ضجت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، بتسجيل مصور لشخص يدعى "محمد العمار" على صلة قرابة بالقيادي في الجيش الوطني محمد الجاسم الملقب بـ"أبو عمشة" تحدث خلاله عن علاقة الأخير بتجارة المخدرات وتصديرها إلى ليبيا.
وكشف العمار في التسجيل عن عدة ملفات أبرزها تجارة المخدرات وتحصيل الإتاوات من قبل القيادي أبو عمشة، فضلاً عن عمليات ابتزاز وخطف وتجارة مخدرات، واعتقالات بشكل غير قانوني قال إن بو عمشة نفذها في ليبيا، مستغلاً نفوذه والصلاحيات الممنوحة له في إدارة قوات الجيش الوطني العاملة في لبييا.
وأضاف العمار في خلال سرده لعمليات التشبيح والانتهاكات المنفذة من قبل أبو عمشة، أن الأخير قام باعتقال والده في ليبيا لرفضه دفع مبلغ 200 ألف دولار كإتاوة، مبيناً أن قوات أبو عمشة أودعت والد العمار في السجن على الرغم من انضمامه لقوات الجيش الوطني وقتاله معها في ليبيا.
وأشار العمار إلى أن عائلته دفعت لأبو عمشة مبلغ مليون ومئة ألف دولار لقاء إطلاق سراحهم، وذلك بعد تعرضهم للتعذيب على يد قواته في ليبيا، مبيناً أن والده قام بتقديم شكوى رسمية للجانب التركي، عُقب استدعائه إلى أنقرة، إلا أن الجانب التركي قام بتوبيخ والده، وإعادته إلى سجون أبو عمشة في ليبيا، ليطالب الأخير بقتلهم أو تنفيذ إجراءات الطلاق المتعلقة بقريبات أبو عمشة.
ولفت العمار أنه اضطر إلى تطليق زوجته "شقيقة أبو عمشة" وذلك لتعرضهم للسجن لمدة أربعة أشهر في المرة الثانية دون توجيه أي تهم جنائية أو قضائية بحقهم، وذلك لإجبارهم على تنفيذ طلبات أبو عمشة المتعلقة بالطلاق، وبعد رضوخهم لمطالب أبو عمشة، فوجئوا بتوجيه تهم الاحتيال والإتجار بالمخدرات ضدهم، فضلاً عن تهم أخرى بتهريب وبيع السلاح.
وأردف محمد أنه وبعد توجيه التهم إليهم، استطاعوا الفرار من السجن في ليبيا، نافياً التهم الموجهة إليهم ومؤكداً أنه يملك دلائل ومقاطع فيديو تثبت تورط أبو عمشة بتجارة المخدرات والسلاح، والقيام بعمليات احتيال وخطف بهدف تحصيل إتاوات وأموال إضافية.
وكالة المجس وبعد تحري دقيق، لم تستطع الوصول إلى الفيديوهات التي قال العمار أنها بحوزته وسيقوم بنشرها، والتي تفضح التورط المباشر لأبو عمشة في تهريب المخدرات إلى ليبيا، والإتجار بالسلاح، إلا أن عدة مؤشرات وعناصر منشقة عن فصيل العمشات، أكدت في حديثها لـ"المجس" ضلوع الأخير بعمليات تهريب مخدرات وإن كانت محدودة، مقارنة بعمليات التهريب التي يجريها مقربون من النظام السوري إلى ليبيا.
تهريب المخدرات إلى ليبيا
على الرغم مما سبق والذي يكشف بشكل جزئي ضلوع قادة من الجيش الوطني وعلى رأسهم محمد الجاسم في تهريب المخدرات إلى ليبيا، إلا أن عدداً من المصادر والتحقيقات الاستقصائية تُثبت وبشكل قاطع أن توريد المخدرات إلى ليبيا يتم عبر مناطق سيطرة النظام السوري، عن طريق شبكات تتمتع بنفوذ هائل في تلك المناطق.
وفي وقتٍ سابق ذكرت تقارير إعلامية أن تهريب المخدرات إلى ليبيا يتم بشكل أساسي عبر شبكات عابرة للدول، إحداها تعمل انطلاقاً من سوريا عبر مدان في قضية مخدرات يحمل الجنسيتين السورية والليبية، كاشفةً كيف استفادت الشبكة من الفوضى الأمنية والانقسام لتهريب المخدرات من ميناء اللاذقية الخاضع لسيطرة النظام السوري وحتى ميناءي طبرق وبنغازي، شمال شرقي ليبيا، الخاضعين لمليشيات حفتر، والخمس وزوارة، غربا، الخاضعين لحكومة طرابلس.
