السلفيون الأكراد والعلاقة الشائكة بهيئة تحرير الشام

شهدت الثورة السورية منذ انطلاقها عام 2011 وحتى الوقت الراهن، بروز عدد كبير من الفصائل العسكرية وانتهاء أخرى خلال عشر سنوات من الحرب الدائرة مع قوات النظام والحلفاء، وتنقسم الفصائل في سورية إلى عدة أقسام، أبرزها الجيش الحر الذي بات من الفصائل الموالية لتركيا من جانب، والجماعات السلفية المُصنفة دولياً على لوائح الإرهاب من جانب آخر.

وينقسم السلفيون أو الجماعات السلفية في سوريا إلى قسمين، قسم مهاجر ويحوي تنظيمات ينتمي معظم أفرادها إلى جنسيات أجنبية وعربية جاءوا إلى سوريا بغرض الجهاد وإنشاء دولة إسلامية في سوريا، مشحونين بالكثير من العواطف والأحاديث التي تدل على أهمية الشام والقتال فيها.

وقسم سوري يحوي السلفيين السوريين الذين يمتلكون خلفية دينية قبل الثورة، أو ممن دفعتهم التغيرات والتنقلات ضمن عدة فصائل إلى أخذ منحى متشدد في التعامل مع الصراع متأثرين بالبروغاندا الإعلامية للجماعات السلفية خلال الثورة، والتي تحاول هذه الجماعات من خلالها إظهار نفسها كمقاتل وحيد وشرس بوجه النظام السوري وكفار الأرض جميعاً، مع التركيز على العامل الديني في الترويج والذي تفتقر إليه الفصائل المنضوية تحت لواء الجيش الوطني وتواجه اتهامات جما من السلفيين بالتميع والانحراف عن الدين الإسلامي.

ومن أبرز الجماعات السلفية السورية جبهة النصرة والتي باتت تعرف حالياً بهيئة تحرير الشام، وحركة أحرار الشام الإسلامية والتي انضوت ضمن لواء الجيش الوطني المدعوم من تركيا بعد تشقق الحركة والقضاء على قادتها السلفيين وانشقاق أغلب متشدديها وانضمامهم لتحرير الشام.

وتنتشر في مدينة إدلب بعض الحركات السلفية الكردية والتي تشهد انقساماً واسعاً بين مؤيد ومعارض لإجراءات هيئة تحرير الشام في ظل محاولات الأخيرة استقطاب أكبر عدد ممكن من سلفيي الجماعة إلى صفوفها مستغلةً الخلافات الحاصلة.

وينقسم السلفيون الأكراد في إدلب إلى أربع جماعات رئيسية بعضها محلي والآخر مهاجر ولاتتبع لأجندات معينة وهي:

حركة مهاجري أهل سنة إيران الكردية

وهي الجماعة الوحيدة المنضوية ضمن صفوف هيئة تحرير الشام، وينحدر معظم مقاتليها من مناطق شمال غربي إيران، وحال مقاتليها كباقي حال مقاتلي الجماعات السلفية حيث يمتلكون خبرة قتالية عظيمة وتنظيم وتدريب عالٍ، ويقيمون عدة نقاط رباط في المناطق الساخنة والمشتعلة كجبهة الكبينة وجبال التركمان بريف اللاذقية، وخطوط التماس بجبل الزاوية بريف إدلب  الجنوبي.

يتزعم الحركة أبو صفية الكردي، الذي ظهر مؤخراً خلال لقاء جمع  أبو محمد الجولاني وعدداً من قادة الجماعات السلفية الكردية في أحد مساجد إدلب منتصف شهر حزيران الحالي، ولم يسبق وأن سلط الإعلام المحلي أو حتى إعلام هيئة تحرير الشام الضوء عن هذه الحركة، مع تعتيم كامل على قادتها، وهو ما تغير مؤخراً وتمت ترجمته عبر الاحتفاء بتصوير مرئي يظهر أبو صفية متحدثاً عن الجهاد وقتال النظام السوري، في إطار محاولة جديدة من هيئة تحرير الشام لضم السلفيين الكرد إلى صفوفها.

حركة صلاح الدين الكردي

جماعة سلفية كردية ينحدر مقاتلوها من مناطق شرقي تركيا، ,بدأت الجماعة العمل الجهادي في سوريا عام 2012، ويتركز وجودها في مناطق الشمال السوري، وفي أيلول 2015 أعلن عن تأسيس حركة صلاح الدين الكردي، وزادت أعداد مقاتليها بعد أن ضمت المزيد إلى صفوفها، من بينهم مقاتلون أكراد سوريون وعراقيون وإيرانيون.

