تقرير للغارديان يكشف عن مجزرة جماعية في حي التضامن وكيفية ملاحقة أحد مجرمي الحرب

أظهر فيديو جديد، نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية اليوم الأربعاء، قيام عنصر من قوات النظام السوري بعمليات إعدام جماعية في حي “التضامن” جنوب العاصمة دمشق بحسب ما ذكر “أ ي”، ويظهر الفيديو قيام عناصر من قوات نظام الأسد بتكويم الجثث فوق بعضها وحرقها.
وقالت الغارديان: “هذه قصة جريمة حرب قام بها أحد أشهر الأفرع التابعة للنظام السوري، الفرع 227 المعروف باسم فرع المنطقة من جهاز المخابرات العسكرية.
وتظهر اللقطات التي حصلت عليها الصحيفة، "مذبحة" ارتكبت في الضاحية الجنوبية لدمشق في نيسان 2013، حيث تم إلقاء القبض على مجموعات من المدنيين، كانوا معصوبي الأعين، ومقيدي الأيدي، وساروا نحو حفرة الإعدام، غير مدركين أنهم على وشك أن يقتلوا بالرصاص.
وتقول الصحيفة وفقاً لترجمة "وكالة المجس"، "عندما انتهت عمليات القتل، لقي ما لا يقل عن 41 رجلاً مصرعهم في المقبرة الجماعية بالتضامن، وسكب قتلتهم الوقود على رفاتهم وأشعلوها ضاحكين وهم يتسترون على جريمة حرب".
وقالل "مارتن تشولوف" مراسل الغارديان في الشرق الأوسط، إن هذا الفيديو هو من أفظع ما رآه في الصراع السوري بأكمله، وقال إن هذه اللقطات تعطينا لمحة عن جزء لم يسبق وصفه من الحرب المستمرة منذ 10 سنوات.
وتبدأ القصة بعد أن شاهد أحد رجال الميليشيات الملتحق حديثاً بوظيفته مقطع فيديو لـ41 شخصاً يُقتلون بوحشية ، حينها قرر أنه يجب نقل الصور المروعة إلى العالم الخارجي.
ويُضيف التقرير في صباح ربيعي قبل ثلاث سنوات ، تسلم مجند جديد في إحدى الميليشيات السورية الموالية حاسوبًا محمولًا تابعاً لأحد الأجنحة الأمنية لبشار الأسد، فتح الشاشة ونقر بفضول على ملف فيديو ، وهي خطوة شجاعة بالنظر إلى العواقب إذا كان أي شخص قد ضبطه وهو يتطفل.
كانت اللقطات غير مستقرة في البداية ، قبل أن تقترب من حفرة محفورة حديثًا في الأرض بين قذائف مبنيين مثقوبة بالرصاص. جثا ضابط مخابرات يعرفه على ركبتيه بالقرب من حافة الحفرة مرتديا زيا عسكريا وقبعة صيد، وهو يلوح ببندقية هجومية ويصدر أوامر بالنباح.
تجمد رجل الميليشيا المبتدئ في حالة من الرعب مع انتشار المشهد: تم اقتياد رجل معصوب العينين من مرفقه وطلب منه الركض نحو الحفرة العملاقة التي لم يكن يعلم أنها تقع أمامه، كما أنه لم يتوقع دوي الرصاص في جسده المفلطح بينما كان يسقط على كومة من القتلى تحته، واحدًا تلو الآخر، تبعه المزيد من المعتقلين المطمئنين، قيل للبعض إنهم كانوا يركضون من قناص قريب، بينما تعرض البعض الآخر للسخرية والإيذاء في اللحظات الأخيرة من حياتهم، بدا أن الكثيرين يعتقدون أن قتلتهم يقودونهم بطريقة ما إلى بر الأمان.
عندما تم القتل ، مات ما لا يقل عن 41 رجلاً في مقبرة جماعية في ضاحية التضامن بدمشق ، وهي جبهة قتال في ذلك الوقت في الصراع بين رأس النظام السوري، والمعارضين الذين ثاروا ضده، وأضاف التقرير إلى جانب أكوام التراب المتكدسة التي ستُستخدم قريباً لإنهاء المهمة، صب القتلة الوقود على الرفات وأشعلوها، ضاحكين وهم يتسترون حرفياً على جريمة حرب على بعد عدة أميال فقط من مقر السلطة في سوريا.
