ما علاقة هيئة تحرير الشام بالاغتيالات والتفجيرات في مناطق الجيش الوطني

شهدت مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، المدعوم من أنقرة، سلسلة من التفجيرات وعمليات الاغتيال خلال شهر شباط الجاري، طالت عدداً من المدن ومراكز تجمع المدنيين، فضلاً عن عمليات اغتيال استهدفت قادة من فصائل المعارضة، وهو ما دفع الأخيرة لشن عمليات أمنية لملاحقة الخلايا المنفذة لتلك الهجمات، وسط استنفار أمني كامل.
فصائل المعارضة وكعادتها، اتهمت قوات سوريا الديمقراطية، وتنظيم الدولة، والنظام السوري، بالوقوف خلف تلك الهجمات الدامية التي طالت الأسواق ومراكز تجمع المدنيين، وقادة في فصائل المعارضة المسلحة، وكشفت في عدة مناسبات عن إلقاء القبض على خلايا تتبع للتنظيم وقسد في مناطق سيطرتها شمالي حلب.
ماعلاقة تحرير الشام
وبعكس رواية فصائل المعارضة المسلحة، التي تتحدث عن ضلوع خلايا تابعة لتنظيم الدولة وقسد في عمليات التفجير والاغتيال التي تصاعدت مؤخراً في مناطق سيطرتها، فجر سلفيون العديد من المفاجآت حول هوية الجهة التي تقف خلف تلك العمليات الدامية مستغلةً الانفلات الأمني داخل مناطق سيطرة الجيش الوطني.
واتهم السلفيون هيئة تحرير الشام بالوقوف خلف عمليات الاغتيال، مبينين أنها تهدف من خلالها إلى تحقيق أهداف متعددة بعد أن توترت العلاقة بينها وبين الفصائل منذ بداية شباط، الأمر الذي انعكس سلباً على التنسيق الأمني والعسكري بين الطرفين.
وقال عبد الرحمن الكردي، وهو سلفي منشق عن "تحرير الشام" عبر موقع تلغرام: "رأيت بعيني وسمعت بأذني، دون أن ينقل لي أحد، من سجين داعشي كان معي في الزنزانة عندما كنت مسجوناً في سجون تحرير الشام، أنهم كانوا يضغطون على السجين وهو عنصر من داعش لكي يذهب إلى مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات ويعمل على زرع العبوات الناسفة وينفذ عمليات لصالح تحرير الشام ضد مخالفيها".
وأضاف الكردي "إذا كانت تحرير الشام تعمل على التخلص من مخالفيها وهم بعيدون عنها في مناطق الدرع والغصن، فكيف بمن يسكن في مناطقها وتحت أعينها الساهرة على الخطف والقتل والاحتطاب والسرقة والسجن في قبضة جهاز الأمن العام".
وكالة " المجس" حاولت التواصل مع عبد الرحمن الكردي للحصول على إجابات حول اتهاماته الموجهة إلى هيئة تحرير الشام بخصوص وقوفها وراء عمليات الاغتيال وتفجير العبوات والمفخخات في مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية، إلا أنها لم تتلقى أي جواب حول الاستفسارات المتعلقة بالقضية، وسط تأكيدات من سلفيين مناهضين للهيئة بأن ما قاله الكردي صحيح، وأن الجولاني يهدف إلى زعزعة الأمن في مناطق سيطرة الفصائل.
وقالت مصادر معارضة لـ"المجس" إن احتمال وقوف تحرير الشام خلف التفجيرات وعمليات الاغتيال وارد، حيث تهدف للضغط على الفصائل وخصوصاً غرفة عزم لكي تستنجد بها مرة أخرى للمساعدة في الملف الأمني.
وأضافت المصادر أن تحرير الشام تُريد إظهار غرفة عزم كتشكيل عسكري، عجز عن تحقيق أهدافه التي أعلن عنها، والمتمثلة بدعم الاستقرار وضبط الفوضى والفلتان الأمني في مناطق المعارضة السورية في ريف حلب ونبع السلام شرقي الفرات.