ويرجع سبب تأسيس الحركة بحسب قادتها إلى الحفاظ على حقوق الأكراد ورفع الظلم عنهم والعودة بهم إلى جذورهم المسلمة، وتتمتع بعلاقات فاترة نوعاً ما مع هيئة تحرير الشام حيث يمتنع قادتها عن مبايعة الهيئة وبذات الوقت يمتنعون عن مهاجمتها في مؤشر إلى ميل الجماعة لتحرير الشام لقربها منهم منهجياً ولأنهم يرون أنه لا بد من وجود جسم مسلم متمكن لقيادة المسلمين وهو ما يتوافر في تحرير الشام مقارنةً بغيرها من الفصائل، ويعتبرون أن الهدف الأسمى لجميع الحركات المقاتلة هو رد الصائل عن الساحة الشامية والخلاص من الظلم الواقع على المسلمين، ولا تخفي الجماعة مساعيها لضم أكبر عدد من الأكراد السوريين إلى صفوفها.

وتنتشر الحركة في عدة نقاط بالشمال السوري أهمها جبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي، ولدى الحركة معسكر تدريب، ومصادر دعم خاصة، وحالها كحال الجماعات السلفية من حيث التدريب والخبرة القتالية العالية.

الجبهة الإسلامية الكردية

جماعة سلفية ينتمي معظم مقاتليها إلى الأكراد السوريين، وتحتوي مجموعة من الكتائب الصغيرة التي توحدت وانضمت إلى حركة أحرار الشام الإسلامية عام 2014، وتعتبر الجبهة الإسلامية الكردية أقرب للفصائل المعتدلة ويختلف حالهم عن باقي التشكيلات السلفية الكردية ويعانون من الانقسام والتفكك في ظل التغيرات التي طرأت على حركة أحرار الشام و مقتل معظم قادتها وانشقاق آخرين.

جماعة أنصار الإسلام

جماعة جهادية سلفية يشكل الأكراد العراقيون الغالبية فيها إلى جانب المقاتلين الكرد السوريين والأتراك والإيرانيين، تأسست عام 2001 شمالي العراق أو ما بات يُعرف بإقليم كردستان العراق وقاتلت ضد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، وقاتلت تنظيم الدولة في العراق والتحق ما تبقى من مقاتليها في صفوف الجماعة التي وصلت إلى سوريا مع بداية الثورة السورية.

وتعتبر أنصار الإسلام الأكثر تشدداً بين الجماعات السلفية الكردية في إدلب، ومن أهدافها إقامة دولة إسلامية تحكمها الشريعة.

وخلال العشر سنوات الماضة شهدت الحركة عدة تنقلات وتغييرات وسبق أن انضمت الجماعة منتصف العام 2020 إلى غرفة عمليات فاثبتوا بزعامة أبو مالك التلي المنشق عن الهيئة.

 لكن الجماعة اضطرت للانشقاق لاحقاً عن الغرفة لتجنب المواجهة مع الهيئة التي بدأت حينها مرحلة جديدة من الحرب على تنظيم حراس الدين التابع للقاعدة والذي كان العمود الفقري للغرفة.

وشهدت العلاقة بين تحرير الشام وأنصار الإسلام منعطفاتٍ خطرة، بعد اعتقال تحرير الشام لعدد من القادة البارزين خلال حملة أمنية نفذتها على مواقع الجماعة في ريف جسر الشغور جنوب غربي إدلب بداية شهر حزيران أسفرت عن اعتقال "مغيرة الكردي وعبد المتين الكردي وأبو علي القلموني وأبو عبد الرحمن الشامي" و أبو عمار الكردي وأبو شهاب الكردي اللذان أطلقت الهيئة سراحهما قبل أيام.

ويعمل تنظيم حراس الدين لجذب أنصار الإسلام إلى صفوفه، بحجة الدفاع عن الجماعة ضد حملة مفترضة سوف تبدأها الهيئة ضدها، وفي سبيل ذلك اتهم حراس الدين الإعلام الرديف للهيئة بشن حملات تحريضية على جماعة الأنصار تهيئة وتمهيداً للانقضاض عليها، وتتهم هيئة تحرير الشام جماعة الأنصار بمهاجمة الأرتال التابعة للجيش التركي في مدينة إدلب، ومن المتوقع أن تقوم الهيئة بحملة عسكرية واسعة على مناطق تواجد الجماعة بهدف حلها أو ضمان انضمامها لصفوف الهيئة وثق مصادر مقربة من الهيئة في مدينة إدلب.

حرب متوقعة أم انصياع يفضي إلى هيمنة تحرير الشام على الكُرد

ترجع أسباب الحملة العسكرية المرتقبة على جماعة أنصار الإسلام وفق مغردين جهاديين ومقربين من كلا التنظيمين إلى عدة أسباب ترى فيها الهيئة أسباباً مقنعة قد تفضي إلى حرب أو انصياع جماعة أنصار الإسلام، فضلاً عن تسريبات من مغردين جهادين فندوا فيها مخاوف هيئة تحرير الشام وأسباب مساعيها الحثيثة لضم أنصار الإسلام إليها ولعل أبرزها:

توسع الجماعة في عدة مناطق وضمها لعدد من السلفيين المتمرسين على فنون القتال والمدربين تدريباً خاصاً فضلاً عن اعتبارها صاحبة تنظيم وتراتبية عسكرية قل نظيرها بين التشكيلات السلفية في إدلب ما يثير بالدرجة الأولى مخاوف هيئة تحرير الشام من توسع الجماعة خارج مظلة الهيئة "الجامعة للسلفيين" وارتباطها بتنظيمات معادية للهيئة بشدة كتنظيم حراس الدين.

