على الرغم من الحراك المتصاعد الذي شهدته محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، جنوبي سوريا، احتجاجاً على الفلتان الأمني وانتشار الميليشيات المسلحة المتعددة الانتماءات، والإجراءات التقشفية التي طالت المدنيين والعوائل السورية عبر رفع الدعم المقدم لها، إلا أن كل ذلك لم يحد من الأطماع الإيرانية الرامية لوضع موطئ قدم لها داخل المحافظة.
وفي محاولتها السيطرة على مدينة السويداء، انتهجت إيران عدة تكتيكات تنوعت بين زرع الفتنة بين بعض الأطراف والقوى المجتمعية المحلية داخل المدينة، كما عمدت إلى تنشيط تجارة المخدرات في المحافظة وتوريط أبناء المحافظة في العمل معها لضمان ولائهم المطلق حال حدوث أي صدام مع الأهالي في المناطق التي ينتشرون بها.
حزب الله يبني مصنع كبتاغون في السويداء
وفي إطار استكمال المخططات الإيرانية في المحافظة، ومحاولة التغلغل بشكل كبير داخلها، بدأت ميليشيا حزب الله اللبناني، بإنشاء مصنع لحبوب الكبتاغون المخدرة في السويداء، وذلك بدعم من مجموعة تابعة للنظام السوري في المحافظة.
وقالت مصادر خاصة لـ"وكالة المجس" إن مجموعة تابعة لميليشيا حزب الله اللبناني، ينحدر أفرادها من مدينة بعلبك اللبنانية، بدأت تتردد إلى محافظة السويداء مؤخراً بهدف الإشراف على إنشاء مصانع كبتاغون صغيرة بالتعاون مع مجموعة مدعومة من المخابرات العسكرية التابعة للنظام.
وأضافت المصادر أن حزب الله اختار إحدى البلدات شمال مدينة السويداء، كموقع للمصنع المزمع إنشاؤه، مشيرةً إلى أن الأهالي شاهدوا عناصر الحزب أكثر من مرة في المنطقة برفقة تلك المجموعة، مشددةً على أن حزب الله نقل "المكبس"، وهي الآلة المخصصة لإنتاج الكبتاغون، من ريف حمص إلى السويداء، وأشرف على إعداد المصنع وانطلاقه، وذلك بكلفة تراوحت بين 75-100 ألف دولار أميركي.
وكشفت المصادر عن وجود أكثر من عشرين جماعة متخصصة في تهريب المخدرات تنتشر في القرى الحدودية مع الأردن، جنوب شرقي السويداء تحديداً، وتتقاسم الأدوار فيما بينها، وتعمل بطريقة لا مركزية وذلك تحت رعاية وإشراف حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني.
ونقلت المصادر عن مقربين من الميليشيات الإيرانية قولهم: "لكل مجموعة مهمة محددة، حيث تتولى مجموعات نقل أحمال المخدرات من دمشق إلى داخل المحافظة"، مشيرةً إلى أن أغلبهم يحملون مهمات أمنية موقعة من الأجهزة التابعة للنظام، وذلك بهدف تسهيل مرورهم على باقي الحواجز.
وأضافت أن المخدرات التي يتم إدخالها إلى المحافظة، فضلاً عن تلك التي يتم إنتاجها داخل مصنع حزب الله يتم تجهيزها، لتهريبها إلى الحدود السورية-الأردنية، انطلاقاً من محافظتي درعا والسويداء اللتان باتتا بمثابة نقطتي عبور للمواد المخدرة باتجاه الأردن ودول الخليج العربي.
ولفتت المصادر أن إيران تستغل موقع محافظة السويداء وحالة الفقر فيها، لاستخدامها كطريق تهريب بديل عن بادية التنف المراقبة من القوات الأميركية والتي تسير فيها قوات مغاوير الثورة دوريات بشكل دوري.
وأشارت إلى أن إيران وحزب الله منيا بخسائر فادحة خلال العامين الماضيين، وذلك نتيجة إحباط عشرات عمليات تهريب المخدرات والحشيش، ما أدى إلى توقف عمليات التهريب عبر بادية التنف إلى الأردن والعراق، وانتقالها إلى محافظة السويداء ودرعا.
وكان العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني قد حذر من الفراغ الذي تخلفه روسيا في سوريا، مشيرا إلى أن إيران ستملأ هذا الفراغ، وأضاف أن الوجود الروسي في جنوب سوريا كان مصدر تهدئة، ولكن مع انشغال موسكو في أوكرانيا، فإن الأردن يتوقع تصعيداً في المشاكل على الحدود.
