الحملة على السلفيين متواصلة: تحرير الشام تمهد لاستئصال جبهة أنصار الإسلام السلفية

يبدو أن الهدوء النسبي الذي شهدته مناطق شمال غرب سوريا، بعد الحملات العسكرية التي شنتها هيئة تحرير الشام، المُسيطر الفعلي على المنطقة، واستهدفت خلالها التنظيمات السلفية المُعادية لها، وحتى تلك التي كانت على علاقة دافئة بها، في إطار انتهاج تحرير الشام سياسة جديدة تسعى من خلالها للتقرب من الغرب عبر "تبديل الجلد"، قد انتهى مع تحركات جديدة قامت بها الأجهزة الأمنية التابعة لها، طالت فصيل "جبهة أنصار الإسلام".
وقالت مصادر مطلعة لـ"وكالة المجس" إن جهاز الأمن العام، الذراع الأمنية لهيئة تحرير الشام في مناطق شمال غرب سوريا،  اعتقل مؤخراً قيادياً بارزاً ينضوي ضمن جماعة "أنصار الإسلام" المتمركزة في مدينة جسر الشغور غرب محافظة إدلب وريف اللاذقية الشمالي الشرقي ومنطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي الشمالي.
وأضافت المصادر التي رفضت الكشف عن اسمها لأسباب أمنية، أن دورية أمنية تابعة لجهاز الأمن العام، داهمت قبل يومين منزل القيادي "أبو الدرداء الكردي" وهو قيادي عراقي الجنسية، ويُعتبر أحد قادة الصف الأول لدى جماعة "أنصار الإسلام" العاملة في منطقة إدلب.
ولفتت أن قوات الأمن العام اعتقلت الكردي من منزله الكائن في مدينة حارم الواقعة على الحدود السورية - التركية، شمالي غرب محافظة إدلب، واقتادته إلى سجن الزئبقي بالقرب من منطقة دركوش، والذي بات يُعرف بأنه يحتوي على معتقلين متشددين من جماعة "حراس الدين" وباقي الجماعات الإسلامية المتشددة.
وأشارت المصادر أن التصعيد الجديد الذي انتهجته تحرير الشام، ضد أنصار الإسلام، يشي بنوايا زعيمها "أبو محمد الجولاني" باستئصال الجماعة على غرار تنظيمات جند الله وجنود الشام، وحراس الدين المُتهم بمبايعته لتنظيم "القاعدة"، موضحةً أن الفترة الفائتة شهدت اعتقالات كبيرة طالت عدداً من قيادات وعناصر الجماعة.
وبينت المصادر أن اعتقال "أبو الدرداء الكردي" جاء في إطار عمليات استكمال الاعتقالات السابقة التي نفذتها "هيئة تحرير الشام" عبر جهازها الأمني ضد قيادات وأفراد جماعة "أنصار الإسلام " في سوريا.
وشددت المصادر على أن تحرير الشام استطاعت خلال الفترة الفائتة اعتقال عدد كبير من شخصيات الجماعة، أبرزها "أبو عبد الرحمن الكردي" القائد العسكري العام لجماعة "أنصار الإسلام"، كاشفةً أن الهيئة تُحضر لعمل عسكري ضد الجماعة، بسبب اتهامها إياها باحتضان فلول من قيادات تنظيم حراس الدين.
وشهدت العلاقة بين تحرير الشام وأنصار الإسلام منعطفاتٍ خطرة، بعد اعتقال تحرير الشام لعدد من القادة البارزين خلال حملة أمنية نفذتها على مواقع الجماعة في ريف جسر الشغور جنوب غربي إدلب بداية شهر حزيران الفائت، أسفرت عن اعتقال "مغيرة الكردي وعبد المتين الكردي وأبو علي القلموني وأبو عبد الرحمن الشامي" و أبو عمار الكردي وأبو شهاب الكردي.
ووفقاً للمصادر فإن الانتشار الفعلي لأنصار الإسلام يتركز في محيط مدينة جسر الشغور غرب محافظة إدلب، وفي منطقة دوير الأكراد ضمن منطقة سهل الغاب غرب محافظة حماة، وفي جبل التركمان شمالي شرق محافظة اللاذقية، ويبلغ تعداد عناصرها وقادتها نحو 250 شخصاً بينهم 150 مهاجراً من الكُرد الإيرانيين والعراقيين، و100 من السوريين.
