لصالح الجبهة الشامية: انشقاقات جديدة في حركة أحرار الشام


يبدو أن حركة أحرار الشام تواجه أقوى موجات الانشقاق التي تعصف ببنية وهيكلية الحركة العريقة التي كانت من أوائل الفصائل المشكلة إبان انطلاق الثورة السورية، وعلى الرغم من اتخاذ الحركة قراراً في 4 تموز الفائت، يقضي بإعادة هيكلة مجلس القيادة فيها، بعد أن اعتبرت عدة شخصيات في الفصيل، أن التشكيلة والتعيينات السابقة كانت غير منصفة، إلا أن هذا القرار لم يفلح في إقناع المئات من عناصرها بالعدول عن قرار الانشقاق عنها.
وكشفت مصادر من داخل الحركة لـ"وكالة المجس" عن وجود خلافات كبيرة داخل مكوناتها على خلفية عملية الانقلاب التي قادها القائد العام الأسبق للحركة حسن صوفان، على قيادة الحركة المتمثلة بجابر علي باشا.
وقالت المصادر إنه على الرغم من التوصل إلى حل توافقي في كانون الثاني الفائت، قضى بتعيين عامر الشيخ  الملقب بأبو عبيدة قائداً عاماً للحركة، إلا أن ذلك لم يفلح بإعادة البنية المتماسكة للحركة والتي تعرضت لتصدعات كبيرة خلال الأشهر الماضية.
وبينت المصادر أن الانشقاقات الجديدة جاءت على خلفية اعتبار شريحة واسعة من تشكيلات الحركة، أن أبو عبيدة لم يقم بالمهام الموكلة إليه بشكل جيد، وأن المتحكم الفعلي بالفصيل هو حسن صوفان، الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع هيئة تحرير الشام وقائدها أبو محمد الجولاني.
وأشارت المصادر إلى أن المئات من العناصر قرروا الانفصال عن الحركة والانضمام لفصيل الجبهة الشامية، العاملة ضمن الجيش الوطني السوري، في ريف حلب الشمالي والشرقي، وذلك نتيجةً لاستمرار الخلافات ضمن مكونات حركة أحرار الشام.
وأكدت المصادر المطلعة لـ" المجس" أن قرابة 850 عنصراً من أحرار الشام انفصلوا عنها، وانخرطوا ضمن الجبهة الشامية، مضيفةً أن كتلة قطاع حلب بأكملها كانت من ضمن المنفصلين عن الحركة، ومعظم كتلة محافظة إدلب، وانضموا إلى لشامية على شكل كتلة واحدة.
وبحسب المصادر فإن من ضمن المنشقين عن الحركة "لواء العباس" بقيادة المهندس علاء فحام ولواء بدر ولواء ابن تيمية إضافةً للعديد من القياديين الذين خرجوا بشكل منفرد، مثل القيادي المعروف حسام سلامة.
ويرى القادة المنشقون عن حركة أحرار الشام أن القيادة الحالية المتمثلة بـ عامر الشيخ، تخضع لإدارة تامة من قبل حسن صوفان القائد الأسبق للحركة بالإضافة لبعض الشخصيات المقربة منه كقائد الجناح العسكري في الحركة سابقاً النقيب أبو منذر الذي سبق وطالب المنشقون بعزله من الحركة.
ويقول المنشقون عن الحركة إن تعيين الرائد حسين العبيد قائداً عسكرياً عاماً للحركة بالرغم من كونه أبرز المشاركين في التمرد على القيادة السابقة، وأحد الداعمين لصوفان  يثبت تبعية وخضوع عامر الشيخ لصوفان وجناحه.
فيما أثار قرار منح عضوية مجلس القيادة في أحرار الشام، لـ النقيب أبو المنذر، جدلاً في أوساط الحركة، على اعتبار أنه قاد الانقلاب إلى جانب صوفان، وأصدر بيانات منفردة تدعو إلى عزل جابر علي باشا، وتنصيب صوفان بدلاً عنه.
وشهدت حركة أحرار الشام مطلع حزيران الفائت خلافات تمثلت بتهديد أجنحة تعتبر بمثابة قوة ضاربة داخل الحركة بالانشقاق، على خلفية عدم تنحية أبرز وجوه الانقسام السابق عن العمل في الحركة وعلى رأسهم المقدم أبو المنذر.
وفي كانون الثاني 2021 عينت حركة أحرار الشام عامر الشيخ، الملقب بأبو عبيدة قطنا قائدًا عاماً لها، وذلك بعد خلافات كانت ستؤدي إلى انقسام داخل الحركة.
وبدأ الخلاف في أحرار الشام بتاريخ 12 من تشرين الأول 2020 بعد قرار صادر من قيادة الحركة يقضي بفصل قائد قطاع الساحل وتعيين بديل عنه إلا أن قائد الجناح العسكري في الحركة النقيب عناد درويش وقائد قطاع الساحل، رفضا قرار القيادة العامة.
وطالب عناد درويش حينها في بيان له بتعيين القائد السابق للحركة، الشيخ حسن صوفان قائداً عاماً للحركة، ما اعتبر بمثابة انقلاب على قيادة الحركة التي أصدرت قراراً بفصل عناد درويش وقيادته بالعمل في المجلس العسكري للحركة، واستبدلت به أبو فيصل الأنصاري.
وجاء في بيان الدرويش أن المطالبة بعدم التجديد لعلي باشا وتعيين حسن صوفان، تأتي بعد السعي في إصلاح ذات البين وحصول العديد من الجلسات المطولة والوصول إلى طريق مسدود، رغم اقتصار مطالبتنا على مجرد تعيين أمير جديد من قبل الشورى أنفسهم، وأشار البيان إلى أن المطالبة بتعيين صوفان في قيادة الحركة هو بسبب حصول شلل طيلة الفترة الماضية في النشاط العسكري، وفق البيان.
ويعود السبب الرئيسي للخلافات داخل الحركة حينها لتمديد مجلس الشورى للقائد الحالي جابر علي باشا عاماً إضافياً في منصبه، وهو ما رفضه الجناح العسكري، مطالباً بعودة صوفان، الذي كان قد تولى قيادة الحركة في العام 2017.
تلته سلسلة من الإعفاءات التي ترجمت على أنها انتقام من جابر علي باشا من معارضيه، حيث أعفت قيادة أحرار الشام النقيب أبو صهيب من مهامه كنائب لقائد الجناح العسكري، وعينت بدلًا عنه أبو موسى الشامي، بينما عينت أبو العز أريحا في قيادة اللواء الرديف، بدلاً من أبو محمود خطاب، وهو ما قوبل برفض من القادة الذين اعتبروا قرارات إعفائهم بمثابة محاولة من القيادة للهيمنة على الحركة وإقصائهم عنها.
وبلغ الانقسام في صفوف أحرار الشام ذروته بتاريخ 23 من تشرين الأول 2020، حين ترجمت الانقسامات إلى أفعال وصلت إلى مرحلة حصار واستيلاء على مقرات الحركة من قبل الجناح المعارض للقيادة العامة المتمثل بحسن صوفان وأبو المنذر.
واستولى الجناح المعارض للقيادة العليا في أحرار الشام حينها على عدة مقرات، أبرزها المقر 101 في مدينة أريحا جنوبي إدلب، ومقرات في قرية الفوعة بريف إدلب الشرقي، ما اجبر قائدها السابق جابر علي باشا على إصدار أمر في بإفراغ المقرات في أريحا والفوعة وأماكن أخرى من العتاد والكتلة البشرية، ونقلها إلى عفرين شمال غربي حلب، خشية الاستيلاء عليها من قبل التيار المتمرد.
وأكد جابر علي باشا أن الجناح التابع له داخل الحركة، يرفض الصدام المسلح مع الجناح المعارض تحت أي ظرف وطالب بالعودة إلى طاولة الحوار لحل الخلافات العالقة والحفاظ على بنية الحركة وحمايتها من التفكك.
وقال في بيانٍ صادرٍ عنه في تشرين الأول 2020 إن ما حصل في الأيام الأخيرة هو تكرار لما شهدته الحركة سابقاً من انشقاقات، دفعنا ودفعت الساحة ثمنها غالياً، مشيراً إلى أن الجهة التي عملت على الانقلاب تصدر نفسها لقيادة الحركة بطريقة غير شرعية مستهجنة، لا تهدف إلا للنيل من تماسك الحركة وصفها الداخلي، ووجه علي جابر رسالة إلى منتسبي الحركة، مفادها أن ما جرى سحابة صيف عابرة لا تلبث أن تزول ومحنة ستخرج منها الحركة أقوى من ذي قبل.
وأعقب ذلك اجتماعات لحل الخلاف إلا أن إصرار حسن صوفان وأبو المنذر على حل مجلس الشورى والقيادة نهائياً حال دون التوصل إلى أي اتفاق، حتى مطلع عام 2021 عندما اتفق طرفا النزاع في الحركة القيادة، على تعيين عامر الشيخ الملقب بأبو عبيدة قائداً جديداً خلفاً للقائد السابق جابر علي باشا.
كما قضى الاتفاق على تولي أبو عبيدة درعا بمهام قيادة الجناح العسكري إلى جانب الإشراف على تشكيل مجلس قيادة جديد بالكلية في أحرار الشام.
وفي أواخر نيسان الفائت أعلنت حركة أحرار الشام الإسلامية تشكيل مجلس قيادة جديد مكون من 12 قيادياً، وبحسب بيان صادر عن الحركة، أعلن القائد العام أبو عبيدة، تشكيل مجلس قيادة جديد بناء على الصلاحيات الممنوحة له بموجب الاتفاق بين الأطراف المتنازعة.
وتضمن المجلس الجديد كلاً من الرائد حسين العبيد الملقب بأبو صهيب، وأبو عمر الساحل، والمقدم أبو المنذر الحموي، المحسوبين على القائد الأسبق للحركة حسن صوفان.
كما تضمن المجلس أبو بكر فاروق وأبو سلمان الحموي، وأحمد الرفاعي (الشيخ أبو عبيدة) وعلاء جودي (أبو عمر التوبة)، وأبو حسن الحموي وأبو الخير الشامي، ووليد سليمان (أبو حمزة) وأحمد الدالاتي (أبو محمد الشامي)، المحسوبين على طرف القيادة، إضافة إلى القيادي عبيدة الخلف (أبو إسلام).
ونشأت حركة أحرار الشام الإسلامية أواخر عام 2011، من اندماج أربعة فصائل "جماعة الطليعة الإسلامية، حركة الفجر الإسلامية، كتائب الإيمان المقاتلة، إضافة إلى أحرار الشام". وكانت من أبرز الفصائل التي واجهت قوات النظام في أغلب المناطق السورية، قبل أن تتعرض لنكسة كبرى في عام 2014، حين قتل قائدها وأحد أبرز مؤسسيها، وهو حسان عبود وشقيقاه، مع أكثر من 45 قيادياً آخرين في أيلول 2014، كانوا في اجتماع لمجلس شورى الحركة في بلدة رام حمدان بريف إدلب شمالي سورية، في تفجير لا يزال يلفه الغموض.
وكانت أحرار الشام، التي ينتشر مقاتلوها في بعض مناطق محافظة إدلب، ولا سيما في مدينة أريحا وبلدة بنش ومنطقة جبل الزاوية، وفي أجزاء من جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، قد دخلت بأكثر من نزاع دموي مع "تحرير الشام"، لا سيما عامي 2017 و2019، ما أدى إلى فرض الأخيرة هيمنتها العسكرية على الشمال الغربي من سورية، وتحجيم دور الحركة.