فرضت قوات النظام السوري منذ مطلع آب الجاري حصاراً جديداً على حيي شيخ مقصود والأشرفية ومناطق الشهباء بريف حلب الشمالي، وذلك على الرغم من التعاون العسكري بين قسد والنظام السوري لصد التهديدات التركية، ما يُشير إلى وجود غايات بعيدة من الحصار الحالي,
وقالت مصادر محلية لـ"وكالة المجس" إن قوات الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق رأس النظام السوري " ماهر الأسد" منعت منذ مطلع آب الجاري، وصول المواد الغذائية والمحروقات إلى حي الشيخ المقصود بحلب، التابع لسلطة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
وأضافت المصادر أن منع دخول المحروقات إلى الحي تسبب بإيقاف العمل داخل الورشات الصناعية المتواجدة في الحي، بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وعدم وجود محروقات لتشغيل المولدات الكهربائية التي يعتمد عليها التجار وأصحاب المعامل في تسيير أعمالهم.
وأشارت المصادر إلى أن الفرقة الرابعة فرضت قيوداً تدريجية على إدخال المواد الغذائية والسكر والطحين للأفران المتواجدة في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في حلب، مشيرةً إلى أنه منعت مؤخراً بشكل قاطع إدخال تلك المواد، وذلك في تكرار للحصار الذي فُرض على هذه الأحياء في شهر نيسان الفائت، وانتهى بوساطة روسية.
من جانبها أصدرت شبكة نشطاء “عفرين تباد”، بياناً أدانت فيه استمرار حصار النظام، على مناطق الإدارة الذاتية في حلب "الشيخ مقصود، الأشرفية، شقيف، السكن الشبابي، مناطق الشهباء" مشيرةً إلى أن أغلب قاطني تلك المناطق هم من مهجري مدينة عفرين الذين نزحوا عُقب سيطرة تركيا والجيش الوطني عليها.
وأشار البيان إلى أن قوات النظام تمنع دخول المواد الغذائية والمحروقات والأدوية والطحين إلى تلك الأحياء، داعياً المنظمات الدولية المعنية بالملف السوري للتدخل ووقف هذا الحصار بحق المدنيين.
رسائل سياسية وعسكرية
الكاتب والصحفي الكردي "أمجد هورو" قال في حديث لـ"المجس" إن الحصار المفروض من قبل قوات النظام السوري على أحياء الإدارة الذاتية في حلب، ليس الأول من نوعه، إلا أنه يحمل في هذا التوقيت عدة رسائل سياسية وعسكرية إلى الإدارة وقسد من جهة، وتركيا من جهة أخرى.
وأضاف هورو أن النظام ومن خلال الحصار الحالي على مناطق الشهباء والأحياء الكردية، يُريد إيصال رسالة لقسد والإدارة الذاتية بضرورة التفاوض معه والقبول بإعطائه مساحات أوسع في مناطق سيطرتها في شمال شرق سوريا، مقابل تخفيف الحصار عن مناطق سيطرتها في حلب.
وأشار إلى أن النظام السوري يُريد انتزاع سلطة أوسع لقواته وأجهزته الأمنية في الحسكة التي تُعاني بشكل دائم من حصار المربعات الأمنية التابعة لها هناك، مبيناً أن النظام يهدف للسيطرة على أحياء جديدة في الحسكة بالاتفاق مع قسد، مقابل فك الحصار عن أحياء حلب ومناطق الشهباء.
ولفت إلى أن الحصار أيضاً يهدف إلى رفع أسعار المواد الغذائية والمحروقات في مناطق سيطرة الإدارة بمحافظة حلب، وهو ما يُعزز فرص الفرقة الرابعة بتحصيل إتاوات وغرامات أكبر على دخول تلك المواد، كما أنه يُتيح المجال للمتعاملين مع الفرقة لإدخال مواد بكميات قليلة وبأسعار تُعادل خمسة أضعاف الأسعار الحالية.
ورأى هورو أن الحل الوحيد أمام الإدارة الذاتية لتفادي ضغوطات النظام السوري المدعوم من روسيا، يكمن في فرض حصار على مناطق النظام السوري في محافظة الحسكة، والمتمثلة بالمربعات الأمنية، وذلك لإرغام النظام على فك الحصار عن مناطق الشهباء وأحياء حلب.
