برعاية التحالف الدولي: مساعي لتعزيز الحضور العربي في مناطق الإدارة الذاتية

تعمل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في مناطق شمال وشرق سوريا، على تعزيز دور المكون العربي في تلك المناطق، وضمان انخراطه في العملية السياسية الدائرة هناك، في ظل هيمنة واضحة من "الإدارة الذاتية" الذراع المدني لقوات سوريا الديمقراطية، ومن خلفها حزب العمال الكردستاني، على المشهدين السياسي والعسكري في المنطقة.
وأشارت مصادر مطلعة على الأوضاع السياسية والعسكرية في شمال وشرق سوريا، في حديثها لـ"وكالة المجس" إن المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية، شهدت منذ منتصف شهر شباط الفائت، تزايداً ملحوظاً في نشاط القوى السياسية العربية في محافظتي الحسكة والرقة، متمثلةً بمشيخة قبيلة شمر العربية، والكيانات السياسية والاجتماعية والعسكرية التابعة لها كحزب المحافظين الديمقراطي الذي يتولى أمانته العامة، الشيخ "مانع الجربا"، وقوات الصناديد التابعة لقسد بزعامة "بندر الجربا".
ولفتت المصادر أن الحراك السياسي العربي في مناطق الإدارة الذاتية، تكلل بالضغط على قسد للسماح لحزب المحافظين الديمقراطي العربي، بافتتاح مكتب تابع له في مدينة الرقة، ليكون الأول من نوعه خارج محافظة الحسكة بعدما كانت قسد قد حدت من نشاطه خارج الحسكة، ومنعته من ممارسة أي نشاط في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ونوهت المصادر إلى أن الحراك العربي لم يقتصر على افتتاح مكتب في محافظة الرقة، بل تعداه إلى إجراء الأمين العام لحزب المحافظين الديمقراطي، عدداً من الزيارات واللقاءات اجتمع خلالها مع وجهاء وشيوخ العشائر العربية في محافظة الرقة، وذلك لدفعهم إلى توحيد صفوفهم، للانخراط بفاعلية في العمل السياسي وبإدارة المنطقة من خلال المشاركة في الإدارة الذاتية.
وعلى الصعيد العسكري، وجهت قوات الصناديد التابعة لقسد مطلع آذار الجاري، دعوات لعدة قائد فصائل عربية تابعة لقسد، للاجتماع بهم، وذلك لمناقشة آليات تفعيل دور الفصائل العربية المنضوية في صفوف قسد، وإمكانية رفع مستوى التنسيق بينها لتحقيق مشاركة أكثر فاعلية في المنطقة، وضمت الاجتماعات بحسب المصادر كلاً من "أبو علي برد" قائد جيش الثوار، و "إبراهيم البناوي قائد جند الرحمن"، حيث تعتبر هذه الزيارة الأولى من نوعها التي يجريها القادة المذكورين، إلى مقر قيادة قوات الصناديد وقصر آل الجربا.
دور التحالف الدولي في الحراك العربي
مصادر مقربة من قبيلة شمر العربية، أكدت لـ"المجس" أن الحراك العربي الأخير في مناطق شمال وشرق سوريا، جاء بدعم وتوجيه من قوات التحالف الدولي والقوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة، مؤكدةً أن قسد كانت قد منعت خلال السنوات الفائتة الفصائل العربية التابعة لها، والمكونات السياسية العربية في المنطقة، من ممارسة أي نشاط سياسي منفصل عنها، كما أنها حظرت عقد اجتماعات أو فعاليات عربية في مناطق سيطرتها، إنما سمحت بوجود عربي محدود  داخل الفعاليات المُقامة برعاية وإشراف الإدارة الذاتية.
وشددت المصادر على أن اختيار قبيلة شمر والكيانات السياسية والعسكرية التابعة لها، لقيادة الحراك العربي في مناطق الإدارة الذاتية يعود إلى العلاقة القوية التي تربط مشائخ شمر بموظفي التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، فضلاً عن علاقتهم المتينة بالمبعوث السابق للتحالف الدولي إلى سوريا "بريت ماكغورك"، الذي يشغل حالياً منصب منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط.
الأهداف والغايات المرجوة من الحراك العربي
تُشير التحركات العربية في ظل الظروف الداخلية والسياسية، التي تشهدها مناطق الإدارة الذاتية، إلى جملة من الأهداف التي وضعتها قيادة التحالف الدولي في سوريا، ولعل من أبرز الأهداف المرجوة تتمثل في تعزيز مشاركة المكوِن العربي في الحياة السياسية داخل مناطق سيطرة "قسد" خلال الفترة المقبلة، بعد أن حدت قسد خلال السنوات الفائتة من الحضور العربي في مناطق سيطرتها، وبلغ بها الأمر حد التهميش المتعمد والممنهج، حيث يهدف التحالف الدولي لضمان مشاركة العرب في انتخابات الإدارة الذاتية التي يتم التحضير لها.
ولعب النشاط المتزايد لتنظيم الدولة، وخصوصاً بعد غزوة "غويران" التي أثبتت وجود خلل عسكري في منظومة قسد، وتواطؤ عربي أو تعاطف إن صح التعبير مع تنظيم الدولة داخل مناطق سيطرتها، وخاصةً ضمن المناطق ذات الأغلبية العربية التي عانت من التهميش والاعتقالات، دوراً في تنبيه التحالف الدولي إلى ضرورة استمالة المكون العربي إلى جانبه، وإعطائه بعضاً من حقوقه وذلك لضمان عدم دعم تنظيم الدولة في المناطق ذات الأغلبية العربي، وللحد من قدرة التنظيم على الحركة وتجنيد أبناء العشائر العربية مستعيناً بسياسات قسد الظالمة تجاه العرب لتحقيق أهدافه.
كما يُمكن اعتبار تصدير المكون العربي في المشهد السياسي في مناطق الإدارة الذاتية، على أنه أداة للضغط على الأطراف المشارِكة في المفاوضات الكردية- الكردية، التي شهدت تعطيلاً وتوقفاً منذ عدة أشهر، بسبب تعنت الأطراف وتمسكها بمواقفها، على الرغم من الوساطات الأمريكية الداعية لإيجاد نقاط توافق بين الأحزاب الكردية المتناحرة لدفع العملية التفاوضية.
ولعل زج المكون العربي في المشهد السياسي بدعم من التحالف الدولي، رسالة واضحة من قيادة التحالف بسعيها لإنشاء مسار تفاوضي أو سياسي داخلي جديد تشارِك فيه أطراف عربية من المنطقة،  ليكون بمثابة بديل محتمل عن المسار التفاوضي الكردي المتعطل.
كما تلعب العلاقات الدولية دوراً كبيراً في منح المكون العربي هامشاً أكبر من الحرية السياسية، ويمكن اعتباره أيضاً بمثابة إرضاء لأنقرة التي سبق وقدمت جملة من المطالب المتعلقة بإدارة المنطقة وضرورة مشاركة جميع مكوناتها في إدارة شؤونها، وذلك بسبب العداء الشديد بينها وبين حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، وارتفاع مستوى التصعيد بينها وبين الأطراف الكردية بسبب العمليات العسكرية والأمنية التي أجرتها سابقاً برفقة عناصر الجيش الوطني المدعوم من قبلها، فضلاً عن عمليات الاغتيال التي تطال قادة عسكريين أكراد بواسطة المسيرات التركية.
دور أمريكي سابق للتحالف مع المكون العربي
وعملت القوات الأمريكية في سوريا، المتواجدة في مناطق شرق الفرات، منذ أشهر، على تهيئة شبكات أمنية من أبناء القبائل العربية في المنطقة لتعقب واصطياد خلايا إيرانية، وذلك بعد ورود تقارير استخباراتية عن نية إيران استهداف القوات الأمريكية في سوريا عبر عملاء من المكون العربي.
ونقلت "المجس في تقريرٍ سابق عن مصادر عشائرية عربية، تأكيدها وجود شبكات تابعة للإيرانيين في شرق الفرات، مهمتها تعقب تحركات القوات الأمريكية، واستهدافها حين الضرورة، وذلك لزعزعة الاستقرار في شرق الفرات، وجعل الجنود الأمريكيين ضمن دائرة الاستهداف، وذلك لإجبار واشنطن على تخفيف الضربات الموجهة للميليشيات التابعة لإيران شرقي سوريا، وإرغامها على الاعتراف بالوجود الإيراني في سوريا كوجود شرعي ويحظى بحاضنة شعبية سورية.
وأضافت أن الاستخبارات الأمريكية حذرت القوات المتواجدة في سوريا من احتمالية شن هجمات تستهدف تحركاتها، وذلك بعد ورود تقارير مخابراتية، تُنذر بقرب شن هجمات على الأمريكيين في سوريا، عبر أذرع عربية موالية لإيران، ما دفع واشنطن للتحرك لإنشاء شبكات مشابهة لتعقب خلايا الإيران، مشيرةً إلى أن التحرك الأمريكي تزامن مع تحذير أمريكي شديد اللهجة، أطلقه مستشار الأمن القومي الأميركي "جيك ساليفان" لإيران بأنها ستواجه "تبعات خطيرة" في حال مهاجمتها "أي مواطن للولايات المتحدة".
وتسعى واشنطن من خلال التحالف مع العرب شرقي الفرات، إلى استغلال الخزان البشري الذي يضم عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين السابقين، الذين حاربوا النظام السوري ويمتلكون خبرات عسكرية كبيرة، ومعلومات جغرافية واسعة عن المنطقة، فضلاً عن رفضهم القاطع لمهادنة النظام أو عودته إلى المنطقة، في دحر النفوذ الإيراني والحد من نشاط الإيرانيين في مناطق معروفة رسمياً بأنها خاضعة للنفوذ الأمريكي.
وتُرجح المصادر أن عدم إسناد مهمة دحر الإيرانيين هناك، لقوات سوريا الديمقراطية الحليف الرئيسي لواشنطن، والمسيطر الفعلي على تلك المنطقة، يأتي على خلفية سيطرة حزب العمال الكردستاني وأذرعه على الساحة الكردية السورية، ووجود انقسام بين التيار الموالي لواشنطن والآخر الموالي للحزب في صفوف قسد، فضلاً عن اندلاع احتجاجات عربية ضد قسد في مناطق المكون العربي، الأمر الذي دفع واشنطن للاعتماد بشكل كلي على المكون العربي، لضمان نجاح المهمة بعيداً عن النزاع الدائر بين المكون العربي والكردي.
قسد عملت على إحداث شرخ عشائري لتحجيم قوات الصناديد
وكانت قسد قد أدركت منذ أشهر، خطر الحراك العربي بشكل عام، وميليشيا الصناديد التي أعلن شيخها وزعيمها الولاء المطلق للنظام بشكل خاص، وعملت قوات سوريا الديمقراطية في محافظة الحسكة، منذ مطلع العام الجاري، على إضعاف نفوذ العشائر العربية الموالية للنظام السوري، والتي ترى فيها قسد خطراً على وجودها في الحسكة، وذلك عبر إنشاء أحزاب عربية جديدة تدين بالولاء لها لتكون مُنافسة لتلك الموالية للنظام السوري.
وتُشير مصادر " المجس" إلى إن قوات سوريا الديمقراطية بدأت بدعم إحدى المكونات العربية، للإعلان رسمياً عن تأسيس حزب جديد في محافظة الحسكة، وذلك بُغية تحجيم نفوذ الشيخ حميدي دهام الجربا شيخ قبيلة شمر وقوات الصناديد أحد مكونات قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، مبينةً أنه من المتوقع الإعلان عن تأسيس حزب البناء والتطوير السوري بريف القامشلي، موضحةً أن الحزب الجديد سيكون بزعامة "محمد قانع الحران" شقيق قائد قوات حماة الجزيرة التباع لقسد رافع الحران الشمري.
ولفتت المصادر أن قوات سوريا الديمقراطية، علمت طيلة الفترة السابقة على دعم حران ليكون منافساً لعائلة الشيخ في المنطقة، كونه من وجهاء قبيلة شمر، وذلك لإضعاف الجربا الذي لايُخفي ميوله للنظام السوري وروسيا، ويسعى لتوسيع حاضنة النظام الشعبية في مناطق نفوذه، حيث مدت "قسد" حران بالمال والسلطة وعملت على الترويج له كشخصية عشائري ذات نفوذ وعلاقات واسعة مع قوات التحالف، وهو ما أحدث عدة انشقاقات داخل صفوف قوات الصناديد أسفرت عن انضمام العشرات من عناصره إلى الفصيل العسكري العربي التابع لحران.
ونوهت المصادر إلى أن حران عمل خلال الفترات الأخيرة على استقطاب مئات الشبان لضمهم لصفوف قواته العسكرية، مستفيداً من الدعم المالي الكبير المقدم له من قبل قوات سوريا الديمقراطية، فضلاً عن منح قسد نفوذ واسع له في محافظة القامشلي والحسكة وصولاً إلى الحدود السورية العراقية "معبر اليعربية".
وقالت إن تأسيس حزب البناء والتطوير السوري يأتي لمنافسة حزب المحافظين الديمقراطيين، الذي أسس في آب 2017 ويرأسه مانع حميدي دهام الهادي، وذلك عُقب تصريحات أدلى بها الجربا في وقتٍ سابق تؤكد الولاء للنظام في دمشق والحليف الروسي، وهو ما أثار مخاوف قسد من حدوث انقلاب في المناطق ذات المكون العربي بدعم من النظام السوري والروس، الذين فشلوا في قضم مناطق قسد لصالح النظام، أثناء التهديدات التركية الأخيرة المتوعدة بشن عمل عسكري ضد قسد.
وترجع مخاوف قسد إلى تسريبات صدرت في وقتٍ سابق تحدثت عن نية الأمريكيين بالاتفاق مع روسيا تشكيل فصيل جديد، يترأسه قادة سابقون في مليشيا "الصناديد" التي يتزعمها الشيخ حميدي الجربا بدعم من قوات التحالف الدولي، وذلك لضبط الحدود السورية العراقية.
فرص النجاح
لا يمكن التنبؤ بالوقت الحالي بمدى إمكانية تحقيق الحراك العربي المدعوم من التحالف الدولي أهدافه، وذلك لعدة اعتبارات أبرزها، معارضة قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية التابعة لها، إشراك المكون العربي الذي يرونه على أنه محرك وداعم لتنظيم الدولة، في العملية السياسية في المنطقة، بصفة ند وليس كتابع كما هي العادة  منذ سيطرة قسد على مناطق شمال وشرق سوريا.
ويلعب تعصب حزب العمال الكردستاني المُهيمن الفعلي على قوات سوريا الديمقراطية، والمؤسسات السياسية التابعة لها، دوراً كبيراً في عرقلة العملية السياسية الجديدة الهادفة لإشراك المكون العربي في حكم وإدارة المناطق الخاضعة بشكل كلي لسيطرة الأكراد، وذلك لعلم الحزب بأن تواجده على الأراضي السورية مرهون بقدرة قسد على إبقاء سيطرتها الكاملة على المنطقة، دون إشراك المكونات الأخرى في الحكم، بسبب حالة العداء القائمة بينها وبين الحزب.
كما أن جدية التحالف الدولي في المضي قدماً بالعملية السياسية الجديدة لمناطق شمال شرق سوريا، سيكون لها الكلمة الفصل، في بلورة المشهد السياسي والعسكري للمنطقة، وذلك يبقى مرهوناً  بإصرار التحالف الدولي على الفكرة، التي قد يُلغيها اتفاق الأحزاب الكردية المتناحرة على استمرار المفاوضات مع تقديم ضمانات بعدم تعطيلها مرة أخرى.