الآثار السورية: كنوز مدفونة تحت سيطرة الميليشيات الأجنبية

تخضع المناطق الأثرية الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، لعمليات تنقيب مستمرة، من ميليشيات ودول باتت تتحكم بكافة مفاصل الحياة السورية، وسط صمت رسمي من حكومة النظام السوري عن عمليات التنقيب غير الشرعية والتي تستهدف سرقة آثار سوريا، وتهريبها بهدف تمويل الميليشيات، وذلك في إطار التنافس الميليشياوي الحاصل على الأراضي السورية.
وفي شمال وشرق سوريا، بدأ الجانب الروسي وميليشيا حزب الله بإجراء عمليات تنقيب منفصلة في عدة مواقع من الرقة ودير الزور، وذلك بهدف الكشف عن مواقع أثرية جديدة لم يتم اكتشافها في وقتٍ سابق من قبل النظام السوري.
وقالت مصادر خاصة من دير الزور لـ"وكالة المجس" إن ميليشيا حزب الله اللبناني، بدأت قبل أيام، بعمليات تنقيب عن الآثار في موقع "تل بقرص" الأثري بريف دير الزور الشرقي، مشيرةً إلى أنها طوقت الموقع المذكور، ومنعت المدنيين والعسكريين الخاضعين لميليشيات محلية من الاقتراب من الموقع، تحت طائلة العقاب والمسؤولية.
وأضافت المصادر أن مجموعات عسكرية تابعة لحزب الله، قامت بقطع كافة الطرق الرئيسية والفرعية، الواصلة إلى التل الأثري، كما منعت المدنيين والمزارعين من أبناء المنطقة، من الوصول إلى منازلهم وأراضيهم عبر الطرق المذكورة.
وشددت المصادر على أن قطع الطرق، تزامن بشكل مباشر مع بدء عمليات التنقيب عن الآثار في التل، وذلك بحضور وإشراف مباشر من قادة الحزب وعلى رأسهم القيادي "أبو جعفر" الذي يحمل الجنسية اللبنانية.
وأشارت إلى أن ميليشيا حزب الله، استعانت بعمليات الحفر من عمال ينحدرون من القرية ذاتها، كاشفةً عن تجنيد قرابة  100 مدني، يعملون بنظام ورديتين، مشددةً على أن الحزب منع العمال من جلب هواتفهم المحمولة إلى المكان وذلك خشيةً من تسريب صور أو مقاطع فيدية لعمليات التنقيب، وإظهار القادة المشرفين على عمليات الحفر.
وشددت المصادر على وجود خبراء يحملون الجنسية العراقية، في كوادر الحزب العاملة في التنقيب، مشيرةً إلى أن عمليات التنقيب تتم بتنسيق مع قوات الفرقة الرابعة في جيش النظام السوري، كاشفةً عن عمليات تنقيب حصلت قبل شهر في منطقة الصالحية، وبالقرب من قلعة الرحبة.
وقالت إنها ليست المرة الأولى التي يقوم فيها الحزب، بإجراء عمليات تنقيب في موقع الصالحية، مؤكدةً أنه سبق وقام بنبش مقابر رومانية قديمة في المنطقة من أجل استخراج الحلي والذهب، وذلك لعلمه باحتواء القبور الرومانية على الذهب والحلي، بسبب العادات المتبعة من قبلهم في ذلك الزمن.
ونقلت عن مقربين من الحزب، قولهم إن الحزب أصدر أوامر لكوادر التنقيب، بإنهاء أعمال الحفر والبحث بأسرع وقت ممكن، وذلك لنيته نقل عمليات التنقيب في وقتٍ لاحق إلى "مقبرة الداوودية" الواقعة منتصف بلدة بقرص  وذلك بعد الانتهاء من أعمال التنقيب في التل.
تنقيب روسي في الرقة
من جانبها كشفت مصادر متطابقة من ريف الرقة لـ"وكالة المجس"، عن وصول وفد روسي إلى منطقة الرصافة في ريف الرقة الجنوبي برفقة ضباط من الشرطة العسكرية الروسية وحماية من قوات النظام، وذلك بهدف البحث عن التنقيب والآثار في المنطقة.
وقالت المصادر إن الوفد المذكور، ضم في صفوفه عدداً من خبراء الآثار الروس، مشيرةً إلى أنهم أجروا جولة في المناطق الأثرية لمدينة الرصافة، وسط استنفار أمني وعسكري في المنطقة لقوات النظام والمليشيات المدعومة روسيا.
وأضافت أن الوفد وصل من قاعدة "حميميم الروسية" إلى مطار الطبقة العسكري، ثم توجه نحو الرصافة بهدف الاطلاع على آثارها وإنشاء مخطط للتنقيب عن آثار جديدة.
وأوضحت أن الزيارة تزامنت مع تحليق مكثف للطيران المروحي والحربي الروسي في سماء المنطقة، بهدف تأمين حماية الزوار، وخوفاً من هجمات تنظيم الدولة المنتشر بكثرة في بادية الرصافة.
وفي آب الفائت نشر موقع "المينوتور" الأميركي المختص بقضايا الشرق الأوسط، تقريراً سلط فيه الضوء على محاولات روسيا تصوير نفسها على أنها حامية للتراث السوري، من خلال ترميم المواقع الأثرية في جميع أرجاء البلاد.