وأضاف أن قسد تمتلك ورقة كبيرة في مناطق ريف حلب الشمالي والرقة التي تشهد انتشاراً مشتركاً مع قوات النظام السوري، مشيراً إلى أن قسد تستطيع التضييق على تحركات ضباط وعناصر النظام السوري في النقاط المشتركة، كما أنها قادرة على منع وصول المواد الغذائية لهم في مناطق انتشارهم.
حصار متجدد
ولا يُعتبر حصار الأحياء الكردية ومناطق الشهباء الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، أمراً جديداً على الساحة السورية حيث شهد شهر نيسان الفائت حصاراً متبادلاً بين قوات النظام السوري وقسد، استهدف كلاً من المربعات الأمنية في الحسكة ومناطق سيطرة الإدارة الذاتية في محافظة حلب.
وعمدت قسد حينها إلى قطع الخبز عن قوات النظام السوري في مدينة القامشلي بعد محاصرتها لفرن البعث في المدينة، وذلك على خلفية قيام الفرقة الرابعة بمنع دخول الطحين والمحروقات إلى حيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب.
ووفقاً لتقرير سابق لـ"المجس" فإن قوات الأسايش حاصرت فرن البعث في مدينة القامشلي، المصدر الرئيسي لتزويد لقوات النظام والأجهزة الأمنية بالخبز، وانتشرت أمام الفرن ووزعت سيارات دفع رباعي تحمل رشاشات متوسطة في محيطه ومنعت دخول السيارات التابعة النظام من الدخول للتزود بالخبز.
كما شهد الحصار المذكور اتهامات متبادلة بين النظام وقسد، حيث قالت وسائل إعلامية تابعة لقسد والإدارة الذاتية، إن النظام فرض حصاراً خانقاً على الحيين الكرديين، عبر منع إدخال شحنات المواد الغذائية والطحين والمحروقات إليهما منذ عشرين يوماً، كما نشر مكتب محافظ الحسكة، عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بياناً قال فيه إن ميليشيا قسد تحاصر مخبز البعث وتمنع دخول الطحين والمازوت الى المخبز، ما يؤدي إلى توقف المخبز عن العمل، وفقدان مادة الخبز في أحياء مدينة القامشلي.
وفي شباط الفائت، اقتحمت قوات "الأسايش" الذراع الأمني لقوات سوريا الديمقراطية، بناء "التأمينات الاجتماعية والعمل" التابع لمؤسسات النظام السوري، وقاموا بكسر الأبواب ووضع قوات أمنية تابعة لهم أمام البناء.
وفي كانون الأول الفائت عاودت العلاقة بين النظام السوري والإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، إلى التوتر وذلك بعد فرض قوى الأمن الداخلي "الأسايش"، التابعة للإدارة، حصاراً على مربعين أمنيين للنظام في محافظة الحسكة، وذلك على خلفية اعتقال النظام ، أربعة من كوادر قوات سورية الديمقراطية "قسد"، كانوا يتلقون العلاج في أحد مستشفيات دمشق.
وفي منتصف آذار الفائت اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية 4 أعضاء من حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في سوريا، أثناء محاولتهم الانتقال من مناطق سيطرتها إلى مناطق سيطرة النظام السوري، متهمةً إياهم بالترويج لفكر المصالحة والتسوية في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، وهو أمر تُجرمه الإدارة الذاتية وقسد، وتتخذ ضد مرتكبيه كافة الإجراءات القانونية.
وتتشارك قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري السيطرة على مدينة القامشلي وعدة مناطق في حلب وريفها، وتُعد سياسة الحصار المتبادلة بين الجانبين، إحدى وسائل الضغط المتبعة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، حيث يعمد النظام في كل مناسبة على فرض حصار على الأحياء الكردية، وذلك بهدف إرغام قسد على تقديم تنازلات تتعلق بانتشار قوات النظام في مناطق سيطرتها، وكميات النفط المُرسلة إلى مناطق سيطرته عبرها.