسبق ووصفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأنها جزء من عملية سلام "مملوكة لسوريا وتتزعمها سوريا"، إلا أن القرارات التي تتخذها ليست ملزمة بموجب القانون السوري وتعتمد اللجنة على حسن نية الطرفين لتنفيذها.
وتتكون اللجنة الدستورية من هيئتان، مصغرة وموسعة: تضم الهيئة الموسعة 150 رجلا وامرأة - 50 مرشحا من طرف الحكومة السورية؛ 50 مرشحا من طرف هيئة المفاوضات السورية؛ 50 مرشحا من المجتمع المدني. وتضم الهيئة المصغرة للجنة الدستورية 45 رجلا وامرأة - 15 مرشحا من بين مرشحي الحكومة الخمسين؛ 15 مرشحا من بين مرشحي هيئة المفاوضات السورية الخمسين؛ و15 من بين مرشحي المجتمع المدني الخمسين. تقوم الهيئة المصغرة بإعداد وصياغة المقترحات الدستورية وتقوم الهيئة الموسعة بإقرارها. ويمكن عقد الهيئة الموسعة بشكل دوري أو مواز في الوقت الذي تواصل فيه الهيئة المصغرة أعمالها، وذلك لمناقشة المقترحات واعتمادها. وكما دعا المبعوث الخاص، و بقوة فإن ما يقرب من 30 بالمائة من أعضاء الهيئتين الموسعة والمصغرة هم من النساء.
وتتمتع اللجنة الدستورية بترتيب متوازن لرئاستها مع رئيسين مشاركين أحدهما مرشح من قبل الحكومة السورية والآخر من قبل هيئة المفاوضات السورية. يشرع الرئيسان المشاركان بتوافق الآراء في رئاسة الهيئتين الكبيرة والصغيرة، ويمارسون الصلاحيات اللازمة لضمان التقيد بالنظام الداخلي وحسن سير عمل اللجنة الدستورية.
وفي 17 تموز، عن رفضه القاطع لوضع دستور جديد للبلاد، وذلك خلال أدائه اليمين الدستورية لولاية رئاسية رابعة بعد مضي أكثر من شهر على إعادة انتخابه في مسرحية مشبوهة ومفضوحة أمام السوريين ومُقاطعة من قبل المجتمع الدولي والغرب.
وجاءت تصريحات رئيس النظام السوري عن الدستور قبيل انعقاد اللجنة الدستورية في آب، واصفاً موقف نظامه بوحدة معركة الدستور والوطن. معتبراً أن وضع دستور جديد يعتبر بمثابة وضع سوريا تحت رحمة القوى الأجنبية وتحويل شعبها إلى مجموعة من العبيد والمطايا حسب قوله، متهماً تركيا بإجراء الخطة عبر عملائها ووسطائها أو بواجهة تركية رسمية.
وأنهت اللجنة الدستورية خلال السنتين الماضيتين جولاتها دون صياغة المبادئ الأساسية للهدف الذي أُنشئت من أجله، وهو تحديد آلية وضع دستور جديد لسوريا، وفق قرار الأمم المتحدة “2254”، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي، وتنظيم انتخابات جديدة.

ولم تفلح الجولات المذكورة بإحداث خرق حقيقي في الاتفاق على مضامين دستورية، والتسليم بإدراجها في الدستور الجديد لسوريا على الرغم من مساعي المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن إلى دفع المفاوضات قدماً لإحراز تقدم بهذا الخصوص.
ومن جانبه يصر النظام السوري على التهرب من الالتزامات التي تؤدي إلى تغيير جوهري في محتوى الدستور، لاسيما بعد خمس جولات من المباحثات السياسية الفاشلة، والتي استمرت على مدار أكثر من سنة وثلاثة أشهر، دون إحراز أي تقدم جوهري يذكر.
وفي أيلول من عام 2019علن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تشكيل اللجنة الدستورية الخاصة بسوريا، على أن تبدأ عملها ضمن الجهود لإنهاء الحرب المستمرة منذ عام 2011.