وأشارت التقارير إلى تورط 7 أفراد من بينهم 4 سوريين و3 ليبيين، بتهريب المخدرات من سوريا إلى الموانئ الليبية، ومنهم السوريان "محمد محمود سعد" و"هاشم عادل عجان"، وقضت المحكمة عليهما بالإعدام رمياً بالرصاص حضورياً، في حين أن السوريين "محمود عبد الإله الدج" و"محمد هاني عبدين" حُكم عليهما بالإعدام غيابياً، بعد إدانتهم بجلب مخدر الحشيش من سوريا إلى الأراضي الليبية، بينما تمت تبرئة الليبيين لعدم توفر دليل.
وكشفت التقارير أن محمود الدج المدان الرئيسي في القضية، يمتلك شركة تسمى الطير وعمل مديراً لها، ويحمل إلى جانب الجواز السوري جوازاً آخر صادراً من مدينة مصراتة، وتورطت شركة الطير للتجارة والشحن الدولي، ومقرها اللاذقية، في تهريب المخدرات، إذ ضُبطت في وقتٍ سابق حاويات تحتوي مخدرات تابعة لها على مدار عامين.
كما كشف تورط الشركة، ضبط السلطات اليونانية عام 2018 المخدرات على متن سفينة نوكا "Noka" في المياه الإقليمية أثناء توجهها إلى ميناء بنغازي، والتي كانت شركة الطير إحدى الجهات التي تشحن عليها، حيث قامت بإبلاغ نظيرتها الليبية التي داهمت مقر شركة الطير في منطقة بوعطني ببنغازي، وألقت القبض على المتورطين، وصادرت كميات من مادة الحشيش والحبوب المخدرة، حسب ما أعلنت عنه مديرية جمارك بنغازي في 23 أغسطس/آب عام 2019.
وكانت سفينة نوكا ترفع العلم السوري لدى ضبطها، وبحسب بيانات منصة "مارين ترافيك"، فإن السفينة تصنف باعتبارها تعمل في الشحن العام ومملوكة لشركة "نبتنوس" ومقرها اللاذقية، تأسست عام 2016، وتعرف نفسها على موقعها الإلكتروني بأنها مورد رائد للخدمات البحرية والشحن، وجرى تغيير اسم السفينة حاليا إلى "أولا" Ola، وتبحر تحت علم سانت كيتس ونيفيس (دولة من جزر الهند الغربية). وأسهم ضبط المخدرات على متنها في حل لغز تهريب المخدرات الذي تقف وراءه شركة الطير، وفق ما تؤكده أوراق القضية.
وأضافت التقارير أن متنفذون تابعون لحفتر، سهلوا عمل شركة الطير السورية في ليبيا، وعلى رأسهم فوزية الفرجاني، مستشارة الفريق عبد الرزاق الناظوري، رئيس الأركان العامة لمليشيات حفتر، ورئيسة مجلس أصحاب الأعمال الليبيين فرع بنغازي، والتي شغلت منصب مستشارة الحاكم العسكري للشؤون الاقتصادية والتعاون الدولي، وكان لها دور كبير في تصميم العلاقة بين حفتر والأسد، إذ افتتحت في 22 مارس 2018 الخط البحري المباشر بين ميناءي بنغازي واللاذقية، وشكرت أعضاء الوفد السوري، بمن فيهم المدير العام لشركة الطير محمود عبد الإله الدج، الذي ظهرت صورته مع وصول أول سفينة شحن إلى ميناء بنغازي في 28 مارس 2018، والتي تسمى ZAHER، ومنعت الفرجاني تفتيشها وأُعلن أنها كانت محملة بمنتجات سورية موردة إلى بنغازي.
وتصنف ليبيا أنها محطة عبور وتخزين مهمة إقليمياً للمخدرات القادمة من سوريا والمغرب ولبنان، ويتم استهلاك بعضها محلياً، ثم يعاد تهريب كميات كبيرة منها إلى مصر وجنوب إيطاليا ودول البلقان مثل ألبانيا والجبل الأسود، ودول الساحل.