من بوابة العشائر والمساعدات تغلغل إيراني في الحسكة ومساعي لتشكيل ميليشيا محلية

مع توتر الأوضاع في مدينة الحسكة بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة، وقوات النظام السوري والميليشيات المساندة لها المرتبطة بإيران من جهة أخرى، عملت الأخيرة على تعزيز وجودها في الحسكة، مستغلةً الفراغ الروسي الذي خلفته الحرب في أوكرانيا، عبر عدة بوابات أبرزها الميليشيات والمساعدات الغذائية.
وقالت مصادر مطلعة من محافظة الحسكة لـ"وكالة المجس" إن الحرس الثوري الإيراني كثف نشاطه مؤخراً في محافظة الحسكة الخاضعة بشكل شبه كامل باستثناء المربعات الأمنية، لقوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبر المسيطر الفعلي على مناطق شمال شرق سوريا، وذلك بهدف تعزيز الوجود الإيراني في المنطقة، عن طريق استمالة شيوخ العشائر في المحافظة، من أولئك الذين لازالوا يكنون الولاء للنظام السوري، ويحافظون على تواصلهم الدائم معه.
وكشفت المصادر عن عدة أساليب تتبعها إيران في استمالة شيوخ العشائر العربية، عبر المال تارة، وإطلاق الوعود بتسليمهم مناصب رسمية حال سيطرة النظام على المحافظة تارة أخرى، مشيرةً إلى أن إيران لجأت إلى شيوخ العشائر لعلمها بالنفوذ الواسع الذي يتمتعون به داخل عشائرهم، ولقدرتهم على استقطاب عدد كبير من الشبان والأهالي إلى صفوف الميليشيات الإيرانية.
مخطط لتشكيل ميليشيا عشائرية تابعة لإيران في الحسكة
مصادر معارضة من قبيلة طي العربية، كشفت لـ"المجس" عن وجود مخطط إيراني لتشكيل ميليشيا عشائرية محلية في محافظة الحسكة، تخدم أجندة طهران وتتبع بشكل مباشر للحرس الثوري الإيراني، وذلك عبر أحد شيوخ عشيرة الراشد المدعو "علي الخليف"، مبينةً أن الأخير اجتمع عدة مرات خلال الأيام القليلة الماضية، مع ضباط إيرانيين وذلك بهدف تشكيل الميليشيا في محافظة الحسكة شمال شرق سوريا.
وأشارت المصادر إلى أن الخليف وبرفقته وجهاء عشائريين اجتمعوا أول أمس الثلاثاء، في "فوج كوكب" الخاضع لسيطرة النظام السوري، مع وفد إيراني رفيع المستوى، وذلك لبحث سبل تشكيل ميليشيا محلية تتبع للرس الثوري الإيراني.
وأكدت أن الاجتماع انتهى، بالاتفاق على تشكيل فصيل عسكري بدعم من الحرس الثوري الإيراني، برواتب مالية كبيرة، وذلك بهدف استقطاب أكبر عدد من الأهالي الذين يعانون من أوضاع اقتصادية سيئة، لافتاً أن الاتفاق الأولي نص على انتشار عناصر التشكيل في مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة.
وشددت المصادر على أن إيران تهدف من نشر عناصر العشائر في مدينة القامشلي، إلى تعزيز موقف النظام داخل المدينة، وذلك بعد محاصرة مربعاته الأمنية من قبل قوات سوريا الديمقراطية، وسيطرة الأخيرة على عدد من المباني والكتل التابعة له، وأردفت " إيران تريد زج العشائر في مواجهة مع قوات سوريا الديمقراطية في القامشلي، لصالح النظام السوري".
وبينت أن  الحرس الثوري الإيراني متواجد بالأصل في مدينة القامشلي ولكن بأعداد قليلة، حيث ينحصر تمركزه في "فوج طرطب" الذي يقع على أطراف مدينة القامشلي ويسيطر عليه النظام السوري، مرجحةً أن يكون الفوج المذكور مركزاً لتدريب المليشيا الجديدة.
الوضع الاقتصادي خاصرة رخوة تسمح بالتغلغل الإيراني
من جانبه أشار الصحفي "حسين حمدان" وهو من أبناء محافظة الحسكة، إلى أن الوضع الاقتصادي المتردي الذي يُعاني منه أهالي مناطق شمال شرق سوريا، قد يفتح أبواب التغلغل الإيراني على مصراعيها، مشيراً إلى أن الخليف قدم وعوداً لأبناء العشائر بتوزيع مساعدات غذائية عينية على عوائلهم، فضلاً عن تسليمهم رواتب كبيرة مقارنةً بتلك التي يتقاضاها عناصر النظام السوري، وعناصر قوات سوريا الديمقراطية.
وقال الحسين إن إيران وأذنابها في محافظة الحسكة، استغلوا الوضع الإنساني الصعب للأهالي في تمرير مخططاتهم لتشكيل ميليشيا مسلحة داخل الحسكة، مؤكداً أن تدهور الأوضاع المعيشية قد يسمح للمشروع الإيراني بالمرور، وذلك بسبب انعدام فرص العمل في المحافظة، وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية على كافة الموارد واحتكار المقربين منها لكافة القطاعات المالية.
