هل ألغت تركيا عمليتها العسكرية شمال سوريا؟

باشر الجيش التركي، المنتشر على خطوط التماس بالقرب من مدينة "تل رفعت، بناء جدار اسمنتي على طول الجبهة المقابلة لها في ريف حلب الشمالي، والتي تشهدا انتشاراً كبيراً لمقاتلي حزب العمال الكردستاني بالإضافة لقوات النظام السوري وميليشيات إيران.
وقال مصدر عسكري من فصائل المعارضة السورية لـ"وكالة المجس" اليوم السبت، إن الجدار التركي الذي بدأ بناؤه سيمتد بين بلدة تلالين ومدينة مارع في ريف حلب الشمالي، ومن المقرر أن يبلغ طوله حوالي 4 كيلومترات.
وأضاف المصدر أن الخطوة التركية، جاءت بهدف منع استهداف طريق العربات التركية والحاجز الموجود بين تلالين ومارع من جانب حزب العمال الكردستاني، مشيراً إلى أن الآونة الأخيرة شهدت استهدافاً مكثفاً للعربات التركية وقوات الجيش الوطني من قبل القوات الكردية المنتشرة في تل رفعت.
من جانبها قالت مصادر معارضة إن بناء الجيش التركي للجدار في هذا التوقيت، يُشير بشكل كبير، إلى عدول أنقرة عن العملية العسكرية التي لطالما هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير دفاعة خلوصي آكار، بإطلاقها ضد قوات سوريا الديمقراطية.
وأضافت أن بناء الجدار يوحي بأن أنقرة تهدف فقط لحماية عرباتها المدرعة ودورياتها المنتشرة على خطوط التماس مع القوات الكردية، مشددةً على أن أنقرة سبق وأزالت عدة كتل اسمنتية في المناطق التي استهدفتها العمليات العسكرية التركية، وأردفت " العمل العسكري لا يحتاج لبناء تحصينات، بل يحتاج لهدمها".
فيما نفت مصادر أخرى نية أنقرة إلغاء العملية العسكرية ضد قسد، وقالت إن بناء جدار اسمنتي في محيط تل رفعت من جهة مارع شمال لا يعدو كونه إجراء احترازي، لصد هجمات حزب العمال الكردستاني، واستهدافاته الصاروخية التي تطال الجيشين التركي والوطني على حد سواء.
ولفتت المصادر أن أنقرة لا زالت عازمة على شن العملية العسكرية، وأن التفاهمات مع موسكو مستمرة حيال العملية، مشددةً على وجود قبول روسي للعملية التركية، مستشهدةً بذلك على عمليات الانسحاب التي نفذتها القوات الروسية قبل يومين من منطقة تل رفعت.
انسحاب روسي أم إعادة تموضع
لاتزال التحركات الروسية، في مناطق شمال سوريا، تتسم بالغموض وذلك بالتزامن مع تضارب الأنباء حول انسحاب القوات الروسية من منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي التي تسيطر عليها قوات النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية، على الرغم من كونها ستكون أولى المناطق التي تشهد اجتياحاً تركياً وفق تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وذكرت صحيفة صباح التركية، الخميس، أن القوات الروسية انسحبت من مدينة تل رفعت وأخلت مقارها، مشددةً على أن تل رفعت لم يتبقى فيها سوى قوات سوريا الديمقراطية،  التي تحاول التمويه على تواجدها عبر رفع الأعلام الروسية وعلم النظام السوري على المواقع العسكرية التابعة لها.
مصادر مقربة من قسد وفي حديث لـ"وكالة المجس" نفت مزاعم صحيفة صباح التركية حول الانسحاب الروسي من رفعت، وقالت إنه لا تبدل حتى اللحظة في خريطة الانتشار العسكري في المنطقة، مشيرةً إلى أن روسيا لا تمتلك بالأصل نقاط انتشار داخل مدينة تل رفعت، وإنما تنتشر في محيطها، وتسير بين الحين والآخر دوريات عسكرية إلى داخل المدينة لتفقد الأوضاع الميدانية والعسكرية.
