عبارات مناهضة للوجود الإيراني في دير ماكر بريف دمشق

شهدت مناطق عدة في ريف دمشق، منذ انسحاب فصائل المعارضة السورية، من دمشق وريفها، عام 2018، حراكاً مدنياً استهدف الوجود الإيراني في سوريا، تمثل بالعديد من الأنشطة المدنية المناهضة للوجود الإيراني في بلدات ريف دمشق ذات الأغلبية السُنية، والتي تُكن العداء للإيرانيين بسبب مجازرهم الكبيرة في دمشق والمحافظات السورية.
ولعل آخر التحركات المناهضة للإيرانيين، انطلقت من بلدة دير ماكر بريف دمشق، والتي شهدت خلال اليومين الماضيين انتشار عبارات ورسوم على كافة جدران البلدة، طالبت بمغادرة الميليشيات المرتبطة بإيران، والمجموعات التابعة لها بشكل مباشر من البلدة.
مصادر مطلعة قالت لـ"وكالة المجس" إن دوريات تابعة للمخابرات الجوية السورية، شنت أمس الثلاثاء، حملة اعتقالات واسعة في بلدة دير ماكر، وذلك على خلفية انتشار كتابات ورسوم طالبت بخروج الإيرانيين والمتعاملين معهم من البلدة، وهو ما اعتبرته استخبارات النظام، بوادر ثورة جديدة يجب قمعها.
وأضافت المصادر أن استخبارات النظام السوري، اعتقلت عدداً من أصحاب المنازل في البلدة، والتي كُتب على جدرانها تلك العبارات، بتهمة المشاركة في الكتابة، والتواطؤ مع الفاعلين وعدم إبلاغ السلطات عن هويتهم، موضحةً أن دوريات أخرى من المخابرات الجوية عمدت إلى الانتشار في البلدة وطمس العبارات المناهضة للوجود الإيراني، بالتزامن مع الاعتقالات.
وأشارت المصادر إلى أن عناصر الاستخبارات أنشأوا حواجز جديدة داخل البلدة، دون معرفة ما إذا كانت الحواجز الجديدة ستبقى بشكل دائم، أم أنها ناتجة عن التوتر القائم، مضيفةً أن الحواجز جاءت على خلفية ورود معلومات استخباراتية بتشكيل شبان دير ماكر، تنظيماً داخلياً أشبه بالتنسيقيات التابعة للمعارضة السورية، لقيادة الحراك المدني ضد الميليشيات الإيرانية، والمتمثل بشن عمليات بخ مكثفة على الجدران، تطالب الإيرانيين خلالها بالخروج من المنطقة.
وتضمن الكتابات التي انتشرت في جدران البلدة، عدداً من العبارات المناهضة للإيرانيين أبرزها " لا للتواجد الإيراني والشيعي في سوريا، المليشيات الإيرانية تطلع برا– سوريا حرة إيران تطلع برا"، مشيرةً إلى أن الكتابات توزعت على أغلب الأحياء وتركزت بشكلٍ خاص في محيط مسجد " أبو بكر الصديق"، وعلى جانب الطريق المؤدي لقرية دناجي بريف دمشق، بحسب المصادر.
وعمل الإيرانيون منذ خلو دمشق وريفها من فصائل المعارضة السورية، على التموضع في بلدات ريف دمشق، ذات الموقع الاستراتيجي الهام، بالرغم من الرفض الشعبي لوجودهم في تلك المناطق الخالية من أي وجود شيعي، وتركز الاهتمام الإيراني في ريف دمشق، على بلدات جنوبي دمشق المتاخمة لمقام السيدة زينب، فضلاً عن عدد من أحياء المدينة القديمة، والبلدات الواقعة على الحدود الإدارية لمحافظات ريف دمشق درعا والقنيطرة، التي يُطلق عليها اسم "مثلث الموت"، والتي تعبر من المناطق المهمة لإيران وحزب الله.
وتكمن أهمية دير ماكر كونها ضمن مثلث الموت القريب من الحدود السورية الإسرائيلية،  واحتوائها على مرتفعات جبلية يمكن استخدامها كمواقع رصد استخباراتية ومنصات إطلاق صاروخية، حيث سبق واحتل حزب الله  أكثر من عشرة منازل في منطقة مثلث الموت، معظمها في كفرناسج، ودير العدس ودير ماكر.
