انقسامات جديدة تعصف بحركة أحرار الشام الإسلامية

تشهد حركة أحرار الشام المنتشرة في مدينة إدلب وريفها، والتي تعتبر من أبرز الحركات الإسلامية المعارضة للنظام السوري ومن أوائل الحركات المنخرطة في العمل المسلح ضد قوات النظام، انقسامات داخلية جديدة تهدد بقاء الحركة وتعصف بوجودها الذي لازال محافظاً على نفسه بالرغم من تعرضها لعدة انتكاسات على مدار السنوات الماضية.

ولعل الحدث الأبرز في الانقسام الجديد يتمثل بتهديد أجنحة تعتبر بمثابة قوة ضاربة داخل الحركة انشقاقها، على خلفية عدم تنحية أبرز وجوه الانقسام السابق عن العمل في الحركة وعلى رأسهم المقدم أبو المنذر بحسب مصادر مقربة من الحركة.

وتكشف المصادر المقربة من الحركة عن  وجود عدد كبير من مقاتلي المغاوير والقوات الخاصة الذين هددوا بالانشقاق عن جسم الحركة بشكل  كامل في حال لم يتم الاستجابة للمطالب المتمثلة بتنحية قادة التمرد السابق، وسط محاولات من الحركة لرأب الصدع الحاصل والتوصل إلى تفاهم ينقذ الحركة من التلاشي.

وتضيف المصادر أن قوات المغاوير والقوات الخاصة يشكلون ما يقارب نصف عدد أحرار الشام وإن أي انسحاب من طرفهم قد يؤدي إلى فقدان الحركة أبرز أجنحتها العسكرية المقاتلة التي ساهمت ببقاء وجودها رغم الخلافات الكبيرة التي عصفت بها في أوقات سابقة.

وفي كانون الثاني 2021 عينت حركة أحرار الشام عامر الشيخ، الملقب بأبو عبيدة قطنا قائدًا عاماً لها، وذلك بعد خلافات كانت ستؤدي إلى انقسام داخل الحركة.

وبدأ الخلاف في أحرار الشام بتاريخ 12 من تشرين الأول 2020 بعد قرار صادر من قيادة الحركة يقضي بفصل قائد قطاع الساحل وتعيين بديل عنه إلا أن قائد الجناح العسكري في الحركة النقيب عناد درويش وقائد قطاع الساحل، رفضا قرار القيادة العامة.

وطالب عناد درويش حينها في بيان له بتعيين القائد السابق للحركة، الشيخ حسن صوفان قائداً عاماً للحركة، ما اعتبر بمثابة انقلاب على قيادة الحركة التي أصدرت قراراً بفصل عناد درويش وقيادته بالعمل في المجلس العسكري للحركة، واستبدلت به أبو فيصل الأنصاري.

 

وجاء في بيان الدرويش أن المطالبة بعدم التجديد لعلي باشا وتعيين حسن صوفان، تأتي بعد السعي في إصلاح ذات البين وحصول العديد من الجلسات المطولة والوصول إلى طريق مسدود، رغم اقتصار مطالبتنا على مجرد تعيين أمير جديد من قبل الشورى أنفسهم، وأشار البيان إلى أن المطالبة بتعيين صوفان في قيادة الحركة هو بسبب حصول شلل طيلة الفترة الماضية في النشاط العسكري، وفق البيان.

ويعود السبب الرئيسي للخلافات داخل الحركة حينها لتمديد مجلس الشورى للقائد الحالي جابر علي باشا عاماً إضافياً في منصبه، وهو ما رفضه الجناح العسكري، مطالباً بعودة صوفان، الذي كان قد تولى قيادة الحركة في العام 2017.

تلته سلسلة من الإعفاءات التي ترجمت على أنها انتقام من جابر علي باشا من معارضيه، حيث أعفت قيادة أحرار الشام النقيب أبو صهيب من مهامه كنائب لقائد الجناح العسكري، وعينت بدلًا عنه أبو موسى الشامي، بينما عينت أبو العز أريحا في قيادة اللواء الرديف، بدلاً من أبو محمود خطاب، وهو ما قوبل برفض من القادة الذين اعتبروا قرارات إعفائهم بمثابة محاولة من القيادة للهيمنة على الحركة وإقصائهم عنها.

وبلغ الانقسام في صفوف أحرار الشام ذروته بتاريخ 23 من تشرين الأول 2020، حين ترجمت الانقسامات إلى أفعال وصلت إلى مرحلة حصار واستيلاء على مقرات الحركة من قبل الجناح المعارض للقيادة العامة المتمثل بحسن صوفان وأبو المنذر.

