ركزت إيران خلال الفترة الفائتة، على تعزيز وجودها العسكري والديني في قرية حطلة شمالي دير الزور، وذلك عبر توسيع الحسينيات القديمة، وإنشاء حسينيات جديدة، وسط تقارير عن إنشاء مزار ديني جديد في البلدة.
وقالت مصادر مطلعة لـ"وكالة المجس" إن منظمة جهاد البناء الإيرانية، وبتنسيق مع المركز الثقافي الإيراني، قامت ببناء مزار شيعي جديد وسط قرية حطلة، مشيرةً إلى استقدام عدد من المهندسين من العراق للإشراف على عمليات البناء.
وأضافت المصادر أن الميليشيات الإيرانية، وعلى رأسها الحرس الثوري الإيراني، تسعى من خلال المزار الجديد، إلى جعل القرية بمثابة وجهة دائمة للحجاج الشيعة القادمين إلى سوريا، وذلك بهدف استقطاب أكبر عدد من العناصر الأجانب والمحليين إلى القرية، وجعلها بمثابة قاعدة عسكرية كبيرة للميليشيات الإيرانية.
وأشارت المصادر إلى أن طهران، أوعزت للحرس الثوري الإيراني، بتقديم الدعم الكامل لمنظمة الجهاد الإيرانية، وإزالة العقبات التي تواجهها في حطلة وغيرها من مناطق ريف دير الزور، مبينةً أن المنظمة باتت تُعتبر ذراع إيران الأولى في سوريا، وبوابتها لنشر التشيع وإنشاء المقامات الوهمية الشيعية.
ولفتت المصادر أنه وبالتزامن مع إنشاء المزار الجديد في قرية حطلة، أنهت الورش التابعة لمنظمة جهاد البناء الإيرانية، في قرية السكرية بريف البوكمال بناء حسينية جديدة هناك، كما أنهت أعمال توسعة حسينية "قاسم سليماني" في مدينة الميادين، بهدف إقامة دورات ونشاطات دينية للقياديين تحت إشراف رجال دين شيعة.
وشددت المصادر على أن الميليشيات الشيعية، سخرت عدد كبير من عناصرها، لدعم المنظمة الإيرانية والمركز الثقافي، في عمليات بناء الحسينيات وإجراء توسعات لبعض الحسينيات في قرية "حطلة" وغيرها من مناطق دير الزور.
وبحسب المصادر فإن بلدة حطلة تضم عدداً من الحسينيات الشيعية، التي أنشأتها وتدير معظمها ميليشيا تابعة لـ "الحرس الثوري" الإيراني، مشيرةً إلى أن الإيرانيين بدأوا بتكثيف بناء الحسينيات في البلدة بعد سيطرتهم على المنطقة، وانحسار تواجد تنظيم الدولة، نهاية عام 2017.
ووفقاً للمصادر، تحتوي حطلة على أربع حسينيات يديرها الحرس الثوري الإيراني، ومنها حسينية "الإمام الباقر" و"أبو الفضل العباس"، و "الإمام الحسين"، و"قاسم سليماني" التي يشرف عليها أشد المقربين من الحرس الثوري المدعو "أمين الرجا"، حيث تعتبر هذه الحسينية مخصصة للشخصيات الهامة فقط ولا يسمح لأي شخص بالدخول إليها، وذلك لكونها مخصصة لقيادات الحرس الثوري، والوفود الإيرانية التي تزور المنطقة.
أهمية حطلة بالنسبة لإيران
سارعت إيران منذ اللحظات الأولى لدخولها دير الزور، إلى السيطرة على المدن والقرى الواقعة على طول الحدود السورية العراقية، وذلك لجعل المنطقة برمتها قاعدة مستقبلية للتمركز الإيراني في المنطقة، معتمدةً بذلك على وجود قرى شيعية في المنطقة، عززت من مكانة تلك الميليشيات اجتماعياً، وساهمت في تسارع عمليات التشييع التي شهدتها المنطقة.
واستغلت إيران وجود سكان شيعة في منطقتي "حطلة ومراط" شرق نهر الفرات، لتعزيز نفوذها وإيجاد موطئ قدم شيعي لها في شرق سوريا، على غرار الفوعة وكفريا في إدلب ونبل والزهراء في حلب.
واستندت إيران في نشر فكر التشيع وعمليات التوطين في دير الزور على حطلة ومراط ذات الأغلبية الشيعية وهو ما أسهم بتحويلهما لقاعدة انطلاق للفكر الإيراني الذي يستهدف تشييع القرى والبلدات المجاورة.
وتخضع حطلة ومراط للسيطرة الإيرانية المطلقة إضافةً لوجود جماعات عسكرية محلية بقيادة شخصيات دينية شيعية لها ارتباطات مباشرة بإيران، وتسعى سياسة التغيير الديمغرافي الإيرانية إلى إعادة توطين أفراد من الطائفة الشيعية في هذه المناطق ومنع السكان السنة من العودة إلى ديارهم.