وعملت إيران منذ سيطرة النظام السوري وميليشياتها على جنوب سوريا، على تكثيف نشاطاتها في الجنوب السوري وبالأخص في الحدود السورية- الإسرائيلية في محافظتي القنيطرة، ودرعا جنوبي سوريا.
وكشف مركز أبحاث إسرائيلي في تقرير صادر عنه، تموز الفائت، عن استيلاء مليشيا موالية لإيران على ممتلكات المدنيين في مناطق إستراتيجية جنوب سوريا تعرف بمثلث الموت. وقال مركز "ألما" الإسرائيلي للأبحاث في تقريره إن المحور الشيعي المتطرف بقيادة إيران، سيطر عبر الميليشيات الشيعية وحزب الله، على عشرات الممتلكات في قرى كفر ناسج ودير العدس ودير ماكر.
وأضاف التقرير أن هذه المنطقة الجغرافية ذات أهمية استراتيجية لوقوعها بالقرب من شبكة الطرق الطولية والعرضية في جنوب سوريا التي تربط دمشق، مع التركيز على الطريق الممتد من الشرق للغرب والمؤدي إلى القنيطرة وبالقرب من الطريق الشاقولي المتمثل بأوتوستراد درعا - دمشق.
وأوضح التقرير أن تلك المنطقة اكتسبت اسم “مثلث الموت” إبان القتال العنيف بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري التي تلقت خسائر فادحة في تلك المعارك. وتحاول المليشيات الإيرانية ولا سيما مليشيا حزب الله التمدد في مناطق جنوب سوريا داخل مواقع مدنية لتجنب الغارات الإسرائيلية، كما تلجأ لأساليب تخفي مكشوفة للإسرائيليين تحت ستار مليشيات النظام للتمويه على وجودها بالمنطقة، كما تستغل تلك المليشيات فرض النظام السوري الحجز الاحتياطي على ممتلكات المعارضين من أجل تبرير الاستيلاء عليها.
وفي مطلع العام الجاري كشف تقرير صادر عن ذات المركز تفاصيل جديدة حول أساليب إيران للتغلغل جنوبي سوريا، من خلال بناء شبكات دعم مدنية في المنطقة، وقال "طال بيري" مدير قسم الأبحاث في المركز حينها، إن المحور الإيراني كان يستغل بمهارة الاحتياجات الأساسية لمعظم السكان للبقاء في المنطقة، مضيفاً أن هذا الجهد نال الضوء الأخضر من شخصية بارزة زارت المنطقة في عام 2018 ، يُدعى "أبو الفضل الطباطبائي"، المستشار الشخصي للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.
وتابع قائلا: "هذه المؤسسة المدنية المتمثلة في تأسيس موطئ قدم في جنوبي سوريا تخلق رابطا نشطا مع السكان المحليين وتهدف في نهايتها إلى خلق اعتماد للسكان على عناصر من المحور الإيراني. ينتج عن هذا الاعتماد تعاطف يتيح العمل الحر لعناصر المحور الإيراني داخل وخارج السكان المحليين".
وشملت تلك الأنشطة بحسب بيري الاستيلاء على المساجد وتأسيس الحسينيات وبدء المشاريع الاقتصادية. بهدف السيطرة على الحياة المدنية وخلق تبعية لدى السكان المحليين لطهران لتلبية الاحتياجات الأساسية، مثل الأمور المعيشية والتعليم والخدمات الدينية.
وأشار بيري إلى أن "المحور الشيعي ينص صراحة على أن جنوبي سوريا منطقة استراتيجية من منظورهم. وهي جزء من الممر البري للمحور الذي يربط لبنان وسوريا والعراق وإيران. الممر مسدود قليلاً بسبب وجود القوات الأميركية في التنف جنوب شرقي سوريا على الحدود الأردنية. لكن الأميركيين لن يجلسوا هناك إلى الأبد. والإيرانيون، سادة الشطرنج، لديهم الكثير من الصبر".

ذات صلة