ضغوطات روسية لانتزاع تنازلات سياسية واقتصادية من قسد

عملت التهديدات التركية المتصاعدة، والتي لمحت إلى عزم أنقرة شن عملية عسكرية تستهدف مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وذراعها المدني المتمثل بـ"الإدارة الذاتية"، إلى مراجعة القيادة الكردية المُسيطرة على شمال شرق سوريا، الكثير من حساباتها، واتجاهها إلى القوة الروسية المتواجدة في سوريا، في محاولة لتجنيب مناطقها شبح الحرب التركية، وسط تغير كبير في السياسات الأمريكية بالمنطقة، جعلت من قسد تخشى تكرار السيناريو الأفغاني في مناطق سيطرتها.
ومع ازدياد الحشود العسكرية المشتركة للجيشين التركي والوطني السوري، على خطوط التماس مع قوات سوريا الديمقراطية في ريفي حلب والحسكة، وتصاعد حدة التصريحات التركية المتوعدة باستئصال الخطر الإرهابي على الحدود التركية، أجرت قسد عدة اجتماعات مع الجانب الروسي في محاولة منها لزج الأخير في الحسابات الدولية المتعلقة بالعملية التركية المزمع إطلاقها.
واستغل الروس التهديدات التركية المحيطة بقوات سوريا الديمقراطية، ومناطق سيطرتها، للدخول بقوة في سيناريو الأحداث التي يشهدها شمال شرق سوريا، في محاولة مكشوفة لتعزيز نفوذ النظام السوري، وتواجد قواته هناك، على حساب التنظيمات الكردية المُسيطرة عليه والتي تخشى فقدانه على يد القوات التركية.
وأظهرت روسيا، منذ بدء التهديدات التركية، جهوداً حثيثة لمنع العملية العسكرية المرتقبة من خلال تصريحات مسؤولين روس رفيعو المستوى، عبروا عن رفضهم لأي عمل عسكري ضد قسد، فضلاً عن إجراءات قامت بها موسكو خلال اليومين الفائتين، تمثلت بنشر عدد من طائراتها الحربية في مطار القامشلي بشكل علني، لتوسيع قاعدتها العسكرية في المنطقة، ولإرسال رسالة واضحة للأتراك والأمريكيين أنه لا تفاهم حول المنطقة دون إشراك الجانب الروسي في أي اتفاق يرعى مصالحه.
كما عملت موسكو على نقل التصعيد من شمال شرق سوريا، إلى شمالها الغربي، حيث كثفت من عمليات القصف في مناطق خفض التصعيد المُتفق عليها مع تركيا، بهدف الضغط عليها وإيقاف تهديداتها المتعلقة بشن عملية عسكرية جديدة في سوريا.
وعمدت روسيا عبر ماكينتها الإعلامية على استثمار الرفض الأمريكي، الذي عبر عنه مسؤولون في البنتاغون والمبعوث السابق إلى سوريا "جيمس جيفري"، والذي يوحي برفض الإدارة الأمريكية لأي عمل عسكري تركي ضد المنطقة، إلى نسب الفضل بإيقاف أو بعبارة أدق "تأجيل العملية العسكرية" التركية، إلى القوات الروسية المتواجدة في شمال شرق سوريا، وهو الأمر الذي تنفيه المعطيات السياسية التي جمعت بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.
مطالبات بتنازلات سياسية واقتصادية
وبالتزامن مع انتشار الطائرات الحربية الروسية في القامشلي، والأنباء الواردة عن عزم موسكو تحويل أجزاء من مطار القامشلي، إلى قاعدة عسكرية روسية في شمال شرقي سوريا، شهدت المنطقة هناك اجتماعات مكثفة بين قادة في قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية مع الجانب الروسي، لبحث مخاطر التهديدات التركية وكيفية التصدي لأي عمل عسكري قد تقدم أنقرة على فعله.
وكشفت مصادر مطلعة من قوات سوريا الديمقراطية خلال حديثها لـ"وكالة المجس"، عن انعقاد جلسة تفاوض بين روسيا وقسد في مطلع تشرين الثاني الجاري، في مقر القاعدة الروسية قرب عين عيسى بريف الرقة، بحضور ضباط روس وقيادات في المجلس العسكري العام لقوات سوريا الديمقراطية.
وأضافت المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، أن الوفد الروسي قدم عدة مطالب إلى وفد قوات سوريا الديمقراطية، تضمنت مطالب سياسية وأخرى اقتصادية، كشرط من موسكو لاستمرارها في عرقلة الجهود التركية الرامية لشن عمل عسكري يستهدف شمال شرق سوريا.
