الخلاف بين عزم وفرقة السلطان سليمان شاه.. واحتمالات تدخل هيئة تحرير الشام

منذ مطلع كانون الأول الفائت شهدت العلاقة بين غرفة القيادة الموحدة "عزم"، وفرقة "السلطان سليمان شاه"، تأزماً كبيراً، إثر فتح "عزم" ملف انتهاكات فصيل "أبو عمشة" المنضوي في صفوفها، وتجاوزاته بحق المدنيين في منطقة "الشيخ حديد" بريف عفرين.
التأزم المذكور ليس الوحيد بين أبو عمشة، وعزم، حيث سبق وأعلن أبو عمشة خروجه من غرفة القيادة الموحدة بسبب ما أسماه القسمة الظالمة وضعف التمثيل، ما خلف توترات وحشد أرتال عسكرية بين الطرفين، انتهت بوساطات محلية أسفرت عن قبول عودة فرقة السلطان سليمان شاه إلى صفوف عزم، وعملها ضمن حركة ثائرون بقيادة فهيم عيسى، وفق شروط أبرزها تعاون الفرقة مع القضاء، وتسليم كل من يثبت عليه تجاوزات وانتهاكات لتسويتها.
وفي تشرين الثاني الفائت بدأت اللجنة المشتركة لرد الحقوق في عفرين وريفها المدعومة من قبل الجيش الوطني السوري، إجراء عدة جولات في منطقة الشيخ حديد التي تعقد المعقل الأكبر لفصيل أبو عمشة، للاستماع إلى شكاوى المدنيين، وتسجيل الانتهاكات المرتكبة بحقهم، وإفادات الشهود، وأعلنت في السادس من كانون الأول، انتهاء الجولة في الشيخ حديد، مؤكدةً حل كل القضايا المقدمة بالتعاون مع فرقة السلطان سليمان شاه.
ووفقاً لمصادر مطلعة على مجريات التحقيق فإن القضايا المذكورة، التي قيل إنه تم حلها، تتعلق فقط بزيت الزيتون الذي تم جنيه من المزارعين لصالح فرقة أبو عمشة على شكل "إتاوى"، مشيرةً إلى أن أبو عمشة أصدر تعليمات لعناصره باسترداد كميات الزيت مجدداً من المزارعين، وذلك بعد مغادرة اللجنة قرية الشيخ حديد.
وبعد ظهور عدة تسجيلات على مواقع التواصل الاجتماعي، يُنسب بعضها إلى مقربين من أبوعمشة، تحدثوا خلالها عن انتهاكات جسيمة ارتكبها فصيل أبو عمشة في مناطق شمال سوريا، وامتد بعضها ليصل إلى ليبيا حيث يشغل أبو عمشة الإشراف على قوات الجيش الوطني هناك، بادرت غرفة عزم، باعتبارها مسؤولة بشكل مباشر عن فصيل أبو عمشة المنضوي ضمن صفوفها، بتسريب شهادات هي الأخرى عن جرائم وانتهاكات أبو عمشة بحق المدنيين في المنطقة التي يسيطر عليها، وبحق عناصره أيضاً، متوعدةً بمحاسبة الفرقة عسكرياً، ومهددةً باستئصالها بشكل كامل، بحسب مصادر مقربة من "عزم".
تجارة مخدرات وانتهاكات في ليبيا
ضجت وسائل التواصل الاجتماعي، بتسجيل مصور لشخص يدعى "محمد العمار" على صلة قرابة بالقيادي في الجيش الوطني محمد الجاسم الملقب بـ"أبو عمشة" تحدث خلاله عن علاقة الأخير بتجارة المخدرات وتصديرها إلى ليبيا.
وكشف العمار في التسجيل عن عدة ملفات أبرزها تجارة المخدرات وتحصيل الإتاوات من قبل القيادي أبو عمشة، فضلاً عن عمليات ابتزاز وخطف وتجارة مخدرات، واعتقالات بشكل غير قانوني قال إن بو عمشة نفذها في ليبيا، مستغلاً نفوذه والصلاحيات الممنوحة له في إدارة قوات الجيش الوطني العاملة في ليبيا.