تصريحات الملك الأردني، سبقها بساعات اتهام رسمي من الجيش الأردني لـ "قوات غير منضبطة" في جيش النظام السوري وأجهزته الأمنية بدعم مهربي المخدرات، قائلاً إن حدود الأردن مع سوريا باتت ضمن أخطر حدود المملكة حالياً.
وقال مدير مديرية أمن الحدود في الجيش الأردني، العميد "أحمد هاشم خليفات"، إن "قوات غير منضبطة من جيش النظام السوري تتعاون مع مهربي المخدرات وعصاباتهم التي أصبحت منظمة ومدعومة منها ومن أجهزتها الأمنية، بالإضافة لميليشيات حزب الله وإيران المنتشرة في الجنوب السوري والتي تقوم بأعمال التهريب على الحدود.
وأشار إلى تزايد عمليات التهريب والتسلل عبر الحدود، بسبب نقص تمويل ميليشيات حزب الله وإيران، مؤكداً على أن هذه الميليشيات هي التي تصنع الحبوب المخدرة لتهريبها بوسائل مختلفة عبر الحدود الأردنية، للحصول على المال في ظل نقص تمويلها الخارجي.
وفي نيسان الفائت كشفت مصادر عسكرية أردنية رفيعة المستوى، عن وجود نحو 160 جماعة تعمل في جنوبي سوريا بتهريب المخدرات إلى المملكة، مشيرةً إلى أن المناوشات بين الجيش الأردني وتجار المخدرات ازدادت وتيرتها مؤخراً بسبب عمليات ضبط المخدرات التي نفذتها القوات المسلحة على الحدود.
وقال العميد في المخابرات الأردنية عمر الرداد إن "صراع مراكز القوى في أوساط القيادة العسكرية والأمنية في سوريا، بما فيها صراعات مرجعية الولاءات الإيرانية الروسية، تقف وراء استهداف الأردن بعمليات تهريب المخدرات"، مشيراً إلى أن عمليات التهريب عبر الحدود ازدادت بعد سيطرة النظام السوري على محافظة درعا، وأوضح أن بعض تلك الأوساط غير راضية عن التقارب الأردني مع النظام السوري، بما في ذلك اتفاق الطاقة مع لبنان وفتح الحدود والمعابر مشيراً إلى أن أغلب تلك الاتفاقيات تم إنجازها بوساطة موسكو وليس من بوابة إيران.
إيران تسعى إلى فتنة درزية-درزية في السويداء
وفي سياقٍ متصل، ومن باب إشغال أبناء محافظة السويداء عن تجارة المخدرات التي تمارسها إيران في المحافظة، عملت طهران وعبر المجموعات المسلحة المدعومة من قبلها، والتي تضم بغالبيتها أبناء المحافظة، على رزع الفتنة بين تلك المجموعات، في محاولة فاضحة لجر المحافظة إلى اقتتال درزي-درزي، يعزز من نفوذها ويضعف كافة الأطراف المناوئة لها في المنطقة.
وبحسب مصادر مطلعة لـ"المجس" فإن إيران أوعزت قبل أيام، إلى أحد متزعمي المجموعات المحلية بخطف مجموعة من المدنيين ممن ينتسبون إلى بدو عشائر السويداء، لترد الأخيرة بقطع طرقات في المحافظة، إلا أن مشائخ العقل في المحافظة تداركوا الأمر الطائفة لتجنيب المحافظة حرب داخلية المستفيد الوحيد منها "إيران"، بحسب تعبيرهم.
وأضافت المصادر أن المجموعة ذاتها والتي تتبع لفرع الأمن العسكري، أطلقت تهديداً بتنفيذ عمليات اغتيال تطال شخصيات منضوية تحت "حزب اللواء السوري"، وذلك للتغطية على التمدد الإيراني في السويداء التي تعتبر باديتها، بوابة واسعة تنطلق منها عمليات تهريب المخدرات.
ونقلت المصادر عن قياديين في حزب اللواء السوري قولهم، إن وجود شخصيات وكيانات معارضة للنظام السوري في المحافظة يعتبر بمثابة حجر عثرة في وجه المشروع الإيراني الآخذ بالتمدد على حساب تراجع وانكفاء الدور الروسي، وأضافوا أنه على الرغم من أن الوجود الإيراني في مدينة السويداء ليس مباشراً عبر قواعد ونقاط عسكرية، إلا أنه يدعم تشكيلات عسكرية داخلية أبرزها الدفاع الوطني الذي يضم عدداً من أبناء الطائفة في صفوفه.