وأشار إلى أنه ساد شعور بالغثيان لدى المجند، الذي قرر على الفور أن اللقطات بحاجة إلى المشاهدة في مكان آخر، قاده هذا القرار بعد ثلاث سنوات، في رحلة محفوفة بالمخاطر من واحدة من أحلك اللحظات في تاريخ سوريا الحديث إلى الأمان النسبي في أوروبا، ووحدته أيضاً مع اثنين من الأكاديميين الذين أمضوا سنوات في محاولة نقله إلى بر الأمان مع تحديد الرجل الذي قاد المذبحة وإقناعه بالاعتراف بدوره.
إنها قصة جريمة حرب ، تم تنفيذها حينها من قبل أشهر منفذي “النظام السوري”، الفرع 227 من جهاز المخابرات العسكرية في البلاد ، والتي توضح أيضًا الجهود المضنية لقلب الطاولة على مرتكبيها بما في ذلك كيفية قيام باحثين في أمستردام خدع أحد أكثر ضباط الأمن شهرة في سوريا من خلال غروره على الإنترنت وأغرائه لإفشاء الأسرار الشريرة لحرب الأسد.
لقد ألقى عملهم الضوء بشكل غير مسبوق على الجرائم التي كان يُعتقد سابقًا أن النظام ارتكبها على نطاق واسع في ذروة الحرب السورية، لكنه دائمًا ما ينكر أو يُلقى باللوم على الجماعات المتمرد والجهادين.
ويقول التقرير إنه بعد تسريب ذلك الفيديو، لأحد ناشطي المعارضة في فرنسا أولاً، ثم لهذين الباحثين وهما أنصار شحود والبروفسور أوغور أوميت أونغور، من مركز المحرقة والإبادة الجماعية التابع لجامعة أمستردام، بات على المصدر أن يتغلب على خوفه من الاعتقال والقتل واحتمال نبذ أسرته له، بما أنها تنتمي إلى الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، وهنالك كثير من أقاربه يشغلون مناصب كبرى في السلطة ضمن ما تبقى من سوريا. بيد أنه أدرك في نهاية الأمر بأنه مع وجود مئات الأشخاص في مختلف بقاع العالم يسعون لمحاكمة الأسد على جرائم الحرب التي ارتكبها، سيصبح هذا الفيديو دليلاً بارزاً في القضية التي سترفع على بشار الأسد.
ولكن في بداية الأمر، كان على أنصار وأوغور التعرف إلى هوية الشخص الذي يعتمر قبعة صيد، ولذلك لجآ إلى الشيء الوحيد الذي اعتقدا أن بوسعه مساعدتهما في تحقيق ذلك، ألا وهو صديق صدوق.
كانت أنصار تعرف بأن جواسيس النظام والضباط العسكريين لديه يميلون لاستخدام فيس بوك، إذ بالرغم من سرية حياتهم المهنية، فإنهم لا يجعلون من بيئة التواصل الاجتماعي لديهم بيئة خاصة أو شخصية، ولهذا اختارت لنفسها اسماً وهمياً وهو: Anna Sh، وطلبت من صديق مصور أن يلتقط لها صورة مغرية تظهر جانباً من وجهها، بعد ذلك نشرت على الصفحة الرئيسية تحية كبيرة لبشار الأسد ولعائلته، وانطلقت في محاولتها لتجنيد الأصدقاء.
ويضيف بقيت أنصار تجوب فيس بوك ليل نهار على مدار العامين التاليين وهي تحاول البحث عن أي شخصية مشتبه بها، وعندما وجدت من صدقها، أخبرته بأنها باحثة تدرس النظام السوري من أجل أطروحتها، وقد نجحت في ذلك في نهاية المطاف، إذ تعرفت إلى مزاج النظام حينئذ، فصاغت برفقة أوغور نكاتاً ونقاطاً للحديث لتساعدها في الوصول إلى نهج معين. وسرعان ما أصبحت Anna Sh معروفة بين أوساط الأمن في سوريا بأنها شخصية متفهمة، ومتعاطفة أيضاً، وعن ذلك تحدثنا أنصار فتقول: "كانوا بحاجة للتحدث إلى أي شخص كان، ليحكوا له عن تجاربهم، ولهذا أطلعناهم على بعض القصص والأخبار، واستمعنا لكل الأخبار التي حدثونا عنها، من دون أن نركز على جرائمهم وحسب".
