ليست في مزارع الأسد: تدجينٌ للتعليم وتهديداتٌ تطال كوادر علمية وطلابية

المجس- ضياء محمد
اعتاد السوريون قبل أكثر من 50 عاماً ، أي منذ اعتلاء آل الأسد حكم سوريا، وتحويلها إلى مزرعة خاصة بهم وبأعوانهم، على الفساد، دون أن ينطقوا ببنت شفة خوفاً من بطش الأفرع الأمنية التي سخرت سياطها وسجونها لإسكات ما تبقى من نخب رافضة لسياسة تدجين سوريا، وجعلها حظيرة بالمعنى الحرفي للأسديين ومن والاهم.
وعُقب خروج السوريين في عام 2011، بثورة لا لبس فيها، للتخلص من طغيان آل الأسد وفسادهم، ضم الحراك الشعبي في صفوفه نخباً من المجتمع السوري "أساتذة، فنانون، مثقفون، أطباء، محامون"، ما أضفى لروح الثورة جمالية إضافية، تدحض رواية النظام السوري القائلة إن الحراك في سوريا يُدار من قبل إرهابيين يريدون تدمير البلاد.
تهديدات ومطالب محقة
وبعد مرور 11 عاماً على الثورة السورية، يبدو أن عقلية حزب البعث العربي الاشتراكي، الحاكم المطلق لسوريا الأسد،  عادت لتحيا في أذهان الكثيرين ممن ركبوا ركاب الثورة، وتقلدوا المناصب الرفيعة باسمها، بل واشتطوا بها، ليعودوا آلاف السنين إلى الوراء، ويُحاربوا أي عمليات إصلاح، بدعوى الخوف على المسار التعليمي، وإخراج المعطلين له من دائرة القرار، تحت عنوان "أخرجوهم من قريتكم إنهم أناسُ يتطهرون".
بهذا العنوان وصلت تهديدات علنية لطلاب جامعة حلب المطالبين بالتغيير، من جهات قيل إنها "مجهولة"، بعد كشفهم للفساد الإداري والأخلاقي الذي مورس من قبل الطويل، وقيامهم باعتصام في ساحة الكلية طالبوا خلاله بوضع حد لتصرفات وسلوكيات الطويل، الساعية لإذلال الطلاب وترويضهم في أسلوب ذكرهم بجامعات النظام السوري والتشبيح الذي تعرضوا له فيها إبان اندلاع الثورة.
وخلال الاعتصام المذكور أخطر طلاب جامعة حلب مستشارين وعمداء كليات جامعة حلب ورئيس الجامعة، عبر بيان مكتوب وآخر شفهي، بالشكاوى المتعلقة بالعميد وسلوكيات البعض وطالبوا بإقالته بسبب فساده، وتعيين الدكتور "علاء رجب تباب" عميداً كونه مؤسس الكلية ومختصاً أكاديمياً في الإعلام.
وبحسب الطالب م. أ فإن رئيس الجامعة وافق على اقتراحهم بتعيين تباب عوضاً عن الطويل، وطالبهم بإقناعه بالدخول إلى الشمال السوري ليتسلم المنصب، مضيفاً أنه وبعد موافقة الدكتور علاء على الأمر، تراجعت الرئاسة عن قرارها، وعينت دكتوراً غير مختص من كلية الحقوق والعلوم السياسية أيضاً، في ضرب واضح لمصالح الطلاب، وتلاعب مكشوف في مصيرهم التعليمي.
وأشار إلى أن الجامعة ضربت مطالب الطلاب "عرض الحائط" وخدعتهم من خلال إقالة العميد السابق ثم تعيين دكتور مختص في العلوم السياسية عميداً للكلية، ومن ثم إعادة تعيين العميد السابق الفاسد ذاته مدرساً في العام الدراسي 2022-2023 لمواد اختصاصية بحتة.
وشدد على أن إنهاء عقد الدكتور علاء وإبعاده تماماً عن التدريس، يُظهر بشكل واضح مدى كمية الفساد الحاصل في جامعة حلب، وتغلغل الفاسدين وقدرتهم على إصدار القرارات التي تُعد انقلاباً على رمزية الجامعة كونها مؤسسة تربوية تعليمية، غير مرتبطة بمصالح مالية أو اقتصادية.