واستولى الجناح المعارض للقيادة العليا في أحرار الشام حينها على عدة مقرات، أبرزها المقر 101 في مدينة أريحا جنوبي إدلب، ومقرات في قرية الفوعة بريف إدلب الشرقي، ما اجبر قائدها السابق جابر علي باشا على إصدار أمر في بإفراغ المقرات في أريحا والفوعة وأماكن أخرى من العتاد والكتلة البشرية، ونقلها إلى عفرين شمال غربي حلب، خشية الاستيلاء عليها من قبل التيار المتمرد.

وأكد جابر علي باشا أن الجناح التابع له داخل الحركة، يرفض الصدام المسلح مع الجناح المعارض  تحت أي ظرف وطالب بالعودة إلى طاولة الحوار لحل الخلافات العالقة والحفاظ على بنية الحركة وحمايتها من التفكك.

وقال في بيانٍ صادرٍ عنه في تشرين الأول 2020 إن ما حصل في الأيام الأخيرة هو تكرار لما شهدته الحركة سابقاً من انشقاقات، دفعنا ودفعت الساحة ثمنها غالياً، مشيراً إلى أن الجهة التي عملت على الانقلاب تصدر نفسها لقيادة الحركة بطريقة غير شرعية و مستهجنة، لا تهدف إلا للنيل من تماسك الحركة وصفها الداخلي، ووجه علي جابر رسالة إلى منتسبي الحركة، مفادها أن ما جرى سحابة صيف عابرة لا تلبث أن تزول ومحنة ستخرج منها الحركة أقوى من ذي قبل.

وأعقب ذلك اجتماعات لحل الخلاف إلا أن إصرار حسن صوفان وأبو المنذر على حل مجلس الشورى والقيادة نهائياً حال دون التوصل إلى أي اتفاق، حتى مطلع عام 2021 عندما اتفق طرفا النزاع في الحركة القيادة، على تعيين عامر الشيخ الملقب بأبو عبيدة قائداً جديداً خلفاً للقائد السابق جابر علي باشا.

كما قضى الاتفاق على تولي أبو عبيدة درعا بمهام قيادة الجناح العسكري إلى جانب الإشراف على تشكيل مجلس قيادة جديد بالكلية في أحرار الشام.

وفي أواخر نيسان الفائت أعلنت حركة أحرار الشام الإسلامية تشكيل مجلس قيادة جديد مكون من 12 قيادياً، وبحسب بيان صادر عن الحركة، أعلن القائد العام أبو عبيدة، تشكيل مجلس قيادة جديد بناء على الصلاحيات الممنوحة له بموجب الاتفاق بين الأطراف المتنازعة.

وتضمن المجلس الجديد كلاً من الرائد حسين العبيد الملقب بأبو صهيب، وأبو عمر الساحل، والمقدم أبو المنذر الحموي، المحسوبين على القائد الأسبق للحركة حسن صوفان.

كما تضمن المجلس أبو بكر فاروق وأبو سلمان الحموي، وأحمد الرفاعي (الشيخ أبو عبيدة) وعلاء جودي (أبو عمر التوبة)، وأبو حسن الحموي وأبو الخير الشامي، ووليد سليمان (أبو حمزة) وأحمد الدالاتي (أبو محمد الشامي)، المحسوبين على طرف القيادة، إضافة إلى القيادي عبيدة الخلف (أبو إسلام).

ونشأت حركة أحرار الشام الإسلامية أواخر عام 2011، من اندماج أربعة فصائل "جماعة الطليعة الإسلامية، حركة الفجر الإسلامية، كتائب الإيمان المقاتلة، إضافة إلى أحرار الشام". وكانت من أبرز الفصائل التي واجهت قوات النظام في أغلب المناطق السورية، قبل أن تتعرض لنكسة كبرى في عام 2014، حين قتل قائدها وأحد أبرز مؤسسيها، وهو حسان عبود وشقيقاه، مع أكثر من 45 قيادياً آخرين في أيلول 2014، كانوا في اجتماع لمجلس شورى الحركة في بلدة رام حمدان بريف إدلب شمالي سورية، في تفجير لا يزال يلفه الغموض.

وكانت أحرار الشام، التي ينتشر مقاتلوها في بعض مناطق محافظة إدلب، ولا سيما في مدينة أريحا وبلدة بنش ومنطقة جبل الزاوية، وفي أجزاء من جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، قد دخلت بأكثر من نزاع دموي مع "تحرير الشام"، لا سيما عامي 2017 و2019، ما أدى إلى فرض الأخيرة هيمنتها العسكرية على الشمال الغربي من سورية، وتحجيم دور الحركة.

وتنضوي حركة أحرار الشام ضمن الجبهة الوطنية للتحرير، التابعة للجيش الوطني المدعوم من تركيا، ويبلغ عدد مقاتلي الحركة بشكل كامل نحو 4500 مقاتل حالياً، ويتركز عملهم العسكري بالغالب في محافظة إدلب الواقعة في الشمال الغربي لسورية.