في آذار 2021، حصل التقدم في ذلك السياق أخيراً، بعدما كسب حساب Anna Sh على فيس بوك ثقة أكثر من 500 مسؤول مخلص لدى النظام. وبينما كانت تبحث في صور الأصدقاء الذين أوقعت بهم بحبائلها هناك، ظهرت لها صورة لرجل صاحب وجه دائري مميز ظهرت عليه ندبة وله لحية، كان هذا الشاب قد أطلق على نفسه اسم أمجد يوسف، وكان هذا الشخص يشبه إلى حد كبير الرجل المسلح الذين كان يعتمر قبعة صيد والذي أنهكت أنصار نفسها وهي تبحث عنه. وبعد فترة قصيرة، حصلت أنصار، أو Anna Sh -إذ كان من الصعب التمييز بينهما حينئذ- على دليل قدمه مصدر من داخل التضامن يؤكد أن القاتل يحمل رتبة رائد في الفرع 227 التابع للمخابرات العسكرية في سوريا، وعن ذلك تقول: "شعرت بارتياح لا يوصف، إذ كان أمامي شخص لديه مفتاح كل شيء، لذا كان علي أن أدفعه للحديث معي".
تتذكر أنصار تلك اللحظة التي ضغطت فيها على زر إرسال طلب الصداقة، والحماسة التي غمرتها عند قبول الضحية للطلب، أي أنه ابتلع الطعم بعد مرور كل هذا الوقت. والآن يجب عليها أن تستميله، إلا أن المكالمة الأولى أتت عابرة وسريعة، وذلك لأن أمجد شك بها فأنهى المكالمة سريعاً، إلا أن شيئاً ما في تلك المحادثة الأولى ألهب فضوله، فتحول الصياد إلى فريسة، ولكن هل كان ذلك بسبب الإثارة التي يشعر بها المرء عندما يتحدث إلى امرأة غريبة؟ أم أنه كان بحاجة إلى استجواب الشخص الذي تجرأ على الاقتراب منه؟ أم أن السبب شيء آخر؟ على أية حال، عندما اتصل أمجد اتصال فيديو بعد مرور ثلاثة أشهر على ذلك، ضغطت أنصار على زر التسجيل، وهي ترد على المكالمة باسم آنا.
بعد مرور كل تلك السنين، وقع ذلك المجرم في الفخ، بالرغم من أنه كان صارماً في البداية، فطبيعة شخصيته تعود لجاسوس يسيطر على كل حواراته ويستعين بصمت القبور على الفور كسلاح يدافع به عن نفسه، ولهذا كان حديثه مقتضباً، وإذا تحدث يأتي حديثه تمتمة، بشكل يجبر السامع على الإنصات له بثبات. إلا أن آنا فعلت كل ما بوسعها لتجرد أمجد من أسلحته، حيث أخذت تبتسم له بخجل وتضحك وهي تخضع له مذعنة وهو يمطرها بالأسئلة، وهكذا جرى كل شيء وفقاً لشروطه، وبالتدريج بدأ وجهه الجامد يسترخي، فكسبت آنا الجولة، وهنا سألته عن التضامن، ثم طرحت عليه سؤالاً غير نبرة المحادثة كلها، وهو: "كيف كان شعورك وأنت جائع ومحروم من النوم، وأنت تحارب وتقتل وخائف على أهلك، وعلى شعبك. إنها مسؤولية كبيرة، وقد حملتها على كتفيك".
عندئذ اعتدل أمجد على كرسيه، في إقرار منه بظهور شخص يتفهم العبء الذي يتحمله أخيراً. ومنذ تلك اللحظة، أصبح هو الذي يشغل مقعد الاستجواب، أي أن الحوار لم يعد بيده، وذلك لأن آنا كانت لديها إجابة عن كل رد من ردوده، وهذا ما عزز ثقته وبث الطمأنينة لديه، وأرضى غروره. وهكذا تحولت آنا إلى معالجة نفسية لديه، وصوت لأفكاره، وامرأة موضع ثقة بما أنها أصبحت تفهمه من دون أن تطلق أحكاماً عليه.