وفندت المصادر ادعاءات الصحيفة حول بقاء قوات سوريا الديمقراطية، وحيدة على جبهات تل رفعت، مشيرةً إلى أن قوات النظام لا تزال موجودة في تل رفعت، وتُسيطر على نقاط عسكرية كاملة داخلها، كما أن بعض المجموعات التابعة للنظام ومليشيات إيران تتمركز في مطار منغ القريب من تل رفعت، فضلاً عن بقاء القاعدة الروسية بين المدينة وقرية تل جمال.
وشددت على أن التواجد العسكري الروسي، معنوي، ويُعتبر مانعاً أمام أنقرة في بدء عمليتها العسكرية، دون تنسيق مع موسكو، معتبرةً أن الأنباء التي تتداولها الصحف التركية عن انسحاب الروس من تل رفعت، لا تتعدى كونها حرب إعلامية تهدف لإضعاف الروح القتالية للمقاتلين الأكراد، وإرسال رسائل تطمين داخلية مفادها أن تركيا تواصل الضغط على روسيا للبدء بعمليتها المزعومة شمال سوريا.
استهداف متواصل لعناصر PKK شمال سوريا
وفي ذات السياق تواصل تركيا، عمليات استهداف قادة وعناصر في حزب العمال الكردستاني، شمال سوريا، وذلك بالتزامن مع إحباط عدة عمليات تفجير كانت ستضرب تجمعات الجيشين التركي والوطني السوري، عبر شاحنات مفخخة مصدرها مناطق سيطرة حزب العمال في تل رفعت.
وأعلنت وزارة الداخلية التركية، اليوم السبت، أن الفرق المتخصصة التابعة لها، فجرت شاحنة مفخخة تابعة لـ "حزب العمال الكردستاني" (PKK) في ريف حلب، وقالت في بيانٍ لها إن السيارة فُجرت بمحيط قرية "الحمران" في الريف الشرقي لحلب شمالي سوريا.
وذكرت الوزارة، أن عناصرها الأمنية تلقت، معلومات استخبارية حول ركن "PKK" شاحنة ملغمة في محيط قرية الحمران الواقعة على خط التماس في منطقة عملية درع الفرات لاستخدامها في أعماله "الإرهابية" على حد تعبيرها، موضحةً أن العناصر وجهت فرق تفكيك المتفجرات إلى المنطقة والتي قامت بتفجير الشاحنة بشكل محكم بعد اتخاذ التدابير الأمنية.
من جانبها أعلنت وزارة الدفاع التركية، اليوم، أنها حيدت 5 عناصر من "PKK"، في منطقة "درع الفرات، وذلك بعد يوم واحد من إعلانها تحييد 18 عنصراً من الحزب في عمليات متفرقة.
وذكرت الوزارة التركية، أمس الجمعة، في بيان أن "إرهابيي التنظيم كانوا يستعدون لشن هجمات تستهدف مناطق عمليات الجيش التركي شمالي سوريا"، مشيرةً إلى أن الحزب ينشط في عدة دول بالمنطقة بينها سوريا والعراق وإيران، فضلا عن المنطقة الحدودية التركية مع سوريا والعراق.
نبل والزهراء يُدخلان إيران على خط المواجهة مع أنقرة
وعلى صعيد آخر لا يبدو أن التواجد الروسي في منطقة تل رفعت، ومعارضة موسكو حتى اللحظة أي عملية عسكرية تركية هناك، العائق الوحيد أمام أنقرة في بدء عمليتها العسكرية، حيث تتوارد الأنباء حول وجود رفض إيراني قاطع للعملية، وذلك لحساسيتها، كونها ستجعل فصائل المعارضة السورية على خطوط التماس المباشرة مع بلدتي نبل والزهراء، اللتين ينتمي سكانهما للمذهب الشيعي، وتُعدان الخزان البشري للمليشيات الموالية لإيران.
