روسيا تحشد السوريين للذهاب إلى أوكرانيا وتشكيلات النظام السوري تتنافس لإظهار الولاء

عملت موسكو منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية-الروسية، ودخول قوات الأخيرة لغزو أوكرانيا، إلى استثمار وجودها العسكري الراسخ في سوريا، عبر تجنيد العديد من السوريين للمشاركة في المعارك المندلعة هناك، خدمةً للمصالح الروسية الدولية، وسط تهافت من الميليشيات الموالية لروسيا في سوريا على تصدر المشهد، لنيل المزيد من الثقة الروسية وتحصيل مكاسب ميدانية، بإظهار الولاء التام والطاعة العمياء لموسكو، عبر مشاركتها معاركها الخارجية على حدود الاتحاد الأوروبي.
ولعل الخسائر العسكرية التي مُنيت بها موسكو في أوكرانيا، واتباع الجيش الأوكراني مبدأ "حرب العصابات" في صد الغزو الروسي، فضلاً عن الدعم الأوروبي المقدم له، والذي خلف مجازر عديدة في الآليات العسكرية وجنود الجيش الروسي، نبه الروس إلى ضرورة الاستعانة بميليشيات متمرسة على حروب العصابات، وذلك لضمان نجاح الغزو والتخفيف من حصيلة الخسائر العسكرية الروسية، التي باتت تهدد هيبة روسيا على الصعيد السياسي والعسكري.
سماسرة ومكاتب أمنية لتجنيد السوريين لصالح روسيا
ومنذ مطلع آذار الجاري، باشرت المكاتب الأمنية التابعة للنظام، والتي تدين بالولاء لموسكو، تسجيل أسماء شبان من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، بهدف نقلهم إلى أوكرانيا للقتال إلى جانب القوات الروسية لمساعدتها في الحرب الهادفة لإسقاط حكومة كييف، حيث جمعت منذ الأيام الأولى، قائمة تضم أسماء مئات الشبان الراغبين بالالتحاق بالمعارك الدائرة في أوكرانيا، وذلك لعرضها على القوات الروسية الموجودة في سوريا من أجل الموافقة عليها قبل بدء عملية إرسال المقاتلين.
وبحسب مصادر مطلعة فإن الميليشيات والأجهزة الأمنية المرتبطة بروسيا، عملت بشكل مكثف خلال الأسبوع الأول من آذار، على الترويج لفكرة الذهاب والمشاركة في معارك أوكرانيا، واستقطبت عدداً كبيراً من الشبان لاسيما في مناطق الساحل السوري، مستغلةً سوء الوضع الاقتصادي وانعدام فرص العمل، ونقص المواد الأساسية، ورفع النظام السوري مؤخراً الدعم عن مئات الآلاف من السوريين.
السماسرة العاملين في مجال التجنيد، لم يبلغوا الشبان الراغبين بالذهاب إلى أوكرانيا، بداية الأمر، بالمبلغ الذي سيدفع لهم مقابل ذهابهم، لكنهم أكدوا أنه لن يقل عن المبالغ المدفوعة للسوريين الذي ذهبوا في وقتٍ سابق إلى فنزويلا وليبيا، ووفقاً للمصادر فإن السماسرة طالبوا الأشخاص الراغبين بالانتساب بدفع مبلغ 250 ألف ليرة سورية لهم، في حال تمت الموافقة عليهم بعد رفع أسمائهم من قبلهم.
ونقلت المصادر عن قادة سابقين في فصائل المعارضة بريف دمشق قولهم، إن أفرع المخابرات التابعة للنظام، عرضت على لجان المصالحة في مناطق عدة بريف دمشق، إصدار عفو عن المقاتلين السابقين ذوي الخبرة القتالية، ومنحهم امتيازات أمنية وعسكرية، مقابل إخضاعهم لدورة عسكرية في إحدى الثكنات الروسية، تمهيداً لنقلهم إلى أوكرانيا، مشددةً على أن روسيا طالبت أجهزة المخابرات بتجنيد ذوي الخبرة والكفاءة القتالية العالية من مقاتلي المعارضة السورية سابقاً، لافتةً أن الروس أخطروا أفرع المخابرات بأن الحرب في أوكرانيا قد تطول، وتتحول إلى قتال شوارع، وأن خبرة المقاتلين السابقين في قتال الشوارع، قد تدعم القوات المهاجمة في أوكرانيا.
وبينت أن الأجهزة الأمنية والميليشيات المرتبطة بالروس، أبلغت الراغبين بالذهاب أنهم سيخضعون لدورات مكثفة على أيدي ضباط روس في قاعدة حميميم العسكرية، أو إحدى الثكنات التابعة للروس، وأضافوا " لن يتم قبول أصحاب الخبرة القتالية الضعيفة، روسيا تريد أصحاب الخبرة العالية"، وكشفت أن الأجهزة الأمنية اشترطت على الراغبين بالانتساب عدم وجود أي أمراض لديهم، أو أي إصابات سابقة قد تعوق حركتهم خلال المعارك.
إعلانات فيسبوكية ورواتب مغرية
وفي ذات السياق رصدت "وكالة المجس" إعلانات نشرها مؤيدون للنظام السوري وصفحات إعلانات الكترونية، تدعو الراغبين بالتطوع للقتال في أوكرانيا الى جانب القوات الروسية، الى تقديم الطلبات بشكل فوري، وذلك مقابل راتب بقيمة 1500 يورو شهرياً للراغبين بالقتال، فضلاً عن تتكفل الحكومة السورية بكافة مصاريف الطعام واللباس والطبابة، وتكفلها بإصدار جوازات سفر لمن لا يمتلكها.
وبحسب إعلان منشور على صفحة "طرطوس2  Tartous City" فإن موسكو تتعهد بتقديم العلاج وتعويض مادي كبير لمن يتعرض للإصابة أثناء المعارك العسكرية، كما أعلنت أن الحكومة الروسية ستقدم 50 ألف يورو لكل متطوع عند انتهاء الحرب.
والجمعة، نشرت مجموعة مغلقة في فيسبوك تابعة لعناصر الفرقة الرابعة، إحدى أقوى الفرق في جيش النظام، إعلاناً عن دور قتالي في أوكرانيا. وعرضت المجموعة دفعة قدرها 3000 دولار اعتماداً على خبرة مقدم الطلب وقالت إن التسجيل كان محدوداً.
ويُشير الباحث السوري" إيهاب العثمان" إلى أن الإعلانات التي تنشُرها الصفحات الموالية للنظام، والمُدارة بالأصل من قبل أجهزة المخابرات السورية، صحيحة وإن كانت بعضها تحتوي على بعض المبالغات والمغالطات، وأردف " السوريون الذين ذهبوا إلى ليبيا، وفنزويلا، استلموا مبالغ أكبر من المبلغ المعروض "1500" دولار أمريكي"، مشيراً إلى أن تعويض انتهاء الحرب البالغ قدره "50 ألف يورو" قد يكون وهمياً ومن باب المبالغة لترغيب السوريين في القتال.
وأضاف العثمان أن روسيا في حال أتمت سيطرتها على أوكرانيا، فإنها ستحصل على سلة غذائية كبيرة، ودولة تُعتبر معبراً لتمرير الطاقة إلى أوروبا، موضحاً أن المبالغ المدفوعة للمرتزقة السوريين الذين تنوي موسكو الزج بهم هناك، لاتُقارن بالمكاسب الاقتصادية الكبيرة التي ستستولي عليها موسكو حال نجاح الغزو.
واستدل العثمان على صحة أقواله بتصريحات لوزير الدفاع الروسي "سيرغي شويغو " التي قال فيها إننا نعتبر من الصحيح الرد إيجاباً على هذه الطلبات الـ17 ألف التي وصلتنا للقتال، خصوصاً أنها تأتي ليس لاعتبارات مالية بل بسبب الرغبة الحقيقية من قبل هؤلاء الناس، ونعرف الكثيرين منهم وهم سبق أن ساعدونا في الحرب ضد داعش في أصعب فترة، خلال السنوات العشر الماضية".
متطوعون بالآلاف من شرق سوريا وحتى جنوبها والميليشيات تتنافس لإظهار الولاء
وعُقب تصريحات وزير الدفاع الروسي، كشف تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" أن الجماعات شبه العسكرية الموالية للنظام السوري والتي تضم عشرات الآلاف من المقاتلين، هم جميعاً متطوعون محتملون للقتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا، مضيفة أن عدد المتطوعين في الجنوب السوري بلغ 3000 مقاتل.
وقال التقرير إن صفوف الجماعات شبه العسكرية الموالية للنظام في سوريا تضم عشرات الآلاف من ما يسمى بـ"قوات الدفاع الوطني" ومقاتلي "الميليشيات المسيحية" والمقاتلين الذين تركوا الجيش ونشطوا في حرب المدن وحرب العصابات، وبين أن الجماعات شبه العسكرية التابعة للنظام، تشمل أيضاً وحدات وميليشيات رديفة أخرى مدعومة من روسيا قاتلت إلى جانب جيش النظام.
ونقل التقرير عن محللين أن روسيا بإمكانها تجنيد عناصر هذه الجماعات بسرعة للقتال في أوكرانيا، مشيرين إلى أن التجنيد الذي تديره مجموعة "فاغنر" الروسية، استمر لأيام في محافظة دير الزور الشرقية بالقرب من الحدود مع العراق، وتم خلاله تسجيل عشرات المتطوعين من المحافظة.
ووفقاً للتقرير، ففي بلدة إثريا الشمالية التي تسيطر عليها قوات النظام، طلب الروس من كبار الضباط السوريين في الفيلق الخامس المدعوم من قبل روسيا، تجنيد شبان من ذوي الخبرة، للقتال في المدن التي هم يحددونها في أوكرانيا.
أما في الجنوب السوري، كشف التقرير عن وجود تقارير تحدثت عن وصول عدد المتطوعين إلى نحو 3000 شخص، وأضاف أن متطوعين آخرين في ريف دمشق سجلوا أسماءهم لدى أجهزة النظام الأمنية التي ستقدمها بدورها إلى القوات الروسية في سوريا للموافقة عليها للقتال في أوكرانيا.
وفي وسط سوريا، وتحديداً في سهل الغاب، ذكرت مصادر مطلعة لـ" وكالة المجس" أن ميليشيا "الدفاع الوطني" بقيادة سيمون الوكيل ونابل العبدالله، تُشرف بشكل مباشر على عمليات التجنيد، بالتعاون مع مجموعة "فاغنر" الروسية، وأضافت أن "الدفاع الوطني" افتتح أكثر من مركز لتسجيل أسماء الراغبين بمشاركة روسيا في غزو أوكرانيا، برواتب تتراوح بين 300-1000 دولار أميركي شهرياً، يتم تحديدها لاحقاً، حسب تقديرات القائد الميداني للمجموعات القتالية في أوكرانيا، وحسب خبرة المقاتل.
وبينت المصادر أن الأولوية لأبناء الأقليات في المنطقة، بحيث تشترط المراكز عند تسجيل أسماء المقاتلين من أبناء السنّة وجود توصية للمقاتل من قادة الدفاع الوطني، ومن ثم تُجري المكاتب دراسة للمقاتلين الذين جرى تسجيلهم، وتختار منهم الأكثر تمرساً على القتال.
وشددت المصادر أن ميليشيات النظام طلبت من غالبية المقاتلين الذين شاركوا في ليبيا القدوم للتسجيل، موضحةً أن عدداً منهم رفض التسجيل، بسبب سرقة أغلب الرواتب المخصصة لهم في ليبيا، وتخوفهم من تكرار التجربة في أوكرانيا، مشيرةً إلى أن قادة الميليشيات عمدوا مؤخراً إلى سرقة أكثر من نصف الرواتب المخصصة للمقاتلين الذين ذهبوا إلى ليبيا وأرمينيا.
وفي جنوب سوريا، وتحديداً مدينة السويداء، بينت المصادر أن الإقبال على التسجيل للقتال في روسيا ضعيف للغاية، بسبب عدم وجود رغبة لدى المقاتلين بالتوجه إلى أوكرانيا، مبينةً أن الصور الواردة من أوكرانيا للمعارك الدائرة، وأعداد القتلى في الجيش الروسي، دفعت بعض المقاتلين إلى الخوف من الذهاب إلى أوكرانيا، ونقلت عن أحد المقاتلين السابقين قوله "في ليبيا كانت مهامنا تقتصر على حماية المنشآت النفطية، أما في أوكرانيا فلا مفر من المعارك ومجابهة الأسلحة الأمريكية الفتاكة".
وشددت المصادر على أن المدعو "وئام زريفة" يُشرف على مهمة استقطاب المقاتلين من أبناء المحافظة، حيث تتم الإجراءات في مكتب شركة الصياد الأمنية المملوكة لزريفة، وهي الشركة ذاتها التي نشطت في تجنيد المقاتلين للقتال في ليبيا.
الكرملين أعطى الضوء الأخضر لاستقدام المقاتلين السوريين إلى أوكرانيا
التهافت الكبير على تجنيد السوريين للقتال في أوكرانيا، تزامن مع إعلان الكرملين بشكل رسمي ،الجمعة، أنه سيُسمح للمقاتلين من سوريا ودول الشرق الأوسط بالقتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا، بعدما دعم الرئيس فلاديمير بوتين خطة إرسال مقاتلين متطوعين للانخراط في الحرب.
وقال الناطق باسم الكرملين "دميتري بيسكوف" رداً على أسئلة الصحفيين، إن وزير الدفاع الروسي "سيرغي شويغو" لفت إلى أن "معظم الأشخاص الذين يرغبون وطلبوا القتال هم مواطنون من دول في الشرق الأوسط وسوريون"، وأضاف أن قرار إرسال مقاتلين متطوعين إلى أوكرانيا مقبول، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تدعم إجراءات إرسال مرتزقة للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية، وأردف "إذا كان الغرب متحمساً جداً بشأن وصول المرتزقة، إذا لدينا أيضا متطوعون يرغبون في المشاركة".
بوتين يحض على وصول المتطوعين الشرق أوسطيين إلى أوكرانيا
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمر، أمس الجمعة، بتسهيل وصول من يريد القتال إلى جانب قوات بلاده ضد القوات الأوكرانية، وقال بوتين خلال اجتماعه مع مجلس الأمن الروسي: "إذا كان هناك أشخاص يريدون الانضمام بشكل طوعي، لا سيما إذا لم يكن ذلك من أجل المال، حسناً نحتاج إلى مقابلتهم في منتصف الطريق ومساعدتهم على الانتقال إلى منطقة الحرب".
وأضاف بوتين أن هذه الخطوة مبررة لأن "عرابي النظام الأوكراني الغربيين لا يدرون حتى ما يفعلون" ويجمعون علانية "مرتزقة من جميع أنحاء العالم لإرسالهم إلى أوكرانيا"، محملاً إياهم المسؤولية عن "التجاهل التام لكافة أعراف القانون الدولي".
كما وافق بوتين على تسليم أنظمة صاروخية غربية تم الاستيلاء عليها إلى مقاتلين من المتمردين المدعومين من روسيا في أوكرانيا، وكان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قد اقترح تسليم أنظمة مضادة للدبابات أمريكية الصنع مثل جافلين وستينغر إلى مقاتلين من المتمردين في منطقتي لوجانسك ودونيتسك.
زيلنسكي اتهم روسيا بتجنيد السوريين
وكان الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي"، قد قال الجمعة، إن روسيا جندت سوريين للقتال إلى جانب قواتها في أوكرانيا، معتبراً أن الحرب وصلت إلى نقطة تحول استراتيجية، وأشار في خطابٍ له إلى أنه "من المستحيل تحديد عدد الأيام التي لا يزال يتعين علينا العمل فيها على تحرير الأراضي الأوكرانية"، وأردف "لكن يمكننا القول إننا سنفعل ذلك، لأننا وصلنا بالفعل إلى نقطة تحول استراتيجية"، داعياً المجتمع الدولي إلى زيادة ضغوط العقوبات على روسيا.
وجاء إعلان زيلينسكي عن مشاركة سوريين في القتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا بعد ساعات من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السماح للمتطوعين بالقتال إلى جانب جيش بلاده ضد القوات الأوكرانية.