خلال صيف العام الفائت، حاولت أنصار بمساعدة تلك الشخصية الوهمية، وبمساعدة أوغور الذي كان يجلس بعيداً عن الشاشة في معظم الأحيان، إقناع أمجد بالحديث، فقد كان هدفهم الولوج إلى عقل القاتل، إلا أن هدفهم الآخر هو جمع معلومات حقيقية حول السبب الذي دفعه للقيام بذلك وانتزاع اعترافات منه. ولهذا أخذا يبحثان في حسابه على فيس بوك حتى يعثرا عن أي مفتاح يقودهم لذلك، فصادف أن عثرا على صورة لشقيقه الأصغر، وقصائد كتبها أمجد عقب وفاة شقيقه هذا في مطلع عام 2013، أي قبل ثلاثة أشهر من وقوع مجزرة التضامن. بقيت آنا تلاحقه من أجل مكالمة أخرى، لكنه ظل يتملص منها، ولكن في ساعة متأخرة من إحدى ليالي حزيران، أضاءت شاشة هاتفها معلنة عن اتصال عبر فيس بوك ماسنجر، كان أمجد هو المتصل، وكانت تلك فرصتها لكسب وده، كان أمجد مرتاحاً بشكل أكبر هذه المرة، فقد كان يرتدي قميصاً داخلياً وقد وضع علبة مشروب أو اثنتين على الطاولة. كانت الساحة له يومئذ، أو هكذا اعتقد، ولهذا بدأ بحديث مقتضب، حاول من خلاله أن يطرح أسئلة غير مباشرة على آنا التي انتهزت الفرصة وسألته عن شقيقه، وعندئذ بدأ القاتل والمتنفذ الذي يهابه الجميع بالبكاء، عندئذ تحولت آنا إلى وضع المعالجة النفسية، فأخذ يخبرها بأن عليه أن يبقى في الجيش بالرغم من احتمال أن تفجع والدته بفقدان ابن آخر، وأضاف قائلاً: "لقد فعلت ما يجب علي فعله"، بعد ذلك أتى أول اعتراف من قبل أمجد عندما قال: "لقد قتلت الكثير، وأخذت بثأري".
واعترافاً منه بخطورة ما قاله، قطع أمجد الحديث وأنهى الاتصال، وبات من الصعب العثور عليه طوال الأشهر القليلة التي أتت عقب تلك المحادثة، إذ لم يكن يرد إلا كتابة وأخذ يسأل آنا عن موعد عودتها إلى سوريا، فمن هي تلك المرأة التي سلبته لبه؟ ومتى سيتسنى له استجوابها على طريقته وبشروطه.
ولاحقاً وعبر تطبيق فيس بوك ماسنجر، استخدمت أنصار هويتها الحقيقية هذه المرة بدلاً من آنا، لترسل إلى أمجد تسجيلاً مرئياً مدته 14 ثانية، وتخبرنا عما جرى فتقول: "كان أول سؤال سألني إياه هو: هل هذا أنا الذي في الفيديو؟ فأجبته: نعم هذا أنت، فرد: أجل، هذا أنا، ولكن عن أي شيء يدور هذا الفيديو؟ لا شيء، فأنا أعتقل أحد الأشخاص، وهذا هو عملي".
وعندما أدرك أمجد عواقب الفعل الذي عرض عليه، أخذ يتهجم على عناصر في جبهة الدفاع الوطني، أي تلك الميليشيا التي كان ذلك المجند الغر ينتمي إليها، حيث وصفهم بأنهم سفاحون وقتلة، وبأنه ليس مثلهم، وبعدما كف عن المضي في تلك الحيلة، تبنى أمجد ما فعله بكل تحد حيث كتب في رسالة: "إنني فخور بما فعلته"، وذلك قبل أن يهدد أنصار هي وأسرتها بالقتل.
لم ترد أنصار ولا أوغور على أمجد منذ شهر شباط وقاما بحظره على حساباتهما عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه حاول الوصول إليهما مرات عديدة، إذ من الواضح أنه قلق حيال ما سيحدث وما سيحل به مستقبلاً، وذلك لأن المحاكمات على جرائم الحرب في ألمانيا بدأت تكسر الدرع الحصين لحالة الإفلات من العقاب التي احتمى بها نظام الأسد في سوريا، ومع ذلك، لم تشتمل جلسات الاستماع في تلك المحاكمات على دليل دامغ مثل الذي ظهر في مقطع الفيديو الذي يوثق مجزرة التضامن.
وفي شهر شباط، سلم أوغور وأنصار الفيديوهات والمذكرات التي لديهما، والتي تشتمل على آلاف الساعات من المقابلات، إلى النيابة في هولندا وألمانيا وفرنسا، فيما وصل المصدر إلى مكان آمن خارج سوريا، وتصفه أنصار بقولها: "إنه سعيد بقراره، إذ إن المرء يرغب بفعل ما هو صحيح في بعض الأحيان، وأنا إن تعلمت شيئاً من هذه التجربة فهو أن الخير ما يزال موجوداً لدى البشر، وما يزال بوسع الحقيقة أن تبصر النور في نهاية المطاف".

المصدر: الغارديان

ترجمة: المجس

ذات صلة