وكشف المتحدث باسم الخارجية الإيرانية "سعيد خطيب زادة" عن وجود خلافات بين بلاده وأنقرة، حول الملف السوري، مجدداً رفض طهران للعملية العسكرية التي هدد بتنفيذها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شمال سوريا.
وقال زادة في حديث صحفي لوسائل إعلام إيرانية، اليوم الاثنين: "الملف السوري موضع خلاف بين طهران وأنقرة، وأبلغنا الجانب التركي بضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية"، مشدداً على أن موقف طهران من التطورات في سوريا واضح، وأردف " أوضحنا موقفنا، وحاولنا إدارة الاختلافات، قلنا في اجتماع أستانا أن الحرب ليست الحل وأنه يجب الحفاظ على وحدة أراضي سوريا".
وتجدد طهران في كل مناسبة رفضها، للتحركات التركية الرامية لشن عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، شمال سوريا، حيث سبق وأكدت أنها "تعارض أي نوع من الإجراءات العسكرية واستخدام القوة في أراضي الدول الأخرى بهدف فض النزاعات"، واعتبرت أن أي هجوم سيؤدي إلى مزيد من التعقيد والتصعيد.
ويرى الكاتب الصحفي "جمال العلي"  أن تركيا وإيران تتجهان إلى مواجهة في سوريا، مشيراً إلى أن معارضة طهران بشكل صريح خطة أنقرة لعملية عسكرية جديدة ضد المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، تندرج في إطار خوفها من المخاطر على موقفها في المنطقة".
وأشار العلي أن إيران تتخوف من أن تواجه نبل والزهراء، مصيراً مشابها لبلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب، حيث تم تهجير سكانهما باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري، وذلك وفقاً لاتفاقات لم تكن لطهران فيها الرضا الكبير، لافتاً أن إيران تتخوف في المرحلة الحالية من أي تفاهم روسي-تركي، قد ترى طهران نفسها خارجه، ما دفعها لتعزيز قواتها بشكل كبير في محيط البلدتين، في إشارة واضحة أن قواتها لن تبقى مكتوفة الأيدي حيال التحركات العسكرية في المنطقة.
وفي 11 حزيران الجاري، نشر موقع المونيتور الأمريكي تقريراً، بعنوان "إيران وتركيا تستعدان للمواجهة في سوريا"، مشيراً إلى أن طهران تحاول ثني الجانب التركي عن أي تدخل جديد في البلاد، وذكر التقرير "نبل والزهراء" حيث قال "هاتين غير بعيدتين عن منطقة رئيسية في مرمى أنقرة"، في إشارة إلى تل رفعت، التي حددها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان كهدف رئيسي للعملية العسكرية المحتملة.
ونقل التقرير عن صحفي إيراني يتابع العلاقات التركية الإيرانية عن كثب قوله إن "طهران أرسلت مسؤولاً في المخابرات العسكرية إلى أنقرة لنقل اعتراضاتها"، وشدد على أنه لا يخفى على أحد أن الوجود العسكري التركي في سوريا، نتيجة لثلاثة تدخلات منذ آب 2016 يمثل مصدر قلق أكبر لإيران من اهتمام روسيا، ويدل على ذلك وصف وسائل الإعلام الإيرانية وجود تركيا بأنه غزو مباشر، واتهام الجيش الوطني السوري على أنه تنظيم إرهابي تدعمه تركيا.
ورأى أن استيلاء تركيا على تل رفعت، التي وصفها الرئيس رجب طيب أردوغان صراحةً بأنها هدف إلى جانب منبج، من شأنه أن يعرض المستوطنات الشيعية القريبة في الزهراء ونبل وكذلك مدينة حلب للخطر، وتقع نبل والزهراء شمال مدينة حلب بنحو عشرين كيلومتراً، وتضمان نحو أربعين ألف مقاتل، ينتمون إلى الطائفة الشيعية في محيط سني، وتعتبر البلدتين قاعدتين للنفوذ الإيراني في الشمال السوري، وكانت لإيران وميليشياتها اليد الطولى في فك الحصار عنهما، مطلع عام 2016.