وأضاف أن إيران لجأت إلى قبيلة طي، وذلك بسبب حضورها الكبير في مدينة القامشلي وريفها الشرقي، مشيراً إلى أن عدداً من شيوخ ووجهاء هذه العشيرة موالون للنظام وللحرس الثوري الإيراني، ويحاولون السيطرة على زعامة القبيلة، مستغلين الانقسامات الحاصلة داخلها، بعد وفاة شيخها محمد الفارس العام الفائت، والذي يُعتبر هو الآخر من أشد المؤيدين للنظام السوري.
الانتشار الإيراني في الحسكة
امتلك الإيرانيون منذ دخولهم إلى مناطق سيطرة النظام شمال شرق سوريا، حضوراً محدوداً في مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة، إلا أن هذا الحضور بدأ بالتمدد شيئاً فشيئاً خلال الأعوام الأخيرة، حتى باتوا يسيطرون على عدة معسكرات داخل ريف المدينة وخارجها، وفقاً لمصادر محلية.
وأضافت أن الإيرانيين يسيطرون على أكثر من معسكر في ريف مدينة القامشلي، مشيرةً إلى أن القيادي في حزب الله اللبناني "الحاج مهدي"، المتمتع بعلاقة قوية مع شيوخ قبيلة طي،  يُشرف بنفسه على الحضور الإيراني في عموم محافظة الحسكة.
وكشفت عن وجود فصيل آخر في القامشلي يتبع للحرس الثوري الإيراني يُدعى "قوات المهام"، فضلاً عن ميليشيات الدفاع الوطني التي باتت تتبع لهم، بعدما توقف الجانب الروسي عن دفع رواتب عناصرها، وتكفل الجانب الإيراني بذلك، حيث يُسيطر الدفاع الوطني على قرابة 30 قرية في ريف القامشلي يقطنها أبناء قبيلة طي العربية.
وتُشير المصادر إلى الدور البارز للقيادي اللبناني "الحاج مهدي" في تأليب العشائر العربية على قوات سوريا الديمقراطية، والقوات الأمريكية المتواجدة في الحسكة، مؤكدةً أنه يُعتبر المسؤول المباشر عن اعتراض الدوريات الأميركية في المنطقة من قبل الأهالي، بأوامر مباشرة منه.
وشددت على أن إيران استغلت بقوة الانشغال الروسي في أوكرانيا، لإعادة تموضعها في الحسكة حيث كان الوجود الإيراني في الحسكة قوياً عام 2014، لكنه تراجع مع دخول الروس في 2019، وهو ما دفع إيران إلى إعادة تصدير نفسها في المنطقة عبر إعادة قنوات التواصل مع الشخصيات العربية الموالية لها.
محاولات مستميتة لشق قبيلة طي
وفي تشرين الأول الفائت كشفت وكالة "المجس"، عن انعقاد مؤتمر، يضم وجهاء من عشيرة بني سبعة، بينهم قيادي بارز في ميليشيا الدفاع الوطني وعضو حالي بمجلس الشعب التابع للنظام  السوري، مضيفةً أن المؤتمر انعقد في قرية أبو توين بمنطقة القامشلي، التي تعتبر من مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د"، وذلك بدعم كامل من الإيرانيين في المنطقة بهدف انفصال المجتمعين عن قبيلة طي العربية.
الإيرانيون استعانوا حينها بالمدعو "حسين الحجي"  لتنفيذ مخطط يهدف إلى  شق صف قبيلة طي، عبر الانشقاق بجزء من عشيرة بني سبعة لتشكيل قبيلة منفصلة عن طي بحجة انتساب بني سبعة إلى "آل البيت"، ووفقا للتقرير فإن الخطة مدعومة من طهران عبر أحد قادة الحشد الشعبي وهو الشيخ "خضر الفرحان السبعاوي الحسيني"، مبينا أن الأخير هو المتحدث باسم "حشد عشائر كركوك"، وكان أحد الحاضرين بالمؤتمر.
كما شارك عضو مجلس الشعب والقيادي في ميليشيا الدفاع الوطني "حميد الأسعد"  في المؤتمر وعمل على توزيع سلل غذائية ومبالغ مالية على عائلات الدفاع الوطني وبشكل خاص قتلى الميليشيا في الاشتباكات التي
جرت حينها مع ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د" في حارة طي بالقامشلي، بهدف كسب ولائهم المطلق، وأشار التقرير إلى أن عراب المؤتمر هو رجل إيران بالقامشلي المدعو "سالم الهلوش" القائد في الدفاع الوطني وكتائب البعث ويقود أيضاً كتيبة تابعة لحزب الله اللبناني.
وتنتشر القبائل العربية على رقعة واسعة من الجغرافية السورية، وترتبط معظم العشائر العربية ببعضها بصلاة قرابة محلية وقد تكون عابرة للحدود أحياناً، وتعتبر العشائر السورية من أبرز مكونات الشعب السوري، وتمثل مانسبته 50% من السكان السوريين.
ويتركز القسم الأكبر من العشائر السورية شمالي شرق سوريا، حيث تمثل محافظات دير الزور والحسكة والرقة الثقل الأكبر لوجود العشائر السورية، كما تنتشر العشائر في محافظتي درعا والقنيطرة جنوباً وريفي إدلب وحلب شمالاً إلى مدينة حماة وسط البلاد، فيما تعتبر حمص من أكثر المدن السورية التي يسكنها أبناء العشائر وينتشرون في معظم أحيائها.