علاقة شائكة مع تحرير الشام
توصف العلاقة بين تحرير الشام وجماعة أنصار الإسلام بأنها شائكة وغامضة في الوقت ذاته، حيث تتهم مصادر سلفية معارضة لهيئة تحرير الشام، جماعة أنصار الإسلام بأنها باتت منذ وقت طويل ضمن صفوف الهيئة، وتأتمر بأمرها، فيما يرى آخرون أنها أصبحت العدو الأول للهيئة بعد تمكن الأخيرة من استئصال الخصوم وضمان حياد الجماعة حينها عن المعارك التي استهدفت التنظيمات السلفية الأخرى كجنود الشام وجند الله وحراس الدين.
وقالت مصادر سلفية لـ"وكالة المجس" إن أنصار الإسلام وجماعة أخرى تُدعى شام وقعتا اتفاقاً سابقاً مع هيئة تحرير الشام بعدم الانجرار وراء التنظيمات الإسلامية المتشددة مثل تنظيم "حراس الدين" المتشدد، وهو ما ضمن للهيئة عدم تدخلهما أبداً في الاقتتال مع التنظيم وغيره ضمن منطقة إدلب.
وشددت المصادر على أن الجماعتين مرتبطتان بهيئة تحرير الشام، وتعملان تحت إمرتها، مؤكدةً أنه من المستحيل إطلاق عملية عسكرية ضدهما، منوهةً في الوقت ذاته أن الهيئة ربما غير راضية عن قيادات الصف الأول في الحركة، وتسعى لتغييرهم ووضع أشخاص موالين لها.
واستندت المصادر في العلاقة الوثيقة بين الهيئة والجماعة بعملية سابقة نفذتها أنصار الإسلام ضد النظام السوري، في منطقة سهل الغاب، حيث تبنت تحرير الشام العملية في إطار إثبات تبعية الجماعة لها.
وكانت جماعة "أنصار الإسلام" قد قالت في بيانٍ لها، نيسان الفائت، إن عدداً من عناصر النظام قتلوا فيما جرح آخرون، بعد انغماس أحد مقاتليها في موقع عسكري على جبهة "السرمانية" في منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي.
وفي تقريرٍ سابق لـ"المجس" أكدت مصادر مطلعة أن جماعة أنصار الإسلام تتبع عملياً لهيئة تحرير الشام التي يقودها أبو محمد الجولاني، إلا أنها منفصلة عنها نظرياً وشكلياً.
جماعة أنصار الإسلام
جماعة جهادية سلفية يشكل الأكراد العراقيون الغالبية فيها إلى جانب المقاتلين الكرد السوريين والأتراك والإيرانيين، تأسست عام 2001 شمالي العراق أو ما بات يُعرف بإقليم كردستان العراق وقاتلت ضد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، وقاتلت تنظيم الدولة في العراق والتحق ما تبقى من مقاتليها في صفوف الجماعة التي وصلت إلى سوريا مع بداية الثورة السورية.
يتزعم الجماعة في سوريا المدعو "أبو الحسن الكردي" وهو إيراني الجنسية، فيما يشغل "أبو سعيد الكردي" وهو أيضاً إيراني الجنسية، منصب النائب العام لزعيم الجماعة.
وتعتبر أنصار الإسلام الأكثر تشدداً بين الجماعات السلفية الكردية في إدلب، ومن أهدافها إقامة دولة إسلامية تحكمها الشريعة، وخلال العشر سنوات الماضية شهدت الحركة عدة تنقلات وتغييرات وسبق أن انضمت الجماعة منتصف العام 2020 إلى غرفة عمليات فاثبتوا بزعامة أبو مالك التلي المنشق عن الهيئة، لكن الجماعة اضطرت للانشقاق لاحقاً عن الغرفة لتجنب المواجهة مع الهيئة التي بدأت حينها مرحلة جديدة من الحرب على تنظيم حراس الدين التابع للقاعدة والذي كان العمود الفقري للغرفة.