قسد ومسد يحتفلان بذكرى الثورة السورية... تغير في الموقف؟

في حدث لافت تزامن مع ذكرى انطلاق الثورة السورية، نشر مجلس سوريا الديمقراطية "مسد"، الذراع المدني والسياسي لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بياناً احتفى فيه بالذكرى الحادية عشرة لانطلاق الثورة السورية، في مؤشر على تغير واضح في مواقف قسد بعد فشل مباحثات التقارب بينها وبين النظام السوري خلال الفترة الفائتة.
وقالت مسد في بيانٍ لها، إن “السلطة في دمشق هي المسؤولة عن الكارثة الإنسانية في سوريا، وهي المسؤول الأول عما جرى في البلاد من قتل وتدمير وتهجير، وتصفيات في السجون والمعتقلات، وفقدان المختطفين والمغيبين قسراً"، موضحةً أن دمشق "رفضت كافة مبادرات الحوار الداخلية الساعية للحل، ودفعت باتجاه تدويل الأزمة، وجعلت من سوريا دولة منتهكة السيادة، وأراضيها محتلة، ورهينة بأيادي قوى إقليمية ودولية".
وأردف البيان "وفي الجانب الآخر كانت لدى سلطة دمشق اليد الطولى في حرف الثورة السورية عن مسارها التحرري، ودفعها باتجاه التسلح إلى جانب المعارضة والتنظيمات الإسلاموية والإرهابية".
وأشار البيان إلى أنه " على الرغم من العديد من الصعوبات والتحديات التي واجهتها الثورة السورية، وبالرغم من جميع محاولات الخطف والسرقة التي تعرضت لها على أيادي المارقين والمرتزقة من عملاء الثورة المضادة، إلا أنها تبقى في جوهرها ثورة حق وحرية وكرامة متأصلة، وستبقى صيرورتها التاريخية مفعمة بالأمل، وسمو الأهداف والمطالب".
وشدد البيان على أن " مجلس سوريا الديمقراطية يؤكد مجدداً على التزامه بالدفاع عن مطالب شهداء الحرية والكرامة، ويرى بأن لا حل في سوريا إلا بتحقيق الانتقال السياسي إلى دولة ديمقراطية تعددية لامركزية، تضمن دستورياً حقوق كافة المكونات القومية والدينية، والحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسائر المواطنين جماعات وأفراد من دون أي تمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو اللغة".
واختتمت مسد لبيان بالقول " يشدد المجلس على ضرورة أن تلتقي جميع أطراف المعارضة الوطنية الديمقراطية على رؤى موحدة وبرنامج جامع، وخارطة طريق للخلاص من الأزمة وانهاء الاحتلالات وتحقيق أهداف ثورة الحرية والكرامة"، داعيةً المجتمع الدولي إلى ضرورة التعاون ودعم المسار الوطني الديمقراطي لأنه السبيل الوحيد لإنقاذ البلاد وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
احتفاليات مدعومة من قسد
وإلى جانب البيان السياسي الصاخب لمجلس سوريا الديمقراطية، دعت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" إلى مظاهرات شعبية في مناطق نفوذها شمال شرقي سوريا، احتفالاً بذكرى الثورة السورية، ونشر "مجلس دير الزور العسكري‏" التابع لقسد عبر "فيسبوك" تسجيلاً مصوراً لاحتفالات في قرى دير الزور، يظهر فيها رفع رايات الثورة السورية وشعار المجلس العسكري.
ونشرت وكالات أنباء مقاطع مصورة، قالت إنها لإحدى الاحتفاليات في دير الزور، وظهر فيها مرور رتل عسكري تابع للتحالف الدولي بالقرب من دوار "المعامل" أثناء تجمع مدنيين للاحتفال بذكرى الثورة السورية.
ولم يقتصر الحراك الثوري القسدي الغريب من نوعه على مدينة دير الزور، بل امتد ليشمل محافظة الرقة، حيث نظمت قسد "احتفالية جماهيرية" في ذكرى الثورة السورية في مدينة الرقة رُفعت خلالها أعلام الثورة السورية ورايات لقسد.
وبحسب مصادر متطابقة فإن الاحتفالية أقيمت في ساحة مجلس إدلب الذي تأسس عام 2019 لإدارة شؤون النازحين من مدينة إدلب والمقيمين في مدينة الرقة ومناطق أخرى من شمال وشرق سوريا.
كما شهدت مدينة القامشلي بريف الحسكة احتفالات مشابهة، حيث أقام مجلس سورية الديمقراطية "مسد" مهرجاناً خطابياً تحت شعار "الثورة مستمرة حتى إنهاء الاستبداد وتحقيق الحرية والكرامة"، وذلك بحضور ممثلين عن العشائر العربية والكردية، وكوادر من الأحزاب السياسية وشخصيات مستقلة.
انفتاح سياسي ورسائل للمعارضة
لم تقطع قسد وعلى الرغم من محادثتها الجدية في وقتٍ سابق مع النظام السوري برعاية روسية، من أملها في التوصل إلى مؤتمر وطني يجمع مختلف القوى الديمقراطية السورية، وذلك بالاشتراك مع قوى سياسية سورية متعددة داخل البلاد وخارجها.
ولعل اجتماع اللجنة التحضيرية لمؤتمر "القوى والشخصيات الديمقراطية" الذي أقيم في مدينة ستوكهولم السويدية، وشارك فيه مسد ككيان سياسي يسعى لالتئام صف القوى الديمقراطية السورية، كان من أبرز المحاولات التي تهدف لكسر عزلة قسد، وبناء جسر من التواصل السياسي بعد إقصائها بشكل تام من قبل المعارضة السورية والائتلاف الذي تتهمه قسد بالتبعية الكاملة لتركيا.
وبحسب مصادر كردية مقربة من قسد، فإن دعوة الأخيرة لتنظيم احتفاليات بذكرى الثورة السورية، يُشير إلى رغبة قسد بالانفتاح السياسي على المعارضة السورية من جديد، وذلك بعد فشلها في التوصل لأي اتفاق مع النظام في دمشق، بسبب تعنته وتمسكه بالعقلية الأمنية ما قبل عام 2011، مشيرةً إلى أن احتفال قسد بذكرى الثورة يندرج في إطار الانفتاح على الحوار مع المعارضة السورية.
وأضافت أن التبدل السياسي في مواقف قسد، يشي عن رغبتها في التوصل إلى حل مع المعارضة السورية، يضمن لها بقاء مناطق سيطرتها، ويُبعد عنها شبح الأعمال العسكرية التركية، وذلك بناءً على تفاهمات مع المعارضة برضا تركي كامل، موضحةً أن قسد ترى في التقارب مع المعارضة، حلاً جذرياً للمشكلة مع تركيا، لافتةً أن قسد أبدت مؤخراً ليونة كبيرة في التعاطي مع تركيا، وعبرت مراراً وتكراراً عن استعدادها للحوار مع أنقرة.
كما تسعى قسد وفقاً للمصادر، إلى وقف التصعيد الحالي، وأي تصعيد مستقبلي محتمل، وذلك عبر حوار مع المعارضة السورية ومن خلفها تركيا، لإيقاف التمدد تجاه مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا، وإصدار موقف موحد يُجبر الأسد على تقديم التنازلات، ونقلت عن قياديين من مسد قولهم، إن النظام السوري أكبر المستفيدين من النزاع بين شمال شرق سوريا، وشمال غرب سوريا.
وأشارت إلى أن قسد تهدف من خلال التصريحات والبيانات الأخيرة، إلى إنهاء العزلة المفروضة عليها سياسياً من قبل أطياف المعارضة السورية الممثلة في اللجنة الدستورية، مشيرةً إلى أن قسد تسعى لدور مستقبلي في المعارضة عبر منصة خاصة بها، على غرار المنصات السياسية السورية كـ "منصة مصر والقاهرة والرياص.
مساعي سابقة لتشكيل جسم منافس للائتلاف
وفي كانون الأول الفائت، عقدت قسد وذراعها السياسي مسد، الآمال بأن يُحدث الاجتماع القادم من مؤتمر القوى والشخصيات الديمقراطية خرقاً كبيراً في المشهد السياسي المعارض، ويضيف منصة جديدة إلى المنصات السياسية الموجودة في المشهد السوري.
وأشارت مصادر مطلعة لـ"المجس" حينها، إلى أن مجلس سوريا الديمقراطية، يريد من عقد مؤتمرات مشابهة، خلق بلبلة في الساحة السياسية السورية، تضمن له حجز مقعد في الحل السياسي السوري، الذي استبعدته منه الأمم المتحدة في المفاوضات التي ترعاها في جنيف، عبر إنشاء كيان موازي للائتلاف، أو كيان يُسفر عن اعتراف دولي يُحيد الائتلاف عن التفرد بالمشهد السياسي للمعارضة السورية.
ونقلت عن مقربين من الإدارة قولهم إن مجلس سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا يعمل على توحيد قوى المعارضة، وتغيير الشكل السياسي الحالي إلى شكل جديد قابل للتطوير، مؤكدين أن لقاء استوكهولم سيكون بمثابة بداية جديدة ومفيدة للحل السياسي السوري، وأن لقاء استوكهولم شهد مشاركة شخصيات مستقلة وتيارات سياسية، منها مسد، وتيار المواطنة، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، وأعضاء سابقين في الائتلاف الوطني السوري، وشخصيات اجتماعية وعشائرية. ومن الشخصيات المستقلة اللواء محمد الحاج علي وبسمة قضماني.
إلا أن شخصيات معارضة شككت، بجدوى لقاء استوكهولم الذي تبنت مسد عقده وعملت على دعوة وجوه المعارضة السورية إليه، وأكدت أنه خالي المضمون والقيمة، وأنه لن يُسهم في جمع تيارات المعارضة السورية، كما انتقدت وجود قضماني مع رئيسة الهيئة التنفيذية لمسد إلهام أحمد تحت عنوان ديمقراطي، مشيرةً إلى أن أحمد قيادية في العمال الكردستاني المُصنف على قوائم الإرهاب، مشددةً على أنه لا يمكن الجمع بين الإرهاب والديمقراطية في آن واحد، واتهمت قضماني بمحاباة معارضة المعارضة.
وتعتبر المعارضة السورية والائتلاف الوطني السوري، قوات سوريا الديمقراطية أنها امتداد سوري لحزب العمال الكردستاني الإرهابي، وترفض الحوار معها ومع ذراعها السياسي مسد قبل إعلانها فك الارتباط مع الحزب الإرهابي، وهو ما ترفضه مسد بشدة، نافيةً في الوقت ذاته تبعيتها للحزب، ومؤكدةً على أنها فصيل وطني يطالب بحقوق أكراد سوريا ويعمل على تحصيلها.