وكانت روسيا قد أعلنت في تموز الفائت، أن معهد تاريخ الثقافة المادية التابع لأكاديمية العلوم الروسية والمديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا، بدأ العمل على الحفاظ على مواقع التراث الثقافي في سوريا.
وفي تشرين الثاني من العام 2020، دعا وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات لترميم مواقع التراث في سوريا، مشيراً إلى أنه "لقد حان الوقت للمجتمع الدولي بقيادة اليونسكو لاتخاذ تدابير فعالة لترميم مواقع التراث العالمي في سوريا، التي تم تدميرها على يد الإرهابيين"، مؤكداً على أن روسيا مستعدة للإسهام في هذه القضية.
وفي أواخر العام 2020بدأت ورش التنقيب عن الآثار بمحيط مدينة تدمر وبلدة السخنة بإخراج آثار هذه المنطقة، وذلك بحسب دراسات قام خبراء روس بإجرائها في وقت سابق.
وفي آب من العام الفائت وصلت مجموعة من الخبراء الروس إلى العاصمة السورية دمشق بهدف الإشراف المباشر على أعمال التنقيب عن الآثار وإجراء مسحات للمواقع الأثرية السورية بشكل عام ومدينة تدمر في البادية السورية بشكل خاص.
وبلغ عدد الخبراء الروس الذين وصلوا إلى الأرضي السورية حينها عبر مطار دمشق الدولي 12 خبيراً ومختصاً بشؤون الآثار ويهدفون إلى إبرام عقود مع خبراء من سوريا للعمل ضمن فريقهم للتنقيب عن الآثار وإخراجها.
وأجرى الخبراء الروس اجتماعاً مغلقاً في مبنى السفارة الروسية في العاصمة السورية دمشق منتصف شهر آب الفائت بحضور 12 خبيراً روسياً و35 خبير آثار سورياً بهدف الاتفاق على آلية العمل من جهة وتوقيع عقود بين كلا الطرفين من جهة أخرى.
ميليشيات أفغانية تنقب عن الآثار
لم تقتصر عمليات التنقيب عن الآثار في سوريا، على روسيا وحزب الله فقط، بل امتدت لتشمل الميليشيات الأفغانية، التي أجرت مطلع العام الجاري، عمليات تنقيب بهدف البحث عن مصادر تمويل جديدة، تمكنها من تجنيد أكبر عدد من العناصر المحليين، وذلك في سياق التسابق العسكري الذي تشهده المنطقة بين روسيا والميليشيات التابعة لها من جهة، وإيران والميليشيات المرتبطة بها من جهة أخرى.
وأكد تقرير سابق لـ "المجس" أن ميليشيا "فاطميون" الأفغانية، استعانت بعناصر محلية ممن يعملون تحت إمرتها من أجل بدء عملية التنقيب عن الآثار والكنوز المدفونة في منطقة "السوق المقبي" بدير الزور، مستغلةَ الدمار الواسع فيه، نتيجة قصف النظام السوري والطيران الحربي الروسي له في فترات سابقة، ما يُسهل عمليات التنقيب دون عوائق.
وأضاف التقرير أن عدداً من العناصر المنضوين في صفوف ميليشيا فاطميون، والذين ينحدرون من مدينة دير الزور، اجتمعوا مع قادة في الميليشيا، وأشاروا عليهم بضرورة السيطرة على السوق المقبي في دير الزور، وذلك لما يحتويه من كنوز وآثار مدفونة تحت الأرض.
العناصر أطلعوا قادة فاطميون على عدد من المواقع داخل السورق يُعتقد أنها تحتوي على كميات كبيرة من الآثار، تُقدر قيمتها بملايين الدولارات، فضلاً عن تقديمهم عدة اقتراحات بخصوص المواقع المشكوك فيها داخل السوق، والتي من الممكن أن تحتوي هي الأخرى على آثار ودفائن، تُسهم في رفع العوائد المالية للميليشيات الإيرانية وتجعلها تتفوق مادياً على الإمكانيات التي تمتلكها الميليشيات التابعة لروسيا.
مجموعات عسكرية تابعة للميليشيا، حاولت حينها الدخول إلى السوق للبدء بعملية تنقيب عن الآثار المدفونة فيه، إلا أن الأمن السياسي التابع للنظام السوري اعترض طريق المجموعات ومنعها من الدخول إلى السوق، لتحدث مشادة كلامية، سُرعان ما تحولت إلى اشتباكات بين الطرفين.
وشدد التقرير على أن الخلاف بين الميليشيات الإيرانية والأمن السياسي، يرجع إلى توعد ميليشيا فاطميون عناصر الحاجز بالطرد من السوق المقبي بعد السيطرة عليه، مبيناً أن العناصر المحلية في ميليشيا فاطميون سارعوا لاتهام الأمن السياسي بإجراء عمليات تنقيب داخل السوق دون علم قيادة النظام، وهو ما استفز عناصر الحاجز وأدى لاندلاع الاشتباكات.
ويُعد السوق “المقبي” في دير الزور أقدم أسواق المدينة، وبُني عام 1864، إلا أنه تعرض لقصف من الطيران الحربي التابع للنظام السوري، وحليفته روسيا، ما أدى إلى دمار أجزاء واسعة منه، ويعتبر السوق المقبي أحد أهم المواقع الأثرية داخل دير الزور، ويضم سبعة أسواق تجتمع في مكان واحد، وهي "الحدادين، العطارين، الحبوب، التجار، عكاظ، الحبال، القصابين".