تفجيرات واغتيالات تعصف بمناطق الجيش الوطني
وأول أمس الثلاثاء انفجرت عبوة ناسفة في سيارة عائدة لأحد قادة "الفيلق الثالث" المنضوي ضمن غرفة القيادة الموحدة "عزم"، وبحسب المصادر فإن المستهدف يُدعى "حسين مصطفى" ويتولى المسؤولية عن قسم الإشارة والرصد في الفيلق، مبينةً أنه قُتل في الانفجار الذي وقع أمام منزله في حي العصيانة جنوبي مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي.
وأشارت المصادر إلى أن الفصائل تمكنت برفقة قوات الشرطة والأمن العام من تفكيك عبوة ناسفة أخرى، كانت مزروعة في سيارة قيادي آخر في مخيم الإيمان شمالي مدينة أعزاز، وذلك بعد ساعات من وقوع الانفجار الأول، موضحةً أن مدينة أعزاز وضواحيها شهدت عُقب ذلك، استنفاراً أمنياً غير مسبوق حيث شددت الفصائل من إجراءاتها الأمنية على الحواجز العسكرية في محيط المدينة خشية وقوع تفجيرات أخرى.
وفي مدينة الباب انفجرت عبوة ناسفة، قبل أيام، في سيارة عضو مكتب العلاقات العامة في الفيلق الثالث "فادي الخطيب"، ما أدى إلى مقتله على الفور، وسبقها انفجار عبوة ناسفة داخل سيارة في قرية "بير مغار" بمنطقة جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي، وأسفر الانفجار حينها عن مقتل ثلاثة أشخاص، بينهم قائد غرفة عمليات لواء الشمال محمد مصطفى، إضافة إلى مقتل مسؤول إداري في الفصيل ذاته، وشخص آخر من مقاتلي اللواء.
وفي 13 كانون الثاني الفائت، شهدت مناطق الجيش الوطني السوري سلسلة انفجارات متزامنة ضربت مدينة عفرين والباب ورأس العين، وسط غموض حول هوية الجهة المسؤولة عن الانفجارات، حيث رجحت المصادر حينها وقوف تنظيم الدولة خلف عمليات التفجير.
وبعد تحقيقات دامت قرابة 72 ساعة، توصلت الأجهزة الأمنية في الجيش الوطني السوري، إلى معلومات جديدة حول كيفية وقوع التفجيرات، والجهة المسؤولة بشكل مباشر عنها، وذلك بعد تضارب التصريحات عشية الانفجارات، حيث حملت بعض الجهات تنظيم الدولة مسؤوليتها، فيما رجحت مصادر أخرى أنها من فعل قوات سوريا الديمقراطية.
وكشفت مصادر من الجيش الوطني السوري لـ"وكالة المجس" حينها، أن التحقيقات أثبتت تورط قوات سوريا الديمقراطية بالوقوف خلف التفجيرات، مبينةً أنها استخدمت شبان يعملون لصالحها لإيصال العبوات الناسفة إلى أماكن معينة، ثم قامت بتفجيرها عن بعد لإيهام الجميع بأن الهجمات انتحارية، وبأن تنظيم الدولة هو من يقف خلفها.
تنافس أفشل التنسيق الأمني بين تحرير الشام والجيش الوطني
شهدت الفترات السابقة تعاوناً أمنياً كبيراً بين هيئة تحرير الشام شمال غرب سوريا، والجيش الوطني السوري في مناطق النفوذ التركي، وصل إلى حد التنسيق الأمني وأسفر عن تنفيذ عدة عمليات أمنية بين الجانبين تكللت بالنجاح وألقي القبض خلالها على عصابات امتهنت الخطف مقابل الفدية.
إلا أن التنسيق الأمني و"شهر العسل" بين الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام، انتهى مؤخراً، وبحسب مصادر مطلعة فإن  العلاقة بين الطرفين وصلت إلى أسوأ مراحلها، ما أسفر عن توقف التنسيق الأمني والعسكري بين الجانبين.
وتُشير المصادر إلى أن تدهور العلاقات من جديد بين الهيئة والجيش الوطني، يعود إلى التنافس الشديد بين غرفة عزم التي تسعى لإظهار نفسها كـ "كيان موازي" في ثقله الأمني والعسكري هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية، وهو ما أثار غضب تحرير الشام التي تسعى لتصدير نفسها كفصيل قادر على إدارة كامل شمال سوريا، ويتمتع بخبرات أمنية عالية، وكفاءات قادرة على إدارة المنطقتين.
وأضافت المصادر أن التنافس بين الهيئة وعزم، وصل إلى شن حملات إعلامية متبادلة بين الطرفين على خلفية قضية زعيم فرقة السلطان سليمان شاه محمد الجاسم أبو عمشة، الذي تتحفظ الهيئة على محاكمته أو عزله وتتهمها عزم بمساندته، فضلاً عن خلافات أمنية أخرى، واستغلال عزم حادثة إطلاق النار على المرأة التي قُتلت على يد عناصر من تحرير الشام أثناء محاولتها تهريب مادة المازوت، في التحريض على تحرير الشام وتأليب المدنيين عليها.
وشددت المصادر على أن السبب الأبرز في تصاعد الخلاف، بين الطرفين، يعود إلى فشل مساعي الهيئة في التقارب مع عزم بسبب وجود جيش الإسلام المنضوي ضمن صفوف الفيلق الثالث، والذي يجهر بعدائه لتحرير الشام، ويتهم عناصرها بأنهم "خوارج" بالإضافة لاتهام زعيم تحرير الشام "أبو محمد الجولاني" بالعمالة.
وأكدت المصادر أن قياديي جيش الإسلام وبعض الفصائل المنضوية في غرفة عزم، يتهمون بشكل علني هيئة تحرير الشام بالوقوف خلف التفجيرات، لإحراج عزم أمام المدنيين، ودفعها لتقديم تنازلات للهيئة في سبيل إعادة التنسيق الأمني، مبينةً أن الهيئة ترفض تلك الاتهامات، وتُصر على رفض استئناف التنسيق الأمني بسببها.
وكانت أول عملية تنسيق أمني قد جرت بشكل مباشر بين هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري، في أواخر شهر أيلول الفائت، جرى فيها تبادل المعلومات وملاحقة خلايا الخطف.
وأشار تقرير سابق لـ"وكالة المجس" حينها عن ورود معلومات أمنية لفصائل الجيش الوطني، حول مفاوضات تجري للإفراج عن شاب مختطف في إدلب، انتهت بالاتفاق على دفع فدية مالية، سيتم دفعها بمناطق شمال سوريا، حيث تولت القوى الأمنية التابعة للجيش الوطني متابعة تفاصيل القضية، مضيفةً أن القضية متعلقة بخطف شاب يدعى "عمر خالد الشبلي" ينحدر من مدينة إدلب و أن العصابة الخاطفة فاوضت عائلة الشاب لدفع فدية مالية بلغت 100 ألف دولار، مبينةً أنه تم الاتفاق على دفع المبلغ في إحدى مناطق ريف حلب الشمالي، حيث كانت هيئة تحرير الشام تتابع القضية، وأبلغت قوى الجيش الوطني بتفاصيلها.
وتعتبر العملية المذكورة أولى العمليات التي فتحت أبواب التعاون بين الأجهزة الأمنية التابعة لتحرير الشام وتلك التابعة للجيش الوطني السوري، تلاها إعلان جهاز الأمن العام في إدلب، في 18 تشرين الأول الفائت، إلقاء القبض على خلية اغتيالات فجرت سيارة مفخخة في مدينة عفرين، إضافة إلى العديد من العمليات التي ضربت الشمال السوري، وذلك بالتنسيق مع الجيش الوطني السوري.