تشهد الأراضي السورية سباقاً محموما بين مختلف القوى المنتشرة فيها على تجنيد الشباب السوري في صفوفها، ونشر القواعد العسكرية لاحكام سيطرتها وبسط نفوذها، خصوصا في المناطق التي باتت حلبة صراع تتداخل فيها مصالح القوى الدولية والإقليمية شمال وشرق سوريا.
فقد شهدت الأونة الاخيرة نشاطا غير مسبوق للمليشيات الإيرانية لتجنيد الشباب واليافعين في صفوفها، لاستقطابهم بالرواتب المغرية في ظل الظروف المعيشية المنهكة، او حتى باغراء ذويهم وتسهيل تنقلاتهم في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، واعتمدت إيران بشكل واسع على الطابع العشائري، باعتمادها على عدة شخصيات عشائرية دانت بالولاء المطلق لها في المناطق الشرقية لسوريا خصوصا في دير الزور، ففي محافظة الحسكة مثلاً قام الشيخ محمد الفارس من قبيلة طيء العضو في مجلس النواب السوري، بإنشاء ميليشيا عشائرية تدعى "المغاوير" وتعمل تحت راية قوات الدفاع الوطني وقد أقرّ علنًا بدور القوات الإيرانية و"حزب الله" في إنشاء الميليشيا وتدريبها، كما أنشأت عشيرة البو حمد "قوات مقاتلي العشائر"، الموالية لإيران بقيادة شيخ العشائر تركي البوحمد في محافظة الرقة، كما قام "نواف البشير" على تجنيد المقاتلين من عشيرته " البقارة" للانضمام إلى "لواء الباقر" والقتال إلى جانب الميليشيات الإيرانية في دير الزور بالإضافة إلى اللعب على الوتر المذهبي والطائفي.وكذلك الأمر بالنسبة للجنوب السوري الخاضع للنظام السوري والقوى الحليفة له، في محاولة لابتلاع الحاضنة الشعبية في تلك المناطق، بغية تثبيت نفوذها العسكري والاقتصادي والاجتماعي.
لقد عمدت إيران الى إنشاء مكاتب انتساب وتجنيد وقواعد عسكرية لمختلف فصائلها و استقدام التعزيزات، فيكاد لا يمر أسبوع، إلا وتنشئ فيه إيران قاعدة جديدة لمليشياتها وتطلق دعوات التجنيد والانتساب ونجحت حتى الآن في استقطاب آلاف المجندين في صفوفها.
وفي محاولات من الجانب الروسي لكبح جماح التوسع الإيراني كانت تحركاتها لاتقل نشاطا عن تحركات الأخيرة، حيث اعتمدت بدورها على الركيزة العشائرية مقابل توفير الأمن ومواجهة تمدد إيران وقوات سوريا الديمقراطية، فاتجهت بشكل مركَّز الى مدينة القامشلي وشيوخ عشائرها اضافة الى دير الزور ومدينة درعا جنوب سوريا التي سيطرت عليها القوات السورية والروسية عبر مصالحات عقدتها مع فصائل المعارضة، والتي بدورها أعادت تجنيدهم في الفيلق الخامس المدعوم روسيا، كما تستقطب روسيا عبر شركاتها الامنية مثل "فاغنر" ومندوباتها من الشركات الأمنية الخاصة التابعة للنظام السوري مثل القاطرجي والصياد والقلعة وغيرها الكثير من الشباب السوري، والتي تستميلهم بدورها بالاغراءات المادية والامنية، في سعي حثيث من روسيا لحماية المنشآت النفطية شمال شرق سوريا وكبح جماح التغلغل الإيراني من جهة والنفوذ الأميركي المتمثل بقوات سوريا الديمقراطية شرق سوريا من جهة أخرى، اضافة الى القوى التركية المتمثلة بالجيش الوطني شمال سوريا، كما تسعى روسيا خصوصا في الاونة الاخيرة على تثبيت قواعدها العسكرية واستقدام التعزيزات إليها ونشر حواجز مشتركة مع النظام السوري، وتعلن بشكل دوري عن وصول أحدث المعدات والاسلحة النوعية الى قاعدة حميميم وغيرها، ولكن على مايبدو ماتزال إيران تتفوق في الحرب الباردة وبسط النفوذ على الجانب الروسي.
وعن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والمدعومة بشكل مباشر من البيت الأبيض، والتي تسيطر على معظم الشرق السوري والحاضنة الكردية في المنطقة، تتبع قسد اسلوباً مغايراً في التجنيد الإلزامي فيما يسمى قوات الحماية الذاتية، وتشن حملات دهم واعتقالات موسعة في دير الزور والرقة والحسكة ومنبج، كما تعمد الى نشر حواجزها في مختلف مناطق سيطرتها لاعتقال الشباب والموظفين وسوقهم للخدمة الالزامية، وتفرض أسلوب حياة في مناطق سيطرتها يتمثل بالبطالة وغلاء المعيشة بغية دفع الشباب إلى الالتحاق بصفوفها هربا من واقع الحياة المزري، الأمر الذي ادى الى موجات نزوح وهجرة هرباً من التجنيد، كما اشتعلت المنطقة بالمظاهرات ودعوات الاضراب احتجاجا على ممارسات قوات سوريا الديمقراطية والأحزاب التابعة لها، وبالنظر إلى واقع الامر فان "قسد" تحاول التأكيد على فكرة أنها إدارة متكاملة مدنية وعسكرية تعمل على تشكيل "نواة دولة" أو حكم ذاتي، لتكون مستقبلاً بديلاً عن النظام السوري وكيان منفصل وانها المسؤولة عن حفظ الأمن في مناطق سيطرتها، ضد التمدد الإيراني والروسي والتركي في المنطقة.
وعلى صعيد المعارضة المسلحة في الشمال السوري والخاضعة للسيطرة التركية فقد انتهجت شكلاً مغايراً عن سابقتها فعمدت إلى تنظيم القوة العسكرية كنموذج دولة مستقلة، فأعلنت في وقت سابق هيئة تحرير الشام عن تأسيس إدارة التجنيد العسكري والتي يتبع لها 8 شعب تجنيد تتوزع على المدن والمناطق الكبيرة، وهي شعب أطمة وحارم وجسر الشغور وأريحا والمنطقة الوسطى وسرمدا والمنطقة الشمالية ومركز المدينة إدلب، واستهدفت فئة الشباب بحملات دعائية لحضهم على الالتحاق بصفوفها، مستخدمة الدافع الجهادي عبر قادة من الصف الأول في الهيئة، بغية تنظيم الجهد العسكري وإيجاد بدائل عن التجنيد العشوائي.
كما أعلنت هيئة تحرير الشام عن عزمها إطلاق كلية حربية لتستقبل القادمين من شعب التجنيد، فعمدت في الآونة الاخيرة على الاجتماع بضباط من رتب كبيرة منشقين عن النظام السوري للتحضير وهيكلة الكلية، التي لن تكون فقط معسكراً لتدريب عناصر تحرير الشام والمجندين الجدد وحسب بل أكاديمية للعلوم العسكرية تستقبل أصحاب الشهادات العلمية كطلاب ضباط والتي من المفترض أن تكون تحت قياد المجلس العسكري والذي يضم هيئة تحرير الشام والجبهة الوطنية للتحرير، والتي ستكون نواة لوزارة الدفاع في حكومة الإنقاذ التابعة لتحرير الشام، في إطار المنافسة مع فصائل الجيش الوطني التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة.