تحرير الشام تعتقل مهاجرين من تنظيم جند الله وسلفيون يتهمونها بنقض الاتفاق

شنت هيئة تحرير الشام، المُسيطر الفعلي على مناطق شمال غرب سوريا، حملة اعتقالات شملت عناصر من تنظيم جند الله في إدلب، وذلك بسبب ما اسمته عدم التزام قيادة التنظيم بتطبيق بنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 7 تشرين الثاني2021، بوساطة من الحزب الإسلامي التركستاني وسلفيين مقربين من الطرفين.
وقالت مصادر مطلعة على مضمون الاتفاق، لدى حديثها لـ"وكالة المجس" إن هيئة تحرير الشام، اتفقت مع تنظيم جند الله في تشرين الثاني الفائت، على أن يقوم بحل نفسه، فضلاً عن منعها انضمام عناصره إلى باقي التشكيلات العسكرية في محافظة إدلب على شكل مجموعات، مبينةً أن الهيئة سمحت بانضمامهم كأفراد لكن ضمن ضوابط وشروط محددة.
وأضافت المصادر أنه وبعد أشهر من توقيع الاتفاق، عمل "جند الله" على تمييع بنود الاتفاق المبرم مع الهيئة، وذلك عبر إبقاء عناصره على شكل تكتلات وجماعات، ما دفع الأجهزة الأمنية التابعة لتحرير الشام لتنفيذ حملات اعتقال طالت عناصر من التنظيم، معللةً ذلك بأنه بمثابة تذكير بالاتفاق.
وأشارت إلى أن جهاز الأمن التابع لتحرير الشام، نفذ مؤخراً حملات اعتقال في مناطق خاضعة لسيطرة الحزب الإسلامي التركستاني بريف إدلب الغربي والذي ينتشر فيه عناصر تنظيم جند الله، موضحةً أن الحملة أسفرت عن اعتقال قرابة 30 عنصراً من التنظيم، اقتادتهم تحرير الشام إلى المقار الأمنية التابعة لها للتحقيق معهم.
وأوضحت أن عمليات الاعتقال التي نفذتها هيئة تحرير الشام، استهدفت "المهاجرين" من حملة الجنسيات الأجنبية، مؤكدةً أن الأجهزة الأمنية التابعة للهيئة، ركزت في الحملة على اصطياد المهاجرين في حين غضت الطرف عن العناصر المحلية المنضوية في التنظيم، مشيرةً إلى أن الهيئة أطلقت سراح قرابة 10 عناصر من التنظيم، من أبناء قرى ريف إدلب وحماة، فيما أبقت المهاجرين رهن الاعتقال.
مضمون اتفاق جند الله وتحرير الشام
وفي تشرين الثاني الفائت، توصلت هيئة تحرير الشام، وتنظيم جند الله، بوساطة من الحزب الإسلامي التركستاني، إلى اتفاق يقضي ب تسليم كافة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة وحتى الخفيفة، بما فيها السلاح الفردي، فضلاً عن إلزام عناصر وقادة التنظيم بالخضوع لدورات شرعية لإزالة الشبهات الدينية، وتبيان المخالفات الشرعية التي وقع بها التنظيم وذلك للحد من مسألة الغلو والتكفير المتفشية داخل فكر التنظيم.
وبحسب المصادر فإن الاتفاق تضمن أيضاً إصدار تحرير الشام، عفواً عاماً عن عناصر وقادة جند الله، وذلك بعد سقوط قتلى من الهيئة في معارك جبل التركمان وغرب إدلب، كما تضمن إسقاط الحق العام وإحالة كل من عليه حقوق شخصية لعامة المسلمين من أموال ودماء إلى القضاء الشرعي.
كما قضى الاتفاق أنه وبمجرد انتهاء الدورة الشرعية، يُخير عناصر التنظيم بين الالتحاق بالفصائل العسكرية المتواجدة بشكل فردي حصراً، أو الجلوس في منازلهم وممارسة حياتهم الطبيعية بين المدنيين دون أي مضايقات أو ملاحقة أمنية.
وحول تطبيق بنود الاتفاق أكدت المصادر ذاتها، أن تنظيم جند الله التزم بالبنود المتضمنة تسليم عناصره أسلحتهم والخضوع لدورات شرعية برعاية الحزب التركستاني، مشيرةً إلى أن الحزب نشر صوراً للقاعات التي حضر فيها عناصر الجند الدروس الدينية، مبينةً أن برنامج الدورات الشرعية تضمنت عدة دروس ومواد دينية تهدف إلى علاج المشاكل الشرعية وتصحيح المفاهيم الخاطئة الموجودة لدى التنظيم.
ولفتت المصادر حول وجود إشكال واحد في الاتفاق وهو ما أدى إلى التصعيد الجديد بين الطرفين، مشيرةً إلى أنه على الرغم من أن الاتفاق لم ينص بشكل صريح على تفكيك التنظيم نفسه، إلا أن البنود المفروضة من هيئة تحرير الشام تُشير إلى ذلك بشكل صريح.
وأضافت أن قيادة التنظيم ترفض حتى اللحظة حل التنظيم بشكل كامل، موضحةً أن قيادة جند الله تحاول الإبقاء على الرابطة التنظيمية بين عناصرها تمهيداً لانضمامهم بشكل جماعي لإحدى التشكيلات، وهو الأمر الذي ترفضه تحرير الشام بشكل قاطع.
وكشفت المصادر أن قيادات من تنظيم جند الله، دعت العناصر في اجتماع مغلق إلى الانضمام لـ"جبهة أنصار الدين" التي تحولت مؤخراً إلى ملاذ للسلفيين الهاربين من التنظيمات التي فككتها تحرير الشام خلال العامين 2020 و2021، وهو ما أثار غضب تحرير الشام التي تعتبر أنصار الدين من التنظيمات التي تميل فكرياً لتنظيم القاعدة، فضلاً عن خوفها من تحولها إلى حركة ذات قوة جهادية كبيرة قادرة على منافستها مستقبلاً والإطاحة بها.
وكانت جبهة أنصار الدين قد أعلنت انشقاقها عن هيئة تحرير الشام، في شباط 2018وأعلنت أنها جماعة مستقلة إدارياً وتنظيمياً، ولا تتبع لأي جهة سواء كانت داخلية أو خارجية.
سلفيون يتهمون الهيئة بنقض الاتفاق
وفي خضم التطورات بين هيئة تحرير الشام وتنظيم جند الله، اتهم السلفيون المناهضون لتحرير الشام، الأخيرة بنقض الاتفاق مع جند الله وذلك في معرض ردهم على الادعاءات التي يروجها أنصار تحرير الشام والتي تتحدث عن عدم التزام التنظيم بتطبيق بنود الاتفاق الذي تم التوصل اليه.
وأشار عدد من السلفيين المناوئين للهيئة، إلى أن حملة الاعتقالات الأخيرة التي استهدفت العناصر المهاجرة ضمن التنظيم، تندرج ضمن السياسة الأمنية الجديدة لتحرير الشام وما يرافقها من أساليب ضغط وتضييق بحق المهاجرين في مناطق سيطرتها، وأردفوا بالقول "الجولاني يُنفذ أجندة خارجية تسعى لقتل المهاجرين وتشرديهم، الجولاني بات شرطي المنطقة، وخادم للمخططات الغربية المُحاربة للإسلام والجهاد".
ومنذ أواخر عام 2021 الفائت، اتبعت هيئة تحرير الشام، عدة إجراءات استهدفت بمجملها، المهاجرين الأجانب المتواجدين في مدينة إدلب وريفها، وريف اللاذقية، ثم ما لبثت أن تطورت الخلافات بين الطرفين إلى اشتباكات أفضت إلى إقصاء هيئة تحرير الشام عدة تنظيمات سلفية، ذات جنسيات أجنبية، كـ تنظيمي "جند الله" و "جنود الشام".
تصعيد ممنهج ضد المهاجرين
ومع دخول العام الجديد، صعدت هيئة تحرير الشام من إجراءاتها الأمنية ضد المهاجرين الأجانب، وذلك عبر إبلاغ حكومة الإنقاذ بداية شهر شباط الجاري، عدداً من السلفيين المهاجرين القاطنين في مدينة إدلب وريفها، بضرورة إخلاء المنازل التي يقيمون فيها خلال فترة محددة.
وذكر تقرير سابق لـ"وكالة المجس" أن البلاغات شملت أيضاً عائلات مهاجرين كانت تحرير الشام اعتقلتهم في وقتٍ سابق ولازالوا حتى اللحظة معتقلين لديها، ونقل التقرير عن سلفيين مناوئين لتحرير الشام وزعيمها أبو محمد الجولاني قولهم، إن الجولاني غدر بالمهاجرين الذين جاءوا لنصرة أهل الشام، مبينين أن جُل المنازل التي طلبت تحرير الشام إخلاءها، تعود ملكيتها لعناصر وموالين للنظام السوري، كانوا قد رحلوا عن المنطقة بعد سيطرة "جيش الفتح "على المحافظة عام 2015.
وشددوا على أن "المهاجرين المستهدفين"، معظمهم من المستقلين والمناهضين لتحرير الشام عموماً، وسط تبرير تحرير الشام لتلك الاجراءات بأنها تأتي في سياق حماية المدنيين وإبعاد السلفيين المطلوبين دولياً عن مراكز التجمعات السكانية الكبيرة ودفعهم للخروج نحو الأرياف والقرى الصغيرة.
وكانت حكومة الإنقاذ بدأت مطلع العام الجاري، التحضير لإصدار بطاقات شخصية لسكان محافظة إدلب، حيث وسعت مكاتب السجلات المدنية وجهزتها بالمعدات، وأوضحت عبر معرفاتها الرسمية أنه من المفترض أن يبدأ العمل قريباً لاستصدار البطاقات للأهالي.
وبحسب مصادر محلية في إدلب، فإن حمل البطاقة الشخصية الجديدة حال إصدارها، سيكون شرطاً أساسياً لإتمام أي معاملة والحصول على أي خدمة عامة بما في ذلك المرور عبر الحواجز، مبينةً أن أكبر المتضررين من القرار المهاجرين الذين سيطالبون بحمل بطاقات شخصية تعرف عن أسمائهم الحقيقية وهذا ما يرفضونه بشكلٍ قاطع، مشيرةً إلى أن إصدار البطاقات الشخصية، يُعتبر جزءاً من الخطة الأمنية الجديدة لتحرير الشام، حيث تسعى تحرير الشام لاستحواذ قاعدة بيانات واسعة حول هويات المهاجرين ومناطق انتشارهم وسكنهم، مدعيةً أن هذا سيساعدها على ضبط الوضع الأمني وتقييد حركة عملاء تنظيم الدولة شمال غرب سوريا.
وكانت هيئة تحرير الشام، قد أعلنت في تشرين الأول الفائت، عن سيطرتها الكاملة على جميع المواقع العسكرية التي كانت بحوزة تنظيم “جند الله”، بعد أيام من إعلانها إنهاء فصيل جنود الشام الذي كان تحت قيادة مسلم الشيشاني.
وقال المسؤول الأمني والقيادي البارز في هيئة تحرير الشام أبو مارية القحطاني، في تبريره للحملة العسكرية حينها، إن المعركة التي تشنها هيئة تحرير الشام في جبل التركمان هي ضد جماعة تكفيرية تدعى جند الله، مضيفاً أن هذه الجماعة باتت تجمع فلول القاعدة وحراس الدين وتنظيم الدولة وخلايا الغلاة والخوارج، وتقيم معسكرات في جبل التركمان وتنظم عمليات أمنية ضدنا وضد الجيش التركي في إدلب.
وأضاف القحطاني أن تحرير الشام أرسلت وساطات إلى مسلم الشيشاني قائد جند الشام لتحييده في هذه المعركة، لكنه اصطف إلى جانب جند الله ما اضطر الهيئة لقتاله وتحييده عسكرياً، موضحاً أن الشيشاني تحالف معهم رغم خلافه الفكري معهم، متهماً إياه بتشكيل جيش خراسان بتمويل مشبوه.
وتسعى تحرير الشام من خلال الحملات العسكرية على الجماعات الجهادية الأجنبية، والتضييق على المهاجرين، إلى ضمان استمرارها كحاكم مُطلق لمدينة إدلب، فضلاً عن أرسال رسائل للغرب بقدرتها على إنجاح المشروع الإسلامي المحلي الذي تزعم بأنه لن يشكل أي تهديد للدول المحيطة بسوريا.