وأضاف العمار في خلال سرده لعمليات التشبيح والانتهاكات المنفذة من قبل أبو عمشة، أن الأخير قام باعتقال والده في ليبيا لرفضه دفع مبلغ 200 ألف دولار كإتاوة، مبيناً أن قوات أبو عمشة أودعت والد العمار في السجن على الرغم من انضمامه لقوات الجيش الوطني وقتاله معها في ليبيا، موضحاً أن عائلته دفعت لأبو عمشة مبلغ مليون ومئة ألف دولار لقاء إطلاق سراحهم، وذلك بعد تعرضهم للتعذيب على يد قواته في ليبيا، مبيناً أن والده قام بتقديم شكوى رسمية للجانب التركي، عُقب استدعائه إلى أنقرة، إلا أن الجانب التركي قام بتوبيخ والده، وإعادته إلى سجون أبو عمشة في ليبيا، ليطالب الأخير بقتلهم أو تنفيذ إجراءات الطلاق المتعلقة بقريبات أبو عمشة.
ولفت العمار أنه اضطر إلى تطليق زوجته "شقيقة أبو عمشة" وذلك لتعرضهم للسجن لمدة أربعة أشهر في المرة الثانية دون توجيه أي تهم جنائية أو قضائية بحقهم، وذلك لإجبارهم على تنفيذ طلبات أبو عمشة المتعلقة بالطلاق، وبعد رضوخهم لمطالب أبو عمشة، فوجئوا بتوجيه تهم الاحتيال والإتجار بالمخدرات ضدهم، فضلاً عن تهم أخرى بتهريب وبيع السلاح، مبيناً أنه وبعد توجيه التهم إليهم، استطاعوا الفرار من السجن في ليبيا، نافياً التهم الموجهة إليهم ومؤكداً أنه يملك دلائل ومقاطع فيديو تثبت تورط أبو عمشة بتجارة المخدرات والسلاح، والقيام بعمليات احتيال وخطف بهدف تحصيل إتاوات وأموال إضافية.
لجنة من عزم لحل لتسوية القضايا العالقة
"عزم" شكلت لجنة للعمل على إعادة الحقوق إلى أصحابها، وقالت إنها ستستدعي كل شخص يثبت بحقه جرم، إضافةً للمطلوبين، و ذلك لتحويلهم للقضاء ليحاسبوا على انتهاكاتهم، مبينةً أن قياديي فصيل السلطان سليمان شاه سيكونون على رأس المطلوبين للمثول أمام القضاء، مضيفةً أنه في حال رفض أي شخص تسليم نفسه للقضاء، ستلجأ عزم إلى القوة والحزم لضبط الأمور واعتقال المطلوبين وإعادة الحقوق لأهلها، متوعدةً باستخدام القوة ضد أي فصيل سيساند المطلوبين أو يقف في وجه القوة المخولة باعتقالهم.
تصريحات عزم النارية جاءت، بعد توافق بين قيادتها وحركة ثائرون وفرقة السلطان سليمان شاه على تشكيل لجنة من ثلاثة أشخاص، ومنحهم الصلاحية في استدعاء الشهود والاستماع إليهم، وإصدار الأوامر باعتقال المطلوبين، وتكونت اللجنة حينها من عضو المجلس الإسلامي السوري، الشيخ "عبد العليم العبد الله"، والشيخ "موفق العمر"، والشيخ "أحمد العلوان".
سجالات أعقبت التسريبات
وبالتزامن مع بدأ اللجنة المكلفة بمتابعة القضية ولقاء الشهود والاستماع للشكاوى المقدمة ضد فرقة السلطان سليمان شاه، دارت حرب مستعرة وسجال إعلامي كبير، على مواقع التواصل الاجتماعي، بين أنصار فرقة السلطان سليمان شاه، وأنصار عزم، وامتد السجال ليطال قادة جعلوا من حساباتهم رأس حربة لمهاجمة فصيل أبو عمشة، ليرد الأخير أيضاً بسلسلة تغريدات على المنتقدين.
وقال أبو عمشة في رده على التسريبات والبيانات الموجهة ضده، إنه مستعد للخضوع إلى لجنة تحقيق محايدة مدعومة من قيادة عزم دون قيد أو شرط، مع تأكيده على حق عزم في استئصال كل من يعرقل التحقيق أو يمتنع عن الحضور من المطلوبين.
أبو عمشة لم يكتفي بالخضوع للجان التحقيق المحايدة، بل وسع نشاطه ليشمل موقع تويتر الذي بات أشبه بساحة حرب بينه وبين بعض قادة فصائل المعارضة، الذين اتهموه بارتكاب انتهاكات.، ما اضطره للرد بشكل شخصي، الأمر الذي أدى إلى توسيع دائرة الخلاف، وتعميق الشرخ الحاصل بين أبو عمشة وباقي فصائل المعارضة.