وتستغل إيران العداوة القائمة بين أهالي حطلة ومراط وأهالي القرى الأخرى في المنطقة في تعزيز نفوذها، ويرجع جزء كبير من هذا العداء، إلى هجوم جرى في منتصف عام 2013 قُتل على إثره العشرات من الشيعة على أيدي فصائل المعارضة السورية انتقاماً لهجوم قام به رجال من حطلة ومراط على سيارة تقل أعضاء من الجيش السوري الحر نجم عنه العديد من الضحايا ما دفع فصائل المعارضة وجبهة النصرة إلى مهاجمة حطلة ومراط.
وبدأت المعركة في قرية حطلة بعد أن قتل عناصر الميليشيات أربعة من عناصر حاجز لواء القادسية التابع للجيش الحر، بعد أن أوقفوا سيارة خضار محملة بالأسلحة والذخيرة مصدرها النظام السوري، كانت متوجهة لعناصر الميليشيات في القرية، لتنطلق بعد ذلك المعركة التي بدأها الجيش الحر في المنطقة.
استمرت المعركة عدة ساعات انتهت بمقتل عدد كبير من عناصر الميليشيات بينهم نساء، وانتهت بالسيطرة على قرية حطلة، وهروب السكان الشيعة منها تجاه مناطق سيطرة النظام السوري، ليُشكلوا لاحقاً ميليشيات مسلحة هناك.
إيران وسياسة الأضرحة الوهمية
ويهدف الحرس الثوري الإيراني من خلال إنشاء مزارات وأضرحة وهمية في مناطق شرق سوريا، إلى كسب التعاطف الديني في المنطقة، ومنح الميليشيات التابعة له المبرر اللازم للانتشار فيها دفاعاً عن هذه المزارات.
وبعد هزيمة تنظيم الدولة عام 2017، سعى الحرس الثوري الإيراني لتوسيع نفوذه وترسيخه في محافظة دير الزور الواقعة شرق سوريا على الحدود مع العراق، عبر الترويج لعقيدة ولاية الفقيه التي تدعو للولاء للمرجع الأعلى الإيراني، ومحاولة صبغ المنطقة بطابع شيعي دخيل على الطبيعة المذهبية لأهالي تلك المناطق.
تنفيذ هذا المخطط بدأ بإشراف الحرس الثوري، وبمساعدة الميليشيات التابعة له، وتطور بعد ذلك عبر إنشاء فرق كشافة تُشرف عليها بشكل مباشر المراكز الثقافية الإيرانية، والوقف الشيعي في دير الزور.
واستكمالاُ للمخطط صادر الوقف الشيعي عقارات عدة في مدينتي دير الزور والميادين وفي بلدة البوكمال الحدودية وذلك بعد إطلاق يده في ملف التشيع، وشملت المصادرات عقارات أخرى في قرى القورية وحطلة والصعوة وجديدة عكيدات وأبو خشب وزغير جزيرة والكسرة.
مزارات وهمية للشيعة في سوريا
وفي مطلع عام 2018 وبعد تمدد المليشيات الإيرانية على حساب تنظيم الدولة في دير الزور، شرعت إيران ببناء مزار على نبع ماء في البادية قرب مدينة "القورية" بريف دير الزور الشرقي، ضمن حملة بناء المزارات التي تنفذها هيئات شيعية إيرنية بحجة إعادة بناء ما دمره تنظيم الدولة.
وبعد الانتهاء من البناء سلمت إيران عدداً من المتشيعين، من أبناء قرية حطلة إدارة هذا المزار الذي أُطلقت عليه اسم "النبع المقدس"، ليكون نقطة ارتكاز لها في هذه المنطقة التي تشكل بوابة العراق على سوريا.
وخلال الأعوام السابقة انتشرت عدة مقاطع مصورة تُظهر عناصراً من المليشيات المدعومة إيرانياَ، وهم يتبركون بالطين والماء في مزار "عين علي"، في ترويج واضح للمزار الجديد في المنطقة.
وبحسب مصادر متطابقة في القورية، فإن نبع "عين علي" هي عبارة عن نبع ماء صغيرة حديثة العهد قام أحد أصحاب الأغنام بحفرها واستعمالها كي تشرب المواشي منها، ومن ثم ادعت الميليشيات الإيرانية أنها نبع تاريخية تعود لزمن الإمام علي.
وفي حلب، حولت الميليشيات الإيرانية مسجد "مقام النقطة" في حي المشهد، إلى مركز إيراني لإدارة عمليات التشيع في جزء من أحياء حلب الشرقية، والريف الجنوبي، وتُشير المصادر إلى أن إيران أوكلت إلى مليشيا "لواء زينبيون" مهام حراسة هذا المسجد، مبينةً أن عدداً من المعممين قاموا بإجراء حلقات تدريس وتدريب للأطفال داخله، وشملت التدريبات تعليم الفنون القتالية لكشافة المهدي، وحلقات تدريس عقائدي.