عريضة سرية
وكشف الطالب عن عريضة سرية تم تقديمها في وقتٍ سابق لإدارة جامعة حلب، اعترضوا خلالها على سلوكيات عميد الكلية أحمد الطويل، قائلين إنه طرد مجموعة طلاب من المعهد الإعلامي بعد توبيخهم وإهانتهم، لأنهم انتقدوا استخدام أحد الأشخاص لمصطلح "الأزمة" بدلاً من الثورة.
وبيّنت العريضة أنه كان موقفاً صادماً لنا كطلاب عندما ذهبنا لتقديم المادة المقدمة في الإعلان للدكتور "علاء تباب"، لنتفاجأ بالدكتور أحمد الطويل وهو يحمل أوراقاً نسخ عليها محادثاته الخاصة مع د. علاء،  ويطلب من الطلاب الاطلاع عليها.
وأضافت أنه حرض الطلاب ضده أمام الجميع، ويقول لهم يمكنكم أن تشتكوا عليه إذا كانت الأسئلة غير واضحة، وراح يقول: إن د. علاء كان يريد أن يصعّب عليكم الأسئلة وهو لا يجيد وضع أسئلة مفهومة! كان موقفاً صادماً بحق النموذج المثالي للأستاذ الموجود في أذهاننا، لم نكن نثق بكلامه، كانت الحجج المقدمة واهية لدرجة السذاجة".
وأشارت إلى أن أحمد الطويل  لم يكن على قدر المسؤولية في تدريس المواد الموكلة إليه في كلية الإعلام، وإلغاء درجات العملي بشكل تعسفي، وزعزعة الثقة بين الطلاب والأساتذة الذين "يقدّرهم ويحبهم الطلاب"، والطعن بسمعة معهد الإعلام في جامعة حلب والاستهزاء بخريجيه السابقين.
وتقدم الطلاب بثمانية مطالب عطفاً على الشكاوى التي سردوها، منها إقالة "الطويل" من عمادة كلية الإعلام، وتوكيل عمادة الكلية لدكتور مختص اختصاصاً أكاديمياً في الإعلام، وإعادة تقديم مادة العلاقات العامة تحت إشراف مدرس المقرر علاء تباب، وتفعيل دور الهيئات الطلابية.
ردود هزيلة وتكريم مشين
وبعد افتضاح التهديدات التي وجهت لمعارضي سلوكيات الطويل، اضطر الأخير للرد عليها بالقول "إنني على علاقة طيبة بطلابي، وقد اعتذرت شفهياً عن المتابعة بالعمادة للسيد رئيس الجامعة وأنهى تكليفي وأثنى على أدائي أمام طلاب الماجستير في الإعلام والذين كرموني بدورهم.
وسخر الطويل من المحادثات التي تم نشرها من قبل بعض الطلاب بالقول "فيما يخص الادعاءات حول تهديد الطلاب بالقتل من جهات مجهولة، فإنها "فبركات مضحكة"، وأردف متهكماً " تذكرني تلك المحادثات بالمؤامرة الكونية على محور المقاومة والممانعة".
واعتبر الطويل أن فئة الطلاب التي طالبت بعزله "فئة فاشلة ومعاقبة" مؤكداً أنه يحظى بشعبية كبيرة بين طلابه المتفوقين والمهذبين، في هجوم واضح على المعارضين لوجوده في الجامعة واعتبارهم " غير مهذبين ويفتقرون للتربية".
وفي ختام المقال لا يسعنا القول إلى أنه يمكن اعتبار الأحداث في جامعة حلب بمثابة "بالون اختبار"، لمؤسسات الثورة التي تدعي النزاهة والشرف، وتعيب على جامعات النظام السوري، بل وحتى النظام نفسه، الفساد المستشري في صفوفه وفي كوادره، فهل ستتمكن جامعة حلب من تدارك الخطأ الحاصل وإعادة الحق إلى نصابه، أم أنها ستُنافس نظيراتها في مناطق النظام السوري من حيث كمية الفساد والمحسوبيات!!.
 

ذات صلة