ضياء الشامي- المجس
لا يخفى على المتابع السوري، وحتى العربي، الحال الذي وصلته إليه الثورة السورية في الآونة الأخيرة، حيث باتت مرهونةً بشكل كامل لأجندات الدول الداعمة لها، أو لنقل الدولة في تعبيرٍ أصح، حيث تنفرد تركيا منذ سنوات بالملف السوري، وذلك بعد انسحاب تكتيكي لدول الخليج من الساحة السورية الغارقة بالفوضى والدماء.
ولعل الانسحاب الخليجي من الملف السوري، والانكفاء الغربي عنه، كان من الممكن أن يدفع المعارضة السورية إلى إعادة ترتيب أوراقها بشكل صحيح، إلا أن المعارضة وكما العادة خيبت آمال الكثيرين، واستمرت في ممارسة "سياسة التابع" حيث رهنت أمرها بالكامل لتركيا، التي أجبرتها على الذهاب إلى أستانا وسوتشي وغيرها من الاجتماعات التي لاتُغني ولاتسمن من جوع، حتى باتت حرفياً ألعوبةً بيد الداعم التركي.
والآن وبعد انكشاف النوايا التركية، الداعية للمصالحة مع النظام السوري، وإعادة كامل الأراضي السورية إلى سلطته، وجدت المعارضة السورية نفسها محصورةً في الخيار التركي، بل وتشرذمت بين خجولٍ يُدين التصريحات التركية الأخيرة، ووقحٍ لم يُعقب عليها وكأن الأمر لايعنيه في شيء "الائتلاف أنموذجاً".
ولعل أبرز أسباب صمت المعارضة السورية وعلى رأسها الائتلاف الوطني السوري، ينبُع بشكل رئيسي من حرصها على عدم إغضاب الجانب التركي، أو فلنقل الداعم، في المقام الأول، يليه علمها المسبق بأنها خسرت خلال السنوات الفائتة الداعمين الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب تبعيتها بشكل كامل لتركيا، وعدائها للقوات الشريكة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
وعلى الرغم من العداء بين الجانبين إلى أن قوات سوريا الديمقراطية بادرت مؤخراً لاستغلال التقارب التركي مع نظام الأسد، لتذكير المعارضة السورية بأن مصير الثورة السورية على المحك، بل وتعدت قسد مرحلة التذكير الشامت، وارتقت لمستوى الغزل تجاه المعارضة، في محاولة لثني الأخيرة عن موقفها الرافض لأي حوار مع قسد المدعومة أمريكياً.
ومن أبرز مؤشرات التحول القسدي في الموقف من المعارضة السورية، البيان الصادر عن مجلس سوريا الديمقراطية "مسد" الذي يُعد الذراع السياسي لقسد في شمال شرق سوريا، الذي أدان فيه التطبيع التركي مع النظام السوري، داعياً إلى توحيد قوى الثورة.
وقال البيان إن المجلس "ينظر بعين الشك والريبة إلى الاجتماع بين وزيري دفاع الحكومة التركية والسورية وبرعاية روسية"، مديناً بأشد العبارات ما اسماه "استمرار سفك الدماء السورية على مذبح الانتخابات التركية"، واصفاً ذلك بأنه محاولة لـ "تأبيد" سلطة الاستبداد في دمشق.
وتوجه البيان إلى الشعب السوري "بنداء يمليه الواجب والحق، لرفض التبعية والكف عن أن تكون دماؤنا وأجسادنا وأحلامنا أوراق تفاوض ومساومات في يد لاعبين لا تهمهم سوى مصالحهم ودوام سلطاتهم وسيطرتهم".
واعتبر البيان أن "المرحلة الدقيقة والحرجة التي يمر بها مشروع السوريين الأحرار، تتطلب منا كسوريين التكاتف والتعاضد متجاوزين كل الخلافات الزائفة التي يريد أعداء الشعب السوري تسعيرها وتعميق هويتها".
وشدد على أنه عندما يصبح "مستقبل بلدنا وحلم حريتنا على المحك تصبح كل الخلافات ترفاً، وكل انحناء للآخر وتبعية عمالة"، وأردف " "يدنا ممدودة وعقولنا منفتحة وأرضنا مرحبة بكل سوري حر يرى أن مستقبل سوريا وحرية شعبها تحوز الأولوية القصوى على كل ما عداها، وأن لا مصلحة ولا حق فوق مصلحة وحق الشعب السوري".
وختمت مسد البيان بالدعوة إلى "توحيد قوى الثورة والمعارضة" في وجه من وصفتهم بـ "بائعي الدم السوري على مذبح مصالحهم".
وبالعودة إلى المعارضة السورية، نرى أن المساعي الأمريكية لمنع سيطرة النظام السوري مجدداً على سوريا، ودعوات قسد لفتح قنوات الحوار، لم تدفعها لمراجعة السياسات المتبعة تجاه الملف السوري والأطراف الدولية اللاعبة فيه، ما يُثبت الفشل الكامل للائتلاف وفقدانه الحق في تقرير مصير الثورة السورية واصطفافاتها السياسية.
وعليه فإن المعارضة السورية بشكلها الحالي، وتمثيلها السياسي، باتت أقرب للأتراك والنظام السوري، من السوريين المشردين في مخيمات النزوح وبلدان اللجوء، وهو ما قد يُنذر بتصاعد الاحتجاجات الشعبية في شمال سوريا، الذي يرفض سكانه أي دعوة لمصافحة النظام السوري الذي قتلهم وشردهم على مدار أكثر من عقدٍ من الزمن.
وبناءً على ما ذكر فإن المعارضة السورية وعلى مدار الأعوام الفائتة، لم تستطع تقديم أي حلول للقضية السورية، بل إنها لم تتمكن من تصدير نفسها كـ "بديل حقيقي" للنظام السوري، رغم بشاعة الأخير وحالة الانعزال الدولية التي يعيشها، وهو ما سيدفع القضية السورية إلى مزيدٍ من الغموض والمصير المجهول، في ظل أطراف فاعلة تسعى لتعويم الأسد، وأطرافٍ أخرى تكتفي بالقول " الأسد مجرم" وندين التطبيع معه "واشنطن مثال".
وبين هذا وذاك تبقى المعارضة السورية النموذج الأمثل للفشل الداخلي والخارجي، وقيل قديماً من لايعمل لا يُخطئ، إلا أن الائتلاف وباقي الأجسام السياسية السورية كسرت هذا المثال وأثبت للسوريين والعالم أجمع أنه يُمكن للإنسان أن لا يعمل ويُخطئ في ذات الوقت.