وأشارت إلى أن روسيا اشترطت حصول النظام السوري، على نسبة تقارب الـ 75  بالمئة من إجمالي النفط الذي يتم استخراجه من الحقول الخاضعة لسيطرة قسد، على أن تحتفظ الأخيرة بنسبة بـ 25 في المئة منه، في ما يشبه التسوية الاقتصادية التي تطمح موسكو لإرسائها في المناطق الغنية بالنفط والخارجة فعلياً عن سيطرة النظام.
ولفتت المصادر أن الجانب الروسي، لم يكتف بطلب التنازل الاقتصادي، ليُلحقه بطلب آخر على الجانب السياسي تمثل باعتراف الإدارة الذاتية برأس النظام السوري "بشار الأسد"، رئيساً شرعياً للبلاد، والموافقة على رفع علم النظام السوري على مباني الدوائر الرسمية في شمال شرق سوريا.
وتضمن العرض الروسي إشراك قسد فيما يشبه الحكم المحلي،  وذلك بعد تنازل الأخيرة عن مشروع الإدارة الذاتية، مقابل الاعتراف بحقوق الأكراد من قبل الدولة السورية.
وبينت أن قسد رفضت العرض الروسي المُقدم، واعتبرت أن ما طرحه الوفد الروسي "غير منطقي"، ويندرج في إطار محاولة استغلال الظروف  السياسية والعسكرية التي تشهدها قوات سوريا الديمقراطية ومناطق سيطرتها، لفرض أمر واقع.
وأوضحت أن الوفود المُجتمعة غادرت قاعة الاجتماع، دون الوصول إلى صيغة تفاهم شاملة، باستثناء الاتفاق على استمرار التنسيق العسكري بين الطرفين، على أن يتم عقد جولات جديدة من التفاوض، بشروط أخرى قد تكون مقبولة بالنسبة لقسد.
ومع تزايد التواجد العسكري الروسي في شمال سوريا، يبدو أنه بات من الصعب على أنقرة  القيام بأي عمل عسكري دون تنسيق في شمال شرقي سوريا، ما يفتح الباب أمام تفاهمات جديدة بين موسكو وأنقرة، قد تقتصر على عمليات عسكرية محدودة، مقابل مبعض التنازلات في محافظة إدلب.
وبالنظر إلى الأحداث الجارية في شمال شرق سوريا، نستطيع القول أن موسكو، كانت المستفيد الأكبر من تعقد المشهد السياسي والعسكري هناك، حيث استطاعت استثمار التوتر، في توسيع دائرة وجودها شمال شرق سوريا عبر الشروع بتأسيس قاعدة عسكرية لها هناك، فضلاً عن فتحها باب الحوار مع قسد لتقديم تنازلات كبيرة لصالح النظام السوري، ما كان ليحلم بها في السابق، إضافةً إلى حصر أنقرة في خيارات محدودة تجبرها على العودة إلى طاولة المفاوضات مع الروس، مقابل تنازلات كبيرة قد تطلبها في إدلب، ولن تكون في مصلحة السوريين.
اجتماع سابق مع قسد
وفي 28 تشرين الأول الفائت، عقد ضباط روس اجتماعاً مع قيادات من قسد في مطار الطبقة العسكري الخاضع لسيطرة القوات الروسية بريف الرقة الغربي.
وذكرت "وكالة المجس" في تقريرٍ سابق إن الاجتماع السري عقد، الخميس 28 تشرين الأول، واستمر 4 ساعات، بعد وصول الضباط الروس على متن 3 مروحيات عسكرية، وتناول الوضع الأمني في المنطقة وعملية البحث عن خلايا تابعة للجيش السوري الوطني، إضافة للتهديدات التركية وآلية التعامل معها.
وفي وقتٍ سابق دعت إلهام أحمد الرئيسة المشتركة لـ"مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد) إلى عدم الاستهانة بالتهديدات التركية بشن عملية عسكرية في شمال وشرق سوريا، وقالت في تصريحات نقلتها وكالة "هاوار" الكردية، إنه من الخطأ اعتبار التهديدات التركية بشن عملية عسكرية جديدة في شمال وشرق سوريا مؤقتة، واصفةً إياها بالـ" سياسة الاستراتيجية".
وحملت أحمد موسكو المسؤولية الكاملة لأية هجمات محتملة تستهدف مناطق سيطرتها في مدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي، معللةً ذلك بوجود القوات الروسية أيضاً في تلك المدينة.
ويعمل الروس في الوقت الحالي على تعزيز الجبهات ذات الحضور المشترك بين النظام وقسد شمال وشمال شرق سوريا، وعليه فإن التحالف الذي تسعى إليه موسكو بين النظام وقسد يعتبر من أكبر المناورات السياسية والعسكرية لمحاولة إيقاف التقدم التركي.