التغريدات المناهضة لأبو عمشة غزت موقع تويتر، و أبرزها تغريدة "كنان نحاس" القيادي السابق في حركة أحرار الشام المنضوية في عزم، قال فيها " من مزايا أبي عمشة ومدرسته "الأمنية" أنه يجبر عناصر فصيله على شكره وتمجيده بعد أي تغريدة، ورغم أن هذا الأمر يساعد في محو الأمية "الكتابية"، ولكنه يعمق الأمية "المعرفية" ويسحق "الكرامة الإنسانية".
أبو عمشة سارع للرد على تغريدة النحاس بالقول " الحمد لله على نعمة الأمية التي كانت سبباً في ألا نعقد صفقة المدن الأربعة وألا نكون حصان طروادة التي ركبته داعش وألا نضحي بخيرة شباب الثورة في خدمة قيادة ضعيفة هزيلة فشلت في كل التحديات من الدفاع عن حمص ثم إدلب فشلتم سابقا فلماذا تحاولون إعادة التجربة الفاشلة بمناطق الجيش الوطني".
فيما نُشرت شهادة منسوبة للشيخ عبد الناصر العلوان "أبو إسلام الحموي"، جاء فيها أن "أبو عمشة بفساده المتكاثر كالسرطان وصل لمرحلة لا يصلح معه فيها إلا الاجتثاث من الجذور"، وأن "أبو عمشة وإخوته فرضوا مكوساً باهظة على أهالي الشيخ حديد، بلغت 8 دولارات سنوياً على الشجرة المثمرة، و4 على غيرها، وربع محصول الزيت على كل أرض، عدا عن السرقات والجبايات الأخرى".
ليرد أبو عمشة في تغريدة "الشيخ عبد الناصر علوان أبو إسلام الحموي رجل من رجال الثورة السورية المباركة، أدعو أخي الشيخ أبو إسلام أن يأتي إلى قطاعنا ويحقق بنفسه، وإذا تأكد من وجود مظالم فليقتص منا بيده وإذا وجد عكس ما سمع فليعتذر".
فيما قال الشيخ "أحمد الحلوي"، إن زوال أبو عمشة دين يُتقرب فيه إلى الله، وفساده لا يُزال إلا بالقتل"، مضيفاً أنه يتابع ملف أبو عمشة منذ عامين، وتم عرض ذلك الملف على 7 من قادة الفصائل، معتبراً أن الكارثة الحقيقية أن "القوم" حفرة موبوءة بالأمراض النفسية.
بينما اعتبر أبو عمشة أن ما يُنسب لفصيله من انتهاكات مجرد "تهم معلبة مصنوعة في غرف معينة معلومة من جهات مدلسة مرهونة"، مضيفاً أن وجود الفساد في أيام الحرب والاضطرابات أمر لا غرابة فيه، لأن "الهم الأول يكون لمقارعة العدو على الجبهات، وإرجاء الإصلاحات الداخلية إلى وقت يكون الاستقرار فيه أكثر".
أبو عمشة يعزل شقيقيه ويحيلهما للمحاسبة
اتبع محمد الجاسم " أبو عمشة" المنحى الدبلوماسي في قضايا الانتهاكات والفساد التي طالته وطالت فصيله، وحاول قدر الإمكان الظهور بمظهر المُذعن للحق والذي لايقبل وقوع أي ظلم من قبل عناصر فصيله، وعمل أنصار أبو عمشة على بث بروباغندا إعلامية مفادها أن الانتهاكات وقعت دون علمه، واستدلوا على ذلك بقرارات أصدرها أبو عمشة بحق شقيقيه، لتثبيت الدعاية الإعلامية القائلة أنه ليس على دراية بالانتهاكات الحاصلة.
وفي 25 كانون الأول، أعلن قائد فرقة السلطان سليمان شاه محمد الجاسم إقالة اثنين من أشقائه من مناصبهما العسكرية، وقال في تغريدة على موقع تويتر: "لأننا ندعم عمل لجنة تقصي الحقائق ولأننا ندعم تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين أياً كانت مواقعهم القيادية، قررت إقالة المسؤول الأمني والقائد العسكري من مناصبهم ريثما تنتهي اللجنة من عملها حتى يتبين البريء من المذنب"، وأضاف من كان مذنباً يجب أن يحاسب أياً يكن ومن كان بريئاً وجب رد اعتباره.
قرارات العزل الأخيرة طالت كلاً من المسؤول والقائد في المكتب العسكري لفرقة السلطان شاه الملقب ب"أبو سراج"، ورئيس المكتب الأمني سيف الجاسم وتكليف المقدم عمر الملحم رئيساً للمجلس العسكري والرائد حسان نقرش رئيساً للمكتب الأمني في الفرقة عوضاً عنهما، بحسب ما ذكر بيان صادر عن فرقة السلطان سليمان شاه.
تركيا اجتمعت بقياديين من غرفة عمليات عزم
بعد قرابة شهر من تأزم العلاقات بين فصيل السلطان سليمان شاه وغرفة عزم، وخروج عدة تسريبات حول مسار التحقيق، الذي ركز بشكل خاص على مقربين من أبو عمشة بذريعة وجود شهادات تثبت تورطهم في عمليات خطف واعتقال تعسفي، وفرض إتاوات، فضلاً عن استهداف العسكريين المُخالفين للأوامر بالرصاص حي في أرجلهم بهدف إعطابهم.
تدخل الجانب التركي الذي يُعتبر الداعم الأبرز لفصيل فرقة السلطان سليمان شاه خصوصاً، وفصائل الجيش الوطني بشكل عام، ومع تصاعد التهديدات الموجهة من قبل غرفة عزم تجاه قائد فرقة السلطان سليمان شاه، "أبو عمشة" الذي يتحدث التركية بطلاقة، وتربطه بأجهزة الاستخبارات التركية علاقة وثيقة، لكونه عراب التجنيد في مناطق النزاع التي شهدت دخلاً تركياً، كحرب ليبيا، وأذربيجان، لاحتواء الموقف ومنع تطور الأحداث، وخصوصاً بعد تأكيد عزم نيتها استئصال فصيل أبو عمشة، حال عدم رضوخه لنتائج التحقيقات، وتسليم المطلوبين.
وكشفت مصادر مطلعة في الجيش الوطني، فضلت عدم الكشف عن اسمها، لأسباب أمنية، أن اجتماعاً جرى مطلع كانون الثاني الجاري، بين ضباط من الاستخبارات التركية، وقادة من فصائل المعارضة السورية، من المنضوين ضمن صفوف غرفة عمليات عزم، حيث ركز الاجتماع الذي استمر قرابة 4 ساعات على قضية فرقة السلطان سليمان شاه.
وبحسب المصادر فإن الضباط الأتراك أبلغوا قادة فصائل المعارضة خلال الاجتماع، رفض أنقرة لقرارات غرفة عمليات عزم، الهادفة لاستئصال فصيل أبو عمشة، مؤكدةً أن أنقرة رفضت بشكل قاطع إنهاء فرقة السلطان سليمان شاه، مشددةً على ضرورة إيقاف الحرب الإعلامية بين الطرفين، والتخفيف من توتر الأجواء السائدة بين مناطق سيطرة عزم وسليمان شاه، فضلاً عن سحب الحشود العسكرية من قبل الطرفين.
وأشارت المصادر أن قادة الفصائل أبلغوا الجانب التركي، بافتضاح أمر أبو عمشة وفصيله، أمام جميع السوريين والمدنيين القاطنين في شمالي سوريا، مشددين على أن الإبقاء على أبو عمشة، قد يضر بسمعة الأتراك داخل المنطقة، ويُفقدهم الحاضنة الشعبية المُرحبة بوجودهم في شمالي سوريا.
وبينت المصادر أن قادة غرفة عزم اقترحوا على الجانب التركي، تنحية أبو عمشة عن قيادة الفرقة، وتعيين قائد جديد للفرقة، حيث رشح قادة الفصائل المدعو " مثقال العبد الله" كبديل عن أبو عمشة، وذلك لتجنيب المنطقة حرب الاستئصال والحفاظ على سمعة الأتراك في شمالي سوريا.
ووفقاً للمصادر ينحدر مرشح الفصائل الجديد، "مثقال العبد الله" من مناطق ريف حماة الشمالي الغربي، وكان يشغل منصب قائد فصيل” ألوية الأنصار” العامل سابقاً في مناطق ريف إدلب الجنوبي قبل أن تقوم هيئة تحرير الشام بالقضاء عليه، وإجبار عناصره إلى الخروج من إدلب باتجاه ريف حلب الشمالي عام 2014.
اندماج وخلاف معابر بين مكونات عزم وأبو عمشة المستفيد
وفي 23 كانون الثاني الجاري، أعلنت فصائل "حركة ثائرون" و"الجبهة السورية للتحرير" في بيانٍ، عن اندماجهما ضمن تشكيل جديد يحمل اسم "هيئة ثائرون للتحرير".، وجاء في البيان الذي نشر على مواقع التواصل الاجتماعي:" تأكيداً على حرصنا على رص الصفوف وتوحيد الكلمة نعلن اندماج حركة ثائرون والجبهة السورية للتحرير في تشكيل ثوري جديد باسم هيئة ثائرون للتحرير".
وتضم حركة ثائرون التي يقودها فهيم عيسى خمسة فصائل، "فرقة السلطان مراد، فيلق الشام - قطاع الشمال، ثوار الشام، فرقة المنتصر بالله، الفرقة الأولى ، وتتبع للقيادة العامة في غرفة عزم، التي قالت عن تشكيل الحركة إنها تأتي ضمن الخطط الرامية إلى توحيد مكونات الغرفة بشكل كامل.
وعُقب الاندماج باتت غرفة "عزم" تضم كتلتين كبيرتين من الفصائل، الكتلة الأولى وهي الفيلق الثالث بزعامة القائد العام للغرفة أبو أحمد نور، وأكبر فصائلها الجبهة الشامية، أما الكتلة الثانية ممثلة ب"ثائرون"، وقد أصبحت بعد الاندماج الأخير تضم 10 فصائل، بينها فرقة سليمان شاه التي يتزعمها محمد الجاسم "أبو عمشة"، وأكبر فصائلها، فرقة السلطان مراد التي يتزعمها فهيم عيسى، وهو الرجل الثاني في "عزم" وأحد قادة الفصائل الأكثر قرباً من تركيا.
ومع بداية العام 2022 حاولت فصائل "ثائرون" التابعة لغرفة "عزم" افتتاح معبر أبو الزندين للتبادل التجاري مع النظام لكنها فشلت بعد رفض قيادة "عزم" للخطوة، ورفضها انسحاب الفصيل الذي يسير شؤون المعبر الإنساني، وبعد الاندماج الأخير أصبح لـ"ثائرون" ثقل عسكري يوازي ثقل الفيلق الثالث الذي كان متحكماً في قرار الغرفة، وهو ما دفعهم، لتكرار محاولة افتتاح المعبر ملوحين بقوتهم وبالتصعيد العسكري.
وتُشير المصادر أن الاندماج الأخير بين الفصائل كان عبارة عن عملية اصطفاف داخل عزم تهدف إلى خلق توازن بين فريقين متنافسين، وإنهاء هيمنة الفيلق الثالث على الغرفة، مضيفةً أن الصدام الأول بسبب معبر أبو الزندين قد يكون شرارة انقسام صفوف عزم، وفي الغالب سيكون هناك تصعيد بين كتلتيها، خلال الفترة القادمة، مع وجود قضايا خلافية أخرى بينهما، لا سيما قضية فرقة سليمان شاه وزعيمها أبو عمشة".
وكان أبو عمشة قد غادر بفصيله صفوف الجبهة السورية للتحرير منشقاً عنها في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، لينضم إلى صفوف "ثائرون"، وبدا انضمامه حينها كمحاولة للتقرب من "عزم" لكي تغض الطرف عن القضايا المثارة حوله، لكن مساعيه فشلت أمام إصرار الغرفة على متابعة عمل اللجنة المكلفة بالتحقيقات ومتابعة القضايا، وبالأخص الفيلق الثالث الذي كان مهيمناً على قرار الغرفة.
مصادر مطلعة في الجيش الوطني السوري، رجحت أن فرص أبو عمشة وفصيله للإفلات من العقاب ومتابعة قضايا الانتهاكات باتت أكبر في الوقت الحالي بعد أن أصبحت هيئة ثائرون صاحبة نفوذ وقوة تنافس الفيلق الثالث داخل عزم". وأشارت إلى أن قيادة ثائرون قد تعمل على طي القضايا وإنهاء التحقيقات لأنها "لا تريد لمثل هذه الحملات أن تنجح، ففي حال إدانة أبو عمشة وقادة فصيله ومعاقبتهم فإنه سيأتي الدور على فصائل أخرى، وستكون محاربة الفساد والمفسدين ومرتكبي الانتهاكات كأداة في يد الفيلق الثالث للقضاء على منافسيه في المنطقة، وقد يأتي الدور على فصائل أخرى داخل ثائرون". بحسب تعبيرها.
هيئة تحرير الشام تدخل على خط الخلاف
ومع اقتراب لجنة "رد الحقوق" الإعلان عن نتائج تحقيقاتها، نشطت حسابات تابعة لقادة بارزين في هيئة تحرير الشام وحسابات مقربة من الهيئة على منصات التواصل بالحديث عن ضرورة تسلم جهة محايدة ملف التحقيق، الأمر الذي اعتُبر دلالة على رغبة الهيئة بالتدخل.
وفي كانون الأول اتفقت كل من فرقة سليمان شاه والفصائل المنضوية ضمن غرفة "عزم" على تشكيل لجنة لحل القضايا، بعد شكاوى السكان وتهم بالفساد لاحقت قادة الفرقة، ونص الاتفاق الذي جاء بعد وساطة فصائل في الجيش الوطني والمجلس الإسلامي السوري، على تسهيل عمل اللجنة وتسليم المطلوبين وإمكانية استخدام "عزم" الحل العسكري في حال نقض الاتفاق.
إلا أن قضية "فرقة السلطان سليمان شاه" قد تأخذ منحى جديداً، بعد انخراط هيئة تحرير الشام بالأزمة بين الفرقة وغرفة العمليات الموحدة (عزم) أبرز تشكيلات الجيش الوطني، مستغلةً مخاوف الفصائل العسكرية من محاولات "الجبهة الشامية"، التي تعتبر القوة الأكبر في "عزم"، السيطرة على المنطقة.
فرصة لتحرير الشام وزعيمها الجولاني
ومع تطورات القضية التي أخذت منحى تصعيدياً شمل الجميع تقريباً، حيث أعلنت كل من "حركة ثائرون" و"الجبهة السورية للتحرير"، الاندماج في تشكيل عسكري جديد حمل اسم "هيئة ثائرون للتحرير"، لا تعتبر هيئة تحرير الشام نفسها بمعزل عن هذه التغيرات، إذ ترى أن أي تطور وتوحد فصائلي يفوت عليها فرصة التوغل في المنطقة، وخسارة حلفاء لها.
وفي تغريدة على حسابه الذي يحمل اسم "جهاد عيسى الشيخ"، طالب القيادي البارز في هيئة تحرير الشام أبو أحمد زكور بأن تتم محاسبة المفسدين "من قبل جهات محايدة يثق الناس في دينها وقدرتها"، معتبراً أن محاربة الفساد يجب ألا تبقى "ذريعة للتغلب والقتال الداخلي"، كما رفض "تهميش الأجهزة الرسمية في مدينة عفرين، من شرطة عسكرية وغيرها"، الأمر الذي اعتبره كثيرون دلالة على رغبة الهيئة بالتدخل.
ورغم تأكيده على أن ما ينشره يمثل رأيه الشخصي، يرى متابعون أن حديث الزكور وزملاء له حول هذا المشروع، يشير إلى مخاوف الهيئة من سيطرة غرفة العمليات عزم على مناطق الجيش الوطني، ونجاح مشروعها في إخضاع فصائل المنطقة لقيادة موحدة وقوية.
وأضافوا أن تصريحات قادة تحرير الشام، تحمل في طياتها رسالة إلى الجانب التركي أكثر مما هي لفصائل الشمال، تريد من خلالها إثبات جاهزيتهم لقيادة مناطق المعارضة، وتقديم الهيئة على أنها الكيان الأكثر تنظيماً وقدرة على ضبط المنطقة أمنياً.
وأشاروا إلى وجود صراع واضح للهيمنة على الشمال، ومع تضارب هذه المشاريع من حيث الأهداف والاستراتيجية والعقيدة، فإن التوتر والاقتتال يعتبر الحدث الاعتيادي، خاصة وأن جبهات القتال مع النظام تشهد هدوءاً نسبياً، ما يتيح لهذه القوى الالتفات لمشاريع الهيمنة والتسلط وبناء التحالفات والتكتلات العسكرية بين القوى المختلفة فكرياً وعقائدياً بهدف القضاء على مشاريع مضادة لها".