وحذروا من فتنة درزية-درزية قد تحصل في المحافظة، حال أقدمت الميليشيا المدعومة من إيران على المساس بشخصيات معارضة داخل حزب اللواء السوري، مشيرين إلى أن أعضاء الحزب وعناصره لن يقفوا مكتوفي الأيدي حال الاعتداء عليهم.
وشددوا على أن إيران أرادت من إطلاق التهديد، إيصال رسالة تحذيرية للفصائل المعارضة لوجودها في السويداء، من مغبة المساس بخطوط تهريب المخدرات الذي تشكل بادية المحافظة عمودها الفقري من جهة الحدود الأردنية، لافتين إلى إنشاء نقاط إيرانية مهمتها تمرير شحنات المخدرات التي باتت الممول الرئيس لها.
ويرى الناشط الصحفي " سلمان صعب" المنحدر من مدينة السويداء، في حديث لـ"المجس" أن التهديد الإيراني الأخير ليس الأول من نوعه، حيث سبق وأطلقت إيران عدة تحذيرات وإنذارات لمعارضي وجودها، عبر الفصائل المدعومة من قبلها.
وأضاف أن التمدد الإيراني الحالي، جاء على حساب الدور الروسي، معرباً عن تخوفه من إشعال طهران فتنة درزية في السويداء عبر تقوية الأطراف التابعة لها، على تلك المناوئة لوجودها، مشدداً على أن لإيران باع كبير في إذكاء الفتن الطائفية في عدة مناطق سوريا، أبرزها منطقة السيدة زينب في دمشق.
وأرجع صعب التركيز الإيراني على حزب اللواء السوري في السويداء، إلى إطلاق الأخير في نيسان الفائت، حراكاً مدنياً ضد النظام السوري في المحافظة، وهو ما اعتبرته طهران يشكل تهديداً مباشراً على وجودها وتجارتها المزدهرة في محافظة السويداء.
وكان "حزب اللواء" السوري، قد أعلن إطلاق المرحلة الأولى من النضال المدني ضد فساد النظام السوري في محافظة السويداء، وذلك رداً على ما سماه تحويل إيران وحزب الله اللبناني، مناطق جنوب سوريا إلى مراكز لتصنيع وتجارة المخدرات.
وهدد الحزب في بيانٍ صادرٍ عنه بمزيد من الخطوات في الأيام المقبلة، وأضاف "فيما قسمت السلطة الحاكمة البلاد إلى مناطق نفوذ وهجرت ملايين السوريين، تخرج علينا السلطة بكل وقاحة تطالبنا بالحفاظ على هيبة السلطة الفاسدة".
وأشار إلى أن إيران وحزب الله حولا الجنوب السوري، ومحافظة السويداء، إلى مركز لتصنيع وتهريب المخدرات مشدداً على أنها تستهدف بذلك فئة الشباب، موضحاً أن أفراد الحزب بدأوا حملة مدنية ضد فساد السلطة الحاكمة ضمن المرحلة الأولى من التصعيد شملت محافظة السويداء.
وكشف الحزب عن مساعيه الرامية لتوسيع الحملة، مشيراً إلى أنها قد تشمل الجنوب السوري بشكل كامل، مؤكداً في الوقت ذاته أن الحملة ستتجه نحو المزيد من التصعيد في الأيام المقبلة، لافتاً أن النظام السوري، يعلم أن محاربة الفساد تعني نهايته لأنه "مبني على الفساد من أعلى الهرم حتى أصغر مسؤول فيه"، مبيناً أن مسؤولي السلطة الحاكمة سيشاهدون خلال تجوالهم في السويداء عبارات تفضح فسادهم، وتعبر عن مدى احتقارنا لهذه السلطة".
وتشهد محافظة السويداء، منذ شهر شباط الماضي، انتفاضة شعبية مستمرة على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية وانعدام الخدمات الحكومية، فضلاً عن قطع الدعم الحكومي عن 600 ألف عائلة سورية، وسط ازدياد في معدلات البطالة و انتشار عصابات الخطف وفوضى السلاح.
وتعيش محافظة السويداء منذ عام 2011 حالة من الفلتان الأمني وارتفاع معدل جرائم الخطف والقتل بدعم مباشر من ميليشيات النظام لتلك العصابات خاصة بعد ضبط حالات عديدة أثبتت تلك الاتهامات، إضافة لتسهيل انتشار الميليشيات الإيرانية ودعمها وأبرزها "حزب الله" اللبناني الذي يتخذ المنطقة مركزا لتجارة المخدرات محلياً وخارجياً.