من جانبٍ آخر الضغط الحاصل على هيئة تحرير الشام من قبل المخابرات التركية للتضييق على الجماعة وشن حملة اعتقالات ضدها بهدف إنهاء الجماعة وقتل قادتها، يرجع لاتهامات حول ضلوعها في تنفيذ عمليات استهداف لأرتال الجيش التركي أو تسهيل العمليات على الأقل.

كما أن وجود سلفيين أكراد إيرانيين في صفوف الجماعة يشكل ورقة رابحة بالنسبة للهيئة التي تحاول الاستفادة من وجودهم في دعم ملفات أخرى وفتح باب للمفاوضات مع الإيرانيين.

فيما تشهد مناطق ريف إدلب الغربي وجسر الشغور على وجه الخصوص "مناطق انتشار جماعة أنصار الإسلام وعوائلهم" توتراً أمنياً بسبب الانتشار الكثيف للحواجز الأمنية التابعة للهيئة، وخوف أنصار الإسلام من استئناف حملة الاعتقالات ضدها والتي تبدو بشكل أو بآخر محاولة لاستفزاز الجماعة وجرها  لمواجهة مباشرة تتمكن من خلالها الهيئة من تنفيذ المهمة والقضاء عليها دون مواجهة حرج داخلي في صفوفها.

من غير المعلوم ما ينتظره مستقبل جماعة أنصار الإسلام الذي سيتوقف عليه مستقبل جميع الحركات السلفية الكردية المنتشرة في شمال سوريا، إلا أن المعطيات تشير إلى أن جماعة أنصار الإسلام وبالرغم من عدتها وعتادها وتنظيمها، إلا أنها غير قادرة على خوض قتال شامل مع هيئة تحرير الشام بسبب الفارق الكبير بالعتاد والعدد بين التنظيمين، ناهيك عن عدم قدرة الجماعة على الوثوق بتنظيم حراس الدين الذي لم يقدم حتى اللحظة سوى الوعود والتحريضات التي لا تفيد الجماعة بشيء وتُسرع من اصطدامها الغير مرغوب مع هيئة تحرير الشام.

وفي حال اندلاع الحرب قد تجد أنصار الإسلام الجماعات السلفية الكردية الأخرى وأبرزها حركة صلاح الدين الكردي التي تكن الحب والولاء الغير تبعي بشكل مباشر للهيئة في صفوف محاربيها، وهو ما تتجنبه الجماعة، وقد يجبرها على الانصياع لمساعي الجولاني الحثيثة الهادفة لتطويع الجماعات السلفية الكردية في إدلب وإجبارها على تبني مشروع وخطاب الهيئة، وتحديداً فيما يخص العلاقة مع تركيا ووجودها على الأرض.

خيارات الحركات السلفية الكردية في المشهد السوري

ووفقاً لما سبق لابد من تسليط الضوء على أن الحركات السلفية الكردية باتت محدودة الخيارات في ظل تعاظم التدخل التركي في الشمال السوري، وسلوك هيئة تحرير الشام نهجاً معتدلاً في التعامل مع القوى الإقليمية والدولية التي باتت تتحكم بمصير الشمال السوري، مع احتفاظها بالعنصر الديني والخطاب المحلي الذي يظهرها بمظهر الفصيل المجاهد الذي يحوي في صفوفه أغلب شيوخ ومنظري التيار السلفي في الساحة الشامية.

وتنحصر الخيارات المحدودة للتنظيمات السلفية الكردية في خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يذعن السلفيون الأكراد المعادين والموالين لهيئة تحرير الشام وعلى رأسهم جماعة أنصار الإسلام إلى ضغوطات الهيئة الرامية لدمجهم ضمن صفوفها وجمعهم تحت مظلتها، مستفيدةً من خبراتهم القتالية الطويلة في الساحة السورية، وهو الأمر الذي تريده تحرير الشام وتسعى إليه لتعزيز سيطرتها على الأرض وعلى الخطاب الديني الذي أوصلها إلى ماهي عليه من القوة والتحكم في المناطق المحررة.

وأما خيار الحرب الذي ينذر بحرب كارثية قد تذهب بتلك التنظيمات الصغيرة مقارنةً بقوة وانتشار هيئة تحرير الشام إلى الهاوية، وينتج عنه خلل في ساحة الجهاد المقدسة التي هجروا بلدانهم لأجلها، وهو ما لا يريده السلفيون في ظل الأوضاع الراهنة، وتخلي معظم تنظيمات الجهاد العالمية عنهم، وتأييد تنظيمات أخرى لهم دون أن تملك القوة لمساندتهم في حال اندلاع حرب شاملة مع تحرير الشام.