اتهامات طالت تحرير الشام بمساعدة أبو عمشة
ويتهم مسؤولون ومقربون من الجبهة الشامية، تحرير الشام بتقديم المساعدة لفرقة السلطان سليمان شاه وتعزيز قواتها عن طريق مجموعات تابعة للهيئة تنشط في منطقة غصن الزيتون، بهدف تقوية الفرقة مؤقتاً وتأخير خضوعها الكامل لقرارات لجنة حل القضايا.
ويُشير قادة في الجبهة الشامية، أن تقديم الهيئة المساعدة لأبو عمشة تندرج في إطار محاولات كسر حملة "عزم" الحالية، وضرب مشروعها المبني على توحيد المنطقة وضبطها أمنياً وعسكرياً، لما يحمله من مكاسب عسكرية تتمثل بتحجيم دور الجبهة الشامية، وتسويقها أمام السوريين على أنها الوحيدة القادرة على ضبط مناطق المعارضة، خاصة بعد فشل محاولات التقارب بين الجهتين العام الماضي.
وكانت الجبهة الشامية قد عملت، مطلع 2021، على تطوير علاقاتها مع تحرير الشام، ومحاولة التوصل إلى مشروع عسكري قادر على دمج مقاتلي الهيئة ضمن صفوف الجيش الوطني وإعادة تعويمها من جديد، بهدف تخليص الجانب التركي من هذه المهمة التي تساهم في إضعاف موقفه خلال التفاوض مع روسيا، إلا أن الجانبين قد فشلا في التوصل إلى رؤية واضحة للمشروع الجديد، نتيجة تمسك كل طرف بالسلطة والاستحواذ على المراكز القيادة، الأمر الذي فاقم الخلاف بين الطرفين.
خاتمة
رغم التوتر بين "عزم" وهيئة تحرير الشام، وتسليم الهيئة لصعوبة السيطرة على ريف حلب عسكرياً، إلا أنها لا تخفي اهتمامها وطموحاتها بالتوسع باتجاه المنطقة لما تحمله من مكاسب اقتصادية، حيث تنظر الهيئة إلى الفوضى الحالية في ريف حلب الشمالي من بوابة المطامع في امتداد نفوذها الأمني والاقتصادي إلى عفرين، بالنظر إلى صعوبة التوسع عسكرياً في منطقة غصن الزيتون.
ولا شك أن تحرير الشام تريد أن تخلق فرصة نفوذ اقتصادي لها في ريف حلب، مع توفر معلومات لدى قيادة الهيئة عن أن المنطقة سيكون لها دور اقتصادي كبير مستقبلاً، حيث تتم دراسة تحويل الحركة التجارية بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة الجيش الوطني من خلال معبر الحمام، والذي سيكون بطبيعة الحال على حساب معبر باب الهوى في ريف إدلب.
وترى تحرير الشام أن استمرار سيطرة فصائل الجيش الوطني على منطقة غصن الزيتون، قد يحرمها من المكاسب الاقتصادية المفترضة، والتي قد يزيد من صعوبة الوصول إليها تحقيق الفصائل مزيداً من التماسك، وهو ماتعمل الهيئة على ضربه عبر دعم فصيل السلطان سليمان شاه، وإصدار تغريدات حول ضرورة أن تكون المنطقة تحت قيادة موحدة، في إشارة واضحة لرغبتها بالدخول إلى ريف حلب، برضا تركي، عبر تصدير نفسها للجانب التركي على أنها الجانب الوحيد القوي القادر على ضبط الأمور.
ومن المتوقع أن تكثف هيئة تحرير الشام في هذه الفترة من دعمها لأبو عمشة وفصيله، وذلك في إطار مساعيها الرامية لإفشال غرفة القيادة الموحدة عزم، وضرب أي مشروع مستقبلي للتوحد في ريف حلب الشمالي، قد يخلق كياناً موازياً للهيئة من حيث التنظيم والقوة العسكرية، وهو ما عملت الهيئة على منعه منذ سيطرتها التامة على شمال غرب سوريا، ودفعت لأجله الكثير من الدماء في حربها مع فصائل الجيش الحر وغيره من الحركات والفصائل، التي تفتت أو تم طردها باتجاه عفرين ومناطق